ورقة عمل حول مقاومة الإرهاب التكفيري في لبنان

د. سمير صباغ

الإرهاب التكفيري ظاهرة جديدة تختلف عن سائر الأشكال الإرهابية التي عرفتها المجتمعات الإنسانية فيما مضى، فهو يدّعي استناده لأحكام الدين الإسلامي في المصحف الشريف وفي الأحاديث والسير النبوية وفي آراء واجتهادات وفتاوى الفقهاء والأئمة المسلمين على اختلاف مذاهبهم.

ما يهمنا ونحن نعاين هذا الإرهاب التكفيري وخطره الوجودي على الدول والشعوب الإسلامية وعلى دول العالم أن نسجل ما يلي:

أنّ القول باستناد هذا الإرهاب التكفيري لأحكام الدين الإسلامي هو مجرد وهم وادعاء متهاوٍ وباطل، فالإيمان ونقيضه الكفر في الإسلام متروك أمره للإنسان ولإرادته الحرة في الاختيار والاعتناق بين هذا وذاك، وأيضاً في العودة عن هذا الاختيار أو الاعتناق أو الانصراف عن كلا الإيمان والكفر معاً. هذا في الحياة الدنيا، أما الحساب والجزاء الثواب والعقاب ، فقد تبيّن أنّ الدين الإسلامي تركهما للحياة الآخرة. وعليه لا يحقّ لأحد في الحياة الدنيا نبياً أو رسولاً أو إماماً أو سلطةً سياسيةً أو مرجعيةً دينية أن يتدخل في حرية الإنسان واختياره الإيمان أو الكفر، واستطراداً، لا يحقّ لشخص أو هيئة اتخاذ صفة أو دور الاتهام أو الادعاء أو الحكم أو التدخل في الخلافات وتنفيذ العقوبة لمن كفر، فذلك الأمر يختصّ به الله وحده في الحياة الآخرة في يوم الحساب تبعاً لنص آيات المصحف ومنها التالية: «إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» البقرة 62 ، «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغَيْ» البقرة 256 ، «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» يونس – 99 ، «وقل الحقّ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» الكهف – 29 ، «إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين والمجوس والذين أشركوا ، إنّ الله يفصل بينهم يوم القيامة» الحج – 17 ، «وإن جادلوك ، فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم تختلفون» الحج 68 – 69 ، «فذكر إنما أنت بمذكر لست عليهم بمسيطر الغاشية 21- 22 ، «أدعك إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» النحل – 125 ، «إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا» الإسراء – 65 ، «ليس عليك هداهم ولكنّ الله يهدي من يشاء» البقرة – 27 ، «ولقد كرّمنا بني آدم وفضّلناهم على كثير من خلقنا تفضيلا» الإسراء – 70 .

فبهذه الآيات البينات في القرآن الكريم وغيرها الكثير تظهر كم هي راقيّة ورائعة تلك العلاقة بين الله وعباده والقائمة على الحرية في كلّ المجالات وعلى رأسها حرية المعتقد وحرية العبادة وحرية الطاعة وحرية المعصية إلى يوم الدين والحساب. فمن أين لهذا الإرهابي التكفيري أن يجوّز لنفسه تكفير الناس وتنفيذ العقاب قتلاً وذبحاً وبقراً للبطون وأكلاً للقلوب والأكباد، إضافة إلى إكراه أتباع الأديان الأخرى من غير المسلمين على إشهار إسلامهم، وذرائعه في ذلك السير على خطى الأسلاف في بعض فترات التاريخ العربي – الإسلامي بالرغم من أنّ النصّ القرءاني ينهيه عن ذلك: «تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون» البقرة 134 – 141 .

إنّ الأمة العربية بأقطارها كافة، ومعها العالم الإسلامي بكافة أممه، هما المستهدفان حالياً من قبل حركات الإرهاب التكفيري التي هي في الواقع نسخة منقّحة ومتقدمة عن قوى الفوضى الخلاقة التي ابتدعتها وهندستها وأطلقتها الإمبريالية الأميركية بالتحالف مع أنظمة الحكم العربية الرجعية البترولية ومع النظام الاستيطاني «الإسرائيلي» الصهيوني في فلسطين المحتلة وهدفها وضع خارطة الشرق الأوسط الجديد موضع التنفيذ وبها يتحقق ما يلي:

منع الأمة العربية من تحقيق وحدتها السياسية وتحقيق نهوضها الاقتصادي والاجتماعي، وأخذ موقعها الفعّال في العالم .

