العدوان الصهيوني الوهّابي وقوة العجز
د. سليم حربا
يمثل الكيان «الإسرائيلي» رأس الإرهاب وأصله، وهو يتطابق مع توأمه الإرهاب الوهابي التكفيري، هدفاً واستراتيجية. وبما أنّ مرحلة الحرب بالوكالة التي خاضها الإرهاب الوهابي التكفيري وصلت إلى نهاياتها الغير مأمولة من قبل الأصيل، فقد تحول الإرهاب بوجهيه إلى أصيل، فأطلّ الكيان «الإسرائيلي» برأسه غير مرّة، بعد تطهير القصير والقلمون، ليعلن بالمفتوح والمفضوح أنّ مشروع الإرهاب الذي تواجهه سورية هو مشروعه.
وجاء عدوانه الأخير على سورية، ليعكس استراتيجيته الثابتة بترحيل أزماته الكيانية وهروبه إلى الأمام بعد الأزمة الحكومية التي عصفت به، إضافة إلى الاستراتيجية المبدعة والمبتكرة للمقاومة الفلسطينية واحتمال قيام انتفاضة ثالثة.
وبعد حلّ عقدة لسان الأمم المتحدة واعترافها أنّ «إسرائيل» تدعم المجموعات الإرهابية في سورية، والصفعة التي تلقاها الكيان بإصرار الأمم المتحدة بإجماع 162 دولة على تطبيق القرار الأممي 479، والذي يعتبر ضمّ الجولان باطلاً ويدين «إسرائيل» على إجراءاتها القمعية، يأتي استعراض قوة العجز «الإسرائيلية» بعد تسلّم رئيس أركان جيش العدو كادي إيزنكوت، لإعادة حالة الردع بعد أن تصدعت بفعل المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وبعد أن عجز الكيان «الإسرائيلي» وإرهابيوه عن تحويل جدار الفصل العنصري إلى واقع، فالنكبات والنكسات تلاحقه في محيط مدينة البعث، وخان أرنبة، وتل عريد، وعين عفا، والشيخ مسكين، بالإضافة إلى الخسائر البشرية والنفسية والمعنوية والمادية التي تصيب الإرهاب وصولاً إلى عجز «داعش» في جبل الشاعر وعين العرب، و»جبهة النصرة» في محيط نبل والزهراء، وصولاً إلى النكبة الأكبر لـ»داعش» في دير الزور والتي تؤسس، عسكرياً وميدانياً، لهزيمة استراتيجية، تسقط وهم الغول المسمّى «داعش». ويأتي العدوان ليعكس هلع الكيان «الإسرائيلي» من المبادرة التي يمتلكها الجيش السوري، ومحاولة تغيير أولوياته وتشتيت جهوده للتخفيف عن التجمعات الإرهابية في غير مكان، ومحاولة خلط الأوراق في المنطقة والانقضاض على واقعية وتحسّن المشهد الوطني السوري ميدانياً وسياسياً، ومحاولة استدراج الدولة السورية إلى ردّ فعل متسرّع لتوسيع العدوان، وفق مايتمناه ويعمل عليه الكيان لنسف ما وصلت إليه المفاوضات بين إيران والسداسية، وزجّ أميركا وحلفها وتحويل بوصلتها إلى الأهداف المخفية وضرب الدولة السورية، ومحاولة جسّ النبض لاكتشاف فائض القوة النوعي السوري على مستوى منظومات السلاح الحديثة أو المحدّثة، وانتهاز الفرصة والتقاط اللحظة الاستراتيجية للعدوان بعد نجاح الاستراتيجية الأميركية الصهيونية في تشتيت وتفتيت العالم العربي على مائدة تآمر ما يسمى الجامعة العربية.
ويرى الكيان «الإسرائيلي» أنّ الحلف الحقيقي لمكافحة الإرهاب وقاعدته سورية والمقاومة والعراق وفضاؤه إيران وروسيا ودول البريكس وشنغهاي، بدأ يظهّر في إقرار الخارجية الروسية بدور حزب الله في تعزيز أمن واستقرار المنطقة، ولقاء بوغدانوف مع قيادة حزب الله وقبلها زيارة قادة المقاومة الفلسطينية إلى روسيا، وأنّ هذا الحلف سيسقط الحلف الأميركي المزعوم والمأزوم، ويؤسّس موضوعياً لهزيمة الإرهاب التكفيري الذي يرعاه الكيان.
ولا شكّ في أنّ للعدوان أثر نفسي ومعنوي ومادي ، لكنه ليس ذلك الأثر الذي يجعلنا نفقد بوصلتنا أو يثنينا عن ملاحقة الإرهاب وهزيمته، كما أنه لن يجعلنا ننفعل أو نتسرع، فطبيعة العدوان وأهدافه الخبيثة وتوقيته يدفعنا إلى مزيد من التبصّر والحكمة، لأنّ الاستراتيجية لا تقبل الارتجال أو العاطفة، فالردّ ليس مهمّاً بل نوعيته ووقعه وألمه على الكيان، وخصوصاً أنّ القاعدة الذهبية في الحسابات الاستراتيجية هي تقدير وحساب الموقف السياسي والعسكري الداخلي والإقليمي والدولي وحسابات الموازين الذاتية والموضوعية.
وبرغم تعدّد أشكال وإمكانية الردّ وأسلحته وأساليبه وأنواعه وفضاءاته، يبقى الردّ الأكثر إيلاماً والأشدّ وقعاً هو متابعة سحق فلول الإرهاب الوهّابي التكفيري الصهيوني بمسمياته وتجلياته. عندها يدرك كيان الإرهاب والعدوان أننا نُمهل لكننا لا نهمل. قد نتلقى ضربة وقد نخسر معركة، لكن لم ولن نخسر الحرب. وفي المحصِّلة، أثبت الكيان الصهيوني العدواني، أنه بقوة عجزه يصلح للعدوان والإرهاب، لكنه لا يصلح للحرب ولا للسلم.