تأجيل الانسحاب من أفغانستان
حميدي العبدالله
أعلن وزير الدفاع الأميركي المستقيل تشاك هيغل إثر زيارته الأخيرة إلى أفغانستان تأجيل الانسحاب الأميركي من هناك المقرّر أن ينتهي هذا العام.
واستطاعت الإدارة الأميركية انتزاع موافقة أفغانية على إبقاء 12500 جندي أميركي، وهذا يعني تكريس الاحتلال الأميركي لأفغانستان.
ما دفع الولايات المتحدة إلى إبقاء هذا العدد الكبير نسبياً من القوات هو التجربة العراقية. في العراق أدّى الانسحاب الكامل للقوات الأميركية إلى تضاؤل وتراجع النفوذ الأميركي هناك، وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى غض النظر عن نشاطات «داعش» وتمدّدها للضغط على الحكومة العراقية لقبول عودة القوات الأميركية بذريعة المستشارين، وفي أفغانستان لم تكن الحكومة الأفغانية متشدّدة بطلب الانسحاب الأميركي الكامل من بلادها، لأنّ هذه الحكومة غير قادرة بقواتها الذاتية على مواجهة حركة طالبان، ومن غير المنطقي أن تنسحب الولايات المتحدة غير آبهة بما سيحدث في أفغانستان بعد الانسحاب، وانتصار حركة طالبان وإسقاط الحكومة التي انتخبت في ظلّ الاحتلال، لأنّ ذلك سيعني فشلاً ذريعاً للسياسة الأميركية، لا سيما أنّ الحكومة الأفغانية لم تعارض بقاء قوات أميركية بحجم يحول دون الانهيار السريع للحكومة الأفغانية الحالية.
لكن السؤال الأهمّ: ما الذي سيترتب على هذا القرار، أي تجميد الانسحاب من أفغانستان؟
أولاً: المقاومة ضدّ القوات الأميركية وضدّ الحكومة الأفغانية والقوات الأفغانية سوف تستمرّ على ما كانت عليه، لا سيما أنّ جهود التوصل إلى حلّ سياسي وتسوية مع طالبان قد فشلت، على الأقلّ حتى الآن.
ثانياً: استمرار المقاومة سيضع الولايات المتحدة أمام خيارات صعبة، ذلك أنّ تراجع عدد القوات المشاركة والمنتشرة في أنحاء أفغانستان سيعطي لطالبان ميزة إضافية، ومن غير المستبعد أن توسع طالبان نطاق سيطرتها الحالي في ضوء انحسار انتشار قوات «الناتو» على الأراضي الأفغانية، وعندها سوف تتعرّض القوات الأميركية لضغوط عسكرية أكبر وأقوى مما هو حاصل حتى الآن، وستتكبّد خسائر فادحة وستتعرّض القواعد الأميركية ومواقع انتشارها إلى هجمات أكثر خطورة مما حصل حتى الآن، وهذا الواقع المحتمل والمرجح سيضع الإدارة الأميركية، سواء إدارة أوباما, أو أي إدارة سوف تخلفها أمام خيار من اثنين: إما سحب القوات الأميركية تحت ضغط الضربات والاستنزاف الذي سوف تتعرّض له على أيدي مقاتلي طالبان، وهذا سوف يشكل هزيمة سياسية ومعنوية وعسكرية كبيرة للولايات المتحدة، وإما أن تقوم بإرسال المزيد من التعزيزات، وبالتالي الغوص أكثر بوحول المستنقع الأفغاني.
وفي كلا الخيارين تواجه الولايات المتحدة مأزقاً حقيقياً.