محاصرة نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وضربها بحجة سعيها إلى تملك السلاح النووي ومنعها من مساعدة قوى المقاومة والممانعة العربية وشلّ كفاحها المشروع من أجل تحرير الأرض العربية المحتلة في فلسطين وغيرها.

ضمان أمن «إسرائيل» إلى آماد طويلة وإبقائها الأقوى في الشرق وحارساً لمصالح أميركا الاستراتيجية في هذه البقعة من العالم واحتواء النفط العربي.

منع قيام محور عالمي، من جديد، في وجه محور الإمبريالية والعولمة يتألف من روسيا والصين وإيران والمنطقة العربية وسائر الدول في العالم المتضرّرة من آثار زعامة القطب الواحد للعالم.

إنّ الإرهاب التكفيري بكلّ مكوناته وتركيباته، بدءاً بـ»القاعدة» مروراً بـ»داعش» و»جبهة النصرة» وانتهاءً بالتنظيمات التكفيرية كافة، على اختلاف أحجامها وأسمائها والمنتشرة في آسيا وأفريقيا، وخلاياها النائمة هنا وهناك في أوروبا وفي بقيّة العالم، هو الخطر الوجودي الداهم، على غرار الخطر الوجودي المتمثل في «إسرائيل» والذي يجب التصدي له بكافة السبل العسكرية والأمنية والسياسية والفكرية والثقافية والتزام قواعد الاقتصاد الحربي في معركة لا تتوقف إلا باجثثاث هذا الخطر السرطاني.

إنّ المؤسسات الدينية الإسلامية الأزهر الشريف والنجف الأشرف وقم المشرفة وجامعة الزيتونة بصفتها المرجعيات الشرعية والرسمية في العالم الإسلامي، مطالبة أكثر من أي وقت مضى بهبّة ووقفة شجاعة ومتضامنة فيما بينها، لتتصدى لهذا الإرهاب التكفيري الذي يدّعي زوراً وبهتاناً أنه ينتمي إلى الدين الإسلامي الحنيف ويسعى إلى إعلاء كلمته وسيادته في المجتمع العالمي، بينما هو في الحقيقة ليس إلا نسخة جديدة من المنافقين المتأسلمين الذين عاثوا فساداً ومكراً وتآمراً زمن النبي محمد، كما تؤكد ذلك آيات كثيرة في القرآن الكريم. وعلى تلك المؤسسات أن تعلن في قراراتها وتوصياتها وفي وثائقها مجتمعة ومنفردة، عن خروج هذه الفئة الباغية عن أحكام وقيم الدين الإسلامي، هذا بالإضافة إلى وجوب إطلاق هذه المؤسسات حرية التفكير والبحث لكلّ المفكرين المتنورين بهدف الإصلاح والتحديث التزاماً بنصّ الآية الكريمة :»قال يا قومي أرأيتم أن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب» هود – 88 . عسى أن يكون ذلك إيذاناً بحركة ثقافية تنويرية في إطار الفكر الإسلامي تضع حداً لكافة أشكال الأفكار الأصولية والسلفية وتفتح الطريق سالكة إلى فكر الأصالة والمعاصرة إعمالاً لقوله تعالى : « والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلّ من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب « عمران – 7 «… إنّ في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون « الروم – 21 .

