روسيا ترث فرنسا في رعاية مسيحيّي الشرق

كتب المحرر السياسي

قرع جرس التسابق على حجز المقاعد أمام موائد التفاوض الكبرى لرسم خرائط المصالح والأدوار الجديدة في المنطقة، فجاءت فرنسا تقلب دفاترها القديمة، ولم تجد إلا الملف الرئاسي في لبنان محاولة يائسة لحجز مقعدها.

تجاهلت فرنسا هولاند أنها باعت مصير المسيحيين في الشرق لجماعات «القاعدة» الذين أسمتهم ثوار حرية على لسان وزير خارجيتها لوران فابيوس وهو يبارك دخولهم إلى سورية على بوابات العبور من الحدود التركية، وفيما ذهب الفرقاء المسيحيون الذين ساندوا بدافع الكيد والحقد جماعات «النصرة» و»داعش» في وجه سورية، إلى حلف واشنطن والرياض، وتركوا باريس لحظها السيّئ، بعدما فقدوا الكثير من شعبيتهم، ذهبت الغالبية المسيحية في الشرق إلى التطلع نحو موقع المقاومة وقلعتها سورية، كخط حماية صادق للوجود المسيحي في الشرق، بدافع الإيمان بالتعدّد والحفاظ على روح يموت هذا الشرق من دونها وهي روح بناها سكانه الأصليون واغتنوا خلال مئات السنوات بعيشهم معاً، وهم يحملون بعضاً من المسيحية في إسلامهم وبعضاً من الإسلام في مسيحيتهم، وتقدّمت فصائل المقاومة في عيونهم مصدراً للثقة، وفي الصف الأول حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي، اللذان تصدرا بجدارة بذل الدم في ساحات المواجهة مع مشروع القتل والتخريب والتدمير.

الكرملين الروسي المتصالح مع كنيسته، صار عنواناً سياسياً لمسيحيّي الشرق بدلاً من باريس، ومثلما كان أرثوذكس الشرق في الماضي يبايعون باريس الكاثوليكية سياسياً، لا مشكلة لدى موارنة وكاثوليك الشرق بمبايعة موسكو سياسياً، الواقفة بلا رغبة التدخل مع الحفاظ على روح هذا الشرق المتعدّد، والمنفتحة على المقاومة بقواها الحية والداعمة لصمود سورية التي باتت حربها وحدها تقرّر مصير هذا الوجود المسيحي كنقيض وجودي لمشروع التكفير والتقتيل والإرهاب.

جاء جان فرسوا جيرو ورحل، وجاء ميخائيل بوغدانوف ولم يرحل، وفاز بالنقاط بانفتاحه على قوى المقاومة عبر لقاءين جمعه أحدهما بقائد المقاومة السيد حسن نصرالله وجمعه الثاني بحزب المقاومة العلماني وصاحب الحضور العابر للطوائف الذي يطمئن ويأنس لحضوره المسيحيون في لحظة القلق الوجودي، كما تطمئن وتأنس له سائر المكوّنات، الحزب السوري القومي الاجتماعي ورئيسه النائب أسعد حردان.

لبنان لم يدخل بعد مرحلة انتخاب رئيس، ولا تخطى وقت الانتظار، لكنه التأسيس، ولن تنفع فرنسا هبة سعودية تقبض منها ثلاثة مليارات دولار لتقوم بتسديدها سلاحاً للجيش اللبناني فتجمّل صورتها وتصحح أخطاءها، ولن يفيدها مديح من هنا أو تسويق من هناك.

أن يحصل الجيش اللبناني على السلاح أمر جيد، أن تقبض فرنسا أثمانه والعمولات والأرباح يكفيها ربما في زمن البيع والشراء، فيما يختتم رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام زيارة سريعة إلى باريس يعلن في ختامها قرب توريد السلاح الموعود.

زيارة سلام

انتهت زيارة رئيس الحكومة تمام سلام فرنسا بتسييل الهبة السعودية أسلحة للجيش اللبناني بعد الانتهاء من الشق الفني والتقني وبقيت الموافقة النهائية بين فرنسا والسعودية، على أن يبدأ بعد ذلك تسليم الأسلحة إلى لبنان في شكل سريع. هذا ما أكده سلام بعد لقائه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في قصر الاليزيه أمس.

وأشار سلام في مؤتمر صحافي عقده في مقر إقامته في باريس إلى أن هولاند «أعطى تعليماته للتعجيل في تسليم الأسلحة الفرنسية إلى لبنان في إطار هبة المليارات الثلاثة التي قدمتها المملكة العربية السعودية».

وفي موضوع الاستحقاق الرئاسي رأى سلام أنه «يحتاج إلى جهد الدول الصديقة، كما حصل في «الدوحة» عام 2008 ، لإنجازه، وفرنسا اليوم تتحرك لمواكبة هذا الاستحقاق».

تحفيز روسي لانتخاب رئيس

وبالتزامن مع الحراك الفرنسي على صعيد الاستحقاق الرئاسي، تواصلت الجهود الروسية على هذا الخط أيضاً، من خلال الزيارة الثانية للموفد الروسي نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إلى لبنان. وهو التقى أمس وفداً من الحزب السوري القومي الاجتماعي برئاسة رئيس الحزب النائب أسعد حردان ورئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط والبطريرك الماروني بشارة الراعي و»اللقاء الأرثوذكسي».

وأكدت مصادر مقربة من بكركي لـ»البناء» «أن زيارة بوغدانوف لبنان تحمل تحفيزاً للبنانيين لانتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة التي حددها رئيس مجلس النواب نبيه بري في 7 كانون الثاني المقبل، كي لا تضيع الفرصة على المسيحيين»، مشيرة إلى «أن بوغدانوف أكد للقيادات السياسية والروحية حرص روسيا على استمرار الوجود المسيحي في هذا الشرق، وضمان التوازنات في لبنان بحسب اتفاق الطائف».

ولفتت المصادر إلى «وجود حراك فرنسي- روسي، الجمهورية الإسلامية في إيران على بينة منه، من أجل دفع المعنيين لانتخاب رئيس للجمهورية، مقبول من 8 و14 آذار ولا يثير مخاوف حزب الله».

الفرنسي تخطى الأميركي

في المقابل، أكدت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن الحراك الروسي مرتبط بالوضع السوري، وأن هناك أفكاراً روسية إيرانية لإيجاد حل في سورية، إلا أن هذه الأفكار لم تكتمل بعد، فالمعايير الإيرانية أكثر تشدداً من المعايير الروسية في الأمور المتعلقة بالأمن»، لافتة إلى «أن الطرفين يعملان على إنضاج الأفكار، تمهيداً لعقد لقاء بين الحكومة السورية والمعارضة، وهذا اللقاء سيكون خطوة أساسية نحو الحل السياسي للأزمة السورية».

وبالنسبة للحراك الفرنسي، أشارت المصادر نفسها إلى «أن الفرنسي حاول التواصل مع الإيراني لإيجاد حل للملف الرئاسي، لكنه تبلغ أن الجمهورية الإسلامية لا تضع شروطاً أو مواصفات على أي مرشح، وأن الموضوع يعود إلى حلفائها في لبنان». ورأت المصادر أن مدير قسم شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الشؤون الخارجية والتنمية الدولية الفرنسية جان فرنسوا جيرو الذي زار لبنان في زيارة استطلاعية سيذهب إلى إيران والسعودية في مسعى لإيجاد حل للملف الرئاسي، إلا أنه لن يصل إلى نتيجة»، معتبرة «أن الورقة في يد الأميركي، والفرنسي، تخطى الأميركي في الدور الذي يقوم به، وهو محاولته استعادة دوره في لبنان عن طريق الرئاسة الأولى».

وكان بوغدانوف شدد في تصريحات له «على أهمية الحوار الداخلي في لبنان، والتوصل إلى تفاهمات تفضي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية منفتح على الجميع»، معتبراً «أنّ استقرار المؤسسات في لبنان والحوار، عاملا تحصين لهذا البلد، يعزّزان وحدة اللبنانيين وتعاضدهم لصناعة مستقبلهم ومواجهة تحدّي الإرهاب».

وفي ظل الحركة الديبلوماسية الخارجية على الصعيد الرئاسي، أكدت مصادر مقربة من الرابية لـ»البناء» أن «إمكانية عقد اللقاء بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قائمة». وفي حين يقارب عون موضوع الاستحقاق الرئاسي من زاوية المحافظة على الجمهورية بينما جعجع يدعو إلى انتخاب رئيس توافقي، شددت المصادر على «ضرورة العمل انطلاقاً من أن الحاجة لتفكير مشترك بين المسيحيين ترتفع يوماً بعد يوم، لمعرفة المصير، هل نحن شركاء أم أجراء»؟

واعتبرت «أن عدم التوصل إلى نتيجة، مفاده أن الأمور ستبقى على حالها، ولم تحرز العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و «القوات» أي تقدم، ولم تتراجع خطوة إلى الوراء»، مشددة على «أن الخلاف هو سياسي بين الفريقين».

«إمارة» رومية مجدداً

ووسط هذه الأجواء، عاد الحديث عن إنشاء الإسلاميين إمارة لهم في سجن رومية لا تخضع لسلطة الدولة.

فللمرة الثانية امتنع الموقوفون في ملف حرب مخيم «نهر البارد» في سجن رومية، عن حضور جلسة المحاكمة أمام المجلس العدلي أمس، لكن الأغرب هو عدم تنفيذ القوى الأمنية قرار المجلس في جلسته السابقة، «بجلبهم بالإحضار». لذلك أرجأ المجلس الجلسة إلى 16 كانون الثاني المقبل. كما اتخذ قراراً «بتكرار سوق الموقوفين الممتنعين عن المثول أمامه، وبإفهام القوى الأمنية المولجة حماية السجن بوجوب تنفيذ قرار السوق بحرفيته ما لم يقم مبرر قانوني يحول دونهم وذلك، كما قرر أيضاً تسطير كتاب إلى النائب العام التمييزي لملاحقة المسؤول عن عدم تطبيق قرار سوق المتهمين المذكورين.

من جهة أخرى، أفادت معلومات ليل أمس عن إلقاء القبض على زوجة شقيق «أبو علي الشيشاني» ليلى عبد اللطيف منشار في منطقة البقاع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى