الغرب منزعج للغاية من التقارب التركي ـ الروسي
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
تناولت الصحف الأوروبية والأميركية صفقة الغاز الروسية ـ التركية في أكثر من تقرير خلال الأيام القليلة الماضية. وثمّة صحف أنصفت هذه الاتفاقية لا بل مدحتها، وفي المقابل برزت صحف تنتقد هذه الاتفاقية وتهاجمها وتهاجم تركيا كما روسيا.
وإذا كانت صحيفة «فزغلياد» الروسية قد اعتبرت منذ أيام أنّ صفقة الغاز الروسية ـ التركية قد تكون تحدّياً للإمبراطورية الإنغلو ـ أميركية من جانب أنقرة التي شعرت بأنها مهانة بقرار أميركي لدعم الأكراد في سورية.
فإنّ «نيويورك تايمز»، الأميركية تعتبر أنّه إذا كان هناك رابح بموجب الاتفاقية فهي تركيا مشيرةً إلى تصريحات بوتين حول إمكانية تحويل مسار خط أنابيب الغاز الطبيعي «السيل الجنوبي» من بلغاريا إلى تركيا، ومعتبرةً أن تغيير مسار الخط خسارة دبلوماسية نادرة لحكومة موسكو، وفي المقابل نصر نادر للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي التقرير التالي، تفنيدٌ موضوعيّ للانزعاج الغربيّ من التقارب الروسيّ ـ التركي، وفيه مرورٌ على أهمية الاتفاقية بالنسبة إلى البلدين.
كتب بيريفان أوركوغلو، هو مدوّن تركي وزميل في برنامج «قادة الجيل» في معهد «ماكاين»: إنّ إلغاء مشروع خط أنابيب «ساوث ستريم» يشكل ضربة كبير للاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص.
التقى الرئيسان الأقلّ شعبية في الغرب: فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، في أنقرة في الأول من كانون الاول لحضور اجتماع تعاون رفيع المستوى بين تركيا وروسيا. وقد وضع الرئيسان جانباً خلافاتهما الحادّة حول سورية، أوكرانيا، وقبرص، وتناقشا في سبل جديدة لتعميق التعاون بين روسيا وتركيا.
وقد اختار بوتين هذه اللحظة ـ بطبيعة الحال ـ لإعلان حرب الغاز مع أوروبا، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع أردوغان، إذ قال الرئيس الروسي أن موسكو ستتوقف عن دعم بناء خط أنابيب «ساوث ستريم» المثير للجدل، وتقوم بدلاً من ذلك بوضع خطط ارتباط جديدة مع تركيا. وقد أزاحت كلّ من موسكو وأنقرة الغطاء عن مذكرة تفاهم بين البلدين تنصّ على بناء مركز جديد، في الوقت الذي وضعت شاهد الإثبات على قبر خط أنابيب «ساوث ستريم ـ السبيل الجنوبي».
يلوم بوتين الاتحاد الأوروبي على تحوّله الواضح هذا. ويقول خلال المؤتمر الصحافي: «سيجتاح الغاز الروسي الأسواق العالمية بشكل غاز طبيعي ولن يستفيد منه الاتحاد الأوروبي بعد اليوم… فهذا كان خيارهم». وصرّح بوتين أيضاً أن من يريد شراء الغاز الروسي فعليه القيام بذلك عن طريق تركيا.
ويبدو أن هذا التحالف الأخير يشكل إعادة تقييم أردوغاني للعلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي. فهو كان قد صرّح في مقابلة تلفزيونية السنة الماضية أنّ منظمة شانغهاي للتعاون ـ وهي شراكة أمنية بين روسيا، الصين، وعدد من دول الاتحاد السوفياتي السابق ـ هي أفضل وأقوى من الاتحاد الأوروبي. وقد انقسم الرأي العام التركي ـ كعادته ـ على مثل هذا التعليق.
وجاءت هذه الاتفاقية كردّ على طلب الاتحاد الأوروبي من تركيا المشاركة في فرض العقوبات على روسيا. وبالكاد تطرّق القادة الروس والأتراك إلى هذه المسألة خلال نقاشاتهم. بل تعهدوا على زيادة حجم التعاون التجاري بين البلدين من الرقم الحالي البالغ 33 بليار دولار إلى 100 بليار مع نهاية العقد الحالي. فتركيا هي ثاني أكبر سوق لصادرات الغاز الروسي بعد دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، وخلال هذا اللقاء، أعلن بوتين أن روسيا ستخفض أسعار الغاز المصدّر إلى تركيا بنسبة 6 في المئة ابتداءً من الأول من كانون الثاني 2015، ما سيزيد من الاستيعاب الحالي لخط أنبوب الغاز «بلو ستريم» ثلاثة بلايين متر مكعب. وأضاف أن صفقة أفضل من كلّ هذا يمكن أن توضع موضع النقاش إذا ما توصل البلدان إلى توقيع اتفاق أفضل حول التعاون في مجال الطاقة.
يرغب بوتين في المقابل في تحقيق تقدم في مشروع «روساتوم» البالغ قدره 20 بليار دولار لبناء أول محطة تركية للطاقة النووية في آكويو، القريبة من مدينة مرسين. تشرئب تركيا بعنقها لتنفيذ ذلك، بعد أن قامت وزارة البيئة والتخطيط العمراني التركية بتقديم تقرير بيئي مثير للجدل بشأن إنشاء أول محطة للطاقة النووية، وذلك قبيل زيارة بوتين للبلاد. ووفقاً للوسائل الإعلامية فقد حذر النشطاء والمنظمات البيئية مثل «غرين بيس» من آثار النفايات المشعّة الخطرة، مؤكدة أنها سترفع أمر هذه القضية وتتقدّم بشكاوى إلى المحاكم.
ومن المؤكد أن بوتين وأردوغان قد اختلفا على قضايا لا حصر لها ـ خصوصاً في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. غير أنهما لم يسمحا لمثل أن تلقي بثقلها على أجواء لقاء أنقرة. فأردوغان لا يتوقف عن انتقاد حلفائه في الناتو بسبب ضعف مواقفهم تجاه سورية، لكنه كان متهاوناً مع بوتين أحد أكبر الداعمين لبشار الأسد. وعلى رغم أنّ الجانبين كانا قد أعلنا عن موقفيهما، الا أنهما تخطيا خلافاتهما لمواجهة عدوهما المشترك: الغرب.
لطالما تساءل النقاد الغربيون عما إذا كانت نزعات أردوغان الاستبدادية تشبه تلك الموجودة لدى بوتين ـ رجل روسيا القوي. فمجلة «Focus» الألمانية شبهت لقاء بوتين الأخير مع أردوغان بـ«لقاء القيصر مع السلطان». فالإثنان يمتلكان الكثير من القواسم المشتركة. يعتنقان إرث ماضيهم الإمبراطوري. يتمتعان بدعم شعبي قوي في الداخل، على رغم اتهمامهما بالاستبداد في الخارج، كلاهما عبث بدساتير بلاده ليمدّد فترة حياته السياسية، تحوّل كلّ منهما بين منصبي الرئاسة ورئاسة الوزراء للعمل على تغيير موازين القوى، استخدم كلّ منهما النظام القضائي لاتخاذ إجراءات صارمة ضدّ خصومهما السياسيين، وسحق كلّ الاحتجاجات الشعبية. استخدم كلاهما نظريات المؤامرة لتعزيز القومية، بعد أن أخفى قناع الإيديولوجية الحقيقية تحت ستارة الديمقراطية، يعاني الرئيسان من مشكلات منهجية مع المرأة وحقوقها… واللائحة تطول وتطول.
ويبدو أن أردوغان يقلّد بوتين في عدائه للغرب. فصورة الرئيس التركي في الغرب لا تنفكّ تتدهور يوماً بعد يوم. وفي الواقع، فإن أردوغان كان قد ألقى خطاباً أمام اللجنة الدائمة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتجاري الإسلامي COMSEC في اسطنبول، حيث قال: «أقولها صراحة وعلانية: الأجانب يحبون النفط، الذهب، الألماس، واليد العاملة الرخيصة في العالم الإسلامي. يحبون الاقتتال والحروب والصراعات في الشرق الأوسط. صدقوني، هم لا يحبوننا. يظهرون لنا بمظهر الأصدقاء، لكنهم يريدوننا أمواتاً، يستمتعون برؤية أطفالنا يموتون. فكم سنتحمّل نحن هذه الحقائق؟». وقال أيضاً إنّ دول الشرق الأوسط تستطيع حلّ مشكلاتها بنفسها من دون أي مساعدة من الغرب.
ليس أردوغان بالقائد الساذج فهو يدرك أن تحالفه مع روسيا ليس شراكةً استراتيجية، بل براغماتية ـ عملية. وبينما تستفيد تركيا من المنافع قصيرة الأمد لهذه الاتفاقية، عليه أن يتساءل حول مدى استفادة بلاده من هذا على المدى الطويل. فتطوير العلاقات وتقويتها مع بوتين قد يصعّبا الأمر على الاتحاد الأوروبي كما على الولايات المتحدة، لكن لن تفرح أيّ من أنقرة او موسكو فيما لو مدّت أوروبا خطــوط أنابيب بديلة تحت المياه، كذلك الذي يصل إيطاليــا باليونان وقبرص و«إسرائيل».
وكانت تصريحات أردوغان قد حدت ببعض المسؤولين في واشنطن إلى التساؤل في جلساتهم الخاصة عما إذا كان أردوغان قد فقد عقله. فمن الطبيعي أن تختلف تركيا مع الغرب على بعض المسائل من فترة إلى أخرى، لكن إذا كانت أنقرة تأمل في إبقاء تحالفها مع الناتو حياً، فعلى أردوغان أن يغيّر من لهجته الخطابية قريباً وقريباً جداً.