بناء على ذلك ، فإنّ الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي تتقدم بهذا البيان وفيه:

أولاً: تدعو الشعب اللبناني بكلّ مكوناته الدينية والمذهبية والحزبية وجمعياته الجهوية وتنظيمات المجتمع المدني نساء ورجالاً إلى وقفة واحدة تتعالى فوق الحسابات الضيقة وإلى التراص صفاً واحداً وراء جيش لبنان البطل وقواه الأمنية ومقاومته الباسلة . فجزء من أراضي لبنان بات محتلاً من هذا الخطر وباتت خلاياه النائمة منتشرة في طول البلاد وعرضها ساحلاً وجبلاً وداخلاً في مدننا وقرانا ومناطقنا وفي مجتمعات النزوح الفلسطينية والسورية وهي تنتظر ساعة صفرها لتندفع قتلاً وتدميراً وإعلان إماراتٍ وولايات تطيح بلبنان وتحول شعبه إلى رهائن ورعايا.

ثانياً: تطلب إلى الدولة اللبنانية بسلطاتها الدستورية القائمة حالياً في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب إلى الإقلاع فوراً عن المماحكات السياسية الرخيصة المتمادية التي أزعجت الشعب اللبناني وقواه الشعبية الديمقراطية والتي حالت دون انتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد، والمبادرة فوراً إلى عقد جلسة نيابية تضم كلّ النواب لانتخاب رئيس للجمهورية لتكتمل بذلك سلطات الحكم الدستورية الثلاث وليجتمع بعدها فوراً مجلس الدفاع الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية لاتخاذ القرارات الميدانية المناسبة بعدما يكون مجلس الوزراء قد اجتمع برئاسة رئيس الجمهورية ووضع خطة للتصدي لخطر الإرهاب التكفيري الوجودي ونرى أن يكون منها:

إقلاع الحكومة عن سياسة النأي بالنفس واعتماد سياسة الدفاع عن النفس هناك في جرود عرسال من الأرض اللبنانية وهنا في الداخل في تجفيف كل الخلايا الإرهابية التكفيرية النائمة.

إعادة الاعتبار إلى القاعدة الذهبية «الجيش والشعب والمقاومة» وحشد كلّ الطاقات وراء هذا الثالوث لطرد الاحتلال الإرهابي التكفيري وتحرير الأرض من دنسه.

الدخول في مفاوضات فورية بين الحكومتين اللبنانية والسورية واجتماعات عسكرية بين قيادتي جيشي البلدين لوضع خطة مشتركة لتطهير جرود القلمون في سورية وفي لبنان من الإرهاب التكفيري واستعادة السيادة اللبنانية على المناطق اللبنانية منها.

مسارعة الحكومة اللبنانية إلى طلب انعقاد مجلس الأمن ومجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية بشكل عاجل لدرس شكوى لبنان المتعلقة بواقع البؤر التكفيرية المسلحة في منطقة الجولان السورية وفي منطقة مزارع شبعا وسفوح جبل الشيخ اللبنانية المطلة على لبنان والمحتلة كلها من قبل «إسرائيل» وجيشها، ومساعدة «إسرائيل» لهذه البؤر التكفيرية المسلحة وتقديم كافة أشكال المساعدات العسكرية والتموينية ومعالجات الجرحى في مستشفياتها، ودعمها للإقدام على توسيع انتشارها في محاولة غزو واحتلال للأراضي اللبنانية المتاخمة والملاصقة لهاتين المنطقتين في العرقوب وراشيا ، ما يشكل اعتداء على لبنان من قبل «إسرائيل» وخرقاً لخطوط الهدنة ولسيادة لبنان.

ثالثاً: إنّ الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي، وتحسساً منها لخطورة هذه المرحلة التي يمر بها لبنان تضم صوتها إلى الأصوات اللبنانية الفاعلة التي ترى ضرورة عقد مؤتمر وطني شعبي يضم أوسع القوى والأحزاب والهيئات ومنظمات المجتمع المدني لبحث موضوع الخطر الإرهابي التكفيري الوجودي على لبنان واحتلالها لجزء من أراضيه واتخاذ القرارات والتوصيات المناسبة في هذا الاتجاه، ويسعدها أن تكون هذه الورقة إحدى وثائق المؤتمر لمناقشتها واتخاذ ما يلزم بشأنها ، ومنها الاقتراح بتشكيل هيئة وطنية لمقاومة هذا الإرهاب التكفيري ثقافياً وفكرياً إلى جانب مقاومته عسكرياً.

رئيس الاتحاد البيروتي ورئيس رابطة العروبة والتقدّم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى