بسبب السبسي والمرزوقي… الجبهة الشعبية على كفّ عفريت وحديث عن مناطق ظلّ في موقف مكوّناتها!
هاشمي كنايسي
في كل الحالات، إن موقف الجبهة الشعبية الرسمي من مرشح الرئاسة، لم يكن واضحاً، بل هو وحتى هذه الساعة يمكن اعتباره موقف اللا موقف، وحتى لا يسارع عدد من مكونات الجبهة الشعبية باتهامنا في التحامل وما شابه ذلك، يجدر بنا أن نشير إلى أن هذا الكلام ليس تصريحاً عن لساننا، وإنما هو كلام عدد من القياديين والمناضلين في الجبهة الذين عرفتهم ساحة النضال اليسارية على غرار فتحي بن علي الدبك وزياد لخضر، هذا من دون أن ننسى الموقف الجريء لأرملة الشهيد شكري بلعيد التي انتقدت علناً على قناة تلفزيونية خاصة عدم حسم الجبهة الشعبية موقفها الرسمي الداعم للباجي قائد السبسي. غياب التقاطعات في موقف الجبهة الشعبية عبر مختلف مكوناتها، لم يعد يوحي فقط بوجود أزمة داخل الجبهة، وإنما يتعدى ذلك إلى شعور بالإحباط لدى القواعد التي صوتت لها في الانتخابات التشريعية والدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وحلمت بموقف تاريخي للجبهة من الاستحقاق الرئاسي، ولكن هذا الموقف تأخر كثيراً ولم يصدر بعد.
ولعبت أرملة الشهيد شكري بلعيد دوراً مهماً في إبراز هذا الخلاف والاختلاف داخل الجبهة، وذلك حين اختارت أن تنقل هذا الصراع الخفي بين مكونات الجبهة إلى القواعد حتى تكون على اطلاع بحقيقة ما يجري اليوم داخل الجبهة من تصادم فكري وإيديولوجي وحزبي على علاقة بأي المرشحين أفضل لتونس السبسي أم المرزوقي؟ هذا في وقت لم تتأخر فيه معظم الأحزاب الأخرى إن لم نقل جميعها في حسم هذا الموقف أمام أنصارها وقواعدها. فما الذي يجري اليوم في الجبهة الشعبية، ولماذا هذا التلكؤ في الإفصاح عن موقفها الرسمي أكثر من مرة يتم تأجيل الندوة الصحافية للجبهة ، وما حقيقة صراع الجبابرة داخل هذه الجبهة، وهل هناك شق فعلاً داخلها يميل إلى مناصرة المنصف المرزوقي ويعمل من أجل ذلك في الخفاء منطلقة في ذلك مسائل حقوقية أكثر منها سياسية؟
هذه الأسئلة وغيرها تكتم اليوم على أنفاس قواعد الجبهة وخصوصاً الداخلية منها، وتحتاج من وجهة نظرنا ليس فقط إلى ندوة صحافية سريعة لتصحيح ما يجب تصحيحه أمام الرأي العام، وإنما إلى آلية واضحة في اتخاذ موقف من الانتخابات الرئاسية يتقاطع وينسجم مع المعتقد السياسي للجبهة وليس الإيديولوجي الخاص بكل حزب على حده، من ذلك أن موقف الجبهة الذي عبر عنه منذ ساعات الناطق الرسمي السيد حمه الهمامي لا يعتبر موقفاً عند قواعد الجبهة لأنه يسد الطريق أمام المرشح المرزوقي ولكنه لا يدعم المرشح الآخر وهو الباجي قائد السبسي.
جرأة «الدبك» ودبلوماسية البقية!
يمكن اعتبار موقف فتحي بن علي الدبك من المواقف المهمة في الساعات الأخيرة وذلك في تاريخ اليسار التونسي، وقد جاء هذا الموقف في حيثياته ومطلبيته منسجماً تمام الانسجام وفي منتهى التماهي مع ما كانت صرحت به السيدة بسمة بلعيد أرملة الشهيد شكري بلعيد التي قالت إن فتحي الدبك وجد الشجاعة الكافية ليسمي الأشياء بأسمائها، ويكشف عن وجود أطراف داخل الجبهة الشعبية تتعمد تعطيل اتخاذ القرار والموقف الرسمي بخصوص دعم الباجي قائد السبسي، وهذا أمر خطير نبه له فتحي الدبك واعتبره مساعدة متخفية برداء حزبوي جبهوي للمنصف المرزوقي، وهو كلام مهم ومفصلي في هذا الظرف سارعت قيادات في «الوطد الموحد» إلى الرد عليه والتبرؤ منه بصفته كلام لا يلزم إلا صاحبه أي فتحي الدبك، بل إن الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد السيد زياد لخضر سارع بدوره بإصدار بيان أكد من خلاله أن كل ما جاء في تصريحات فتحي الدبك إنما يلزمه وحده ولا يعبر مطلقاً عن الموقف الرسمي للحزب.
تناقض صارخ ونقاط استفهام!
حين نعيد الاستماع إلى تصريح السيد زياد لخضر في برنامج ماتينال الصباحي على إذاعة «شمس أف أم» في 10 كانون الأول الجاري، نكتشف أن الرجل قال كلاماً يؤكد ما قاله المناضل اليساري فتحي الدبك وربما أخطر، فحين يجيب زياد لخضر على سؤال يتعلق بهذا الغموض في موقف الجبهة الشعبية من السبسي والمرزوقي بالقول حرفياً «ثمة شكون يحب يغطيها… إحنا ما نغطيوهاش»، وحين يؤكد وجود جهات في الجبهة أقلقها موقفه المهم يوم 23 تشرين الثاني بعدم دعم المنصف المرزوقي مهما كانت التكاليف باعتباره مسؤول ضمن مكونات الترويكا السابقة على اغتيال الشهيدين بلعيد والابراهمي، وحين يقول دائماً في السياق نفسه وفي البرنامج الإذاعي نفسه «تمنيت موقفاً طلائعياً للجبهة الشعبية بخصوص مرشح الرئاسية، وأن هناك خلافاً قد انطلق من داخل الأحزاب ليستقر في قلب الجبهة» لا يسعنا حينها إلا أن نؤكد هذا التلاقي والتقاطع في موقف القياديين لخضر والدبك، إضافة إلى السيدة بسمة بلعيد أرملة الشهيد وعديد القياديين الآخرين من «الوطد الموحد» الذين يقفون ضد المنصف المرزوقي ويجاهرون بذلك علناً في اجتماعاتهم، وهذا أمر نؤكد أنه قد أحرج في المقابل قيادات أخرى في الجبهة لها حسابات أخرى ومواقف تميل إلى الحياد والسلبية.
الرابحون والخاسرون
ما من شك أن موقف «الوطد الموحد» يعتبر اليوم متقدماً زمنياً وسياسياً على بقية الحساسيات السياسية داخل الجبهة التي ما زالت تدرس الخيارات وتناقش في مسائل من المفروض أنها محسومة، مثلما يؤكد قياديون في الجبهة ينطلقون من تعاطفهم وتبنيهم لموقف حزب الشهيد شكري بلعيد من قناعة مختلف مكونات الجبهة بضلوع الترويكا السابقة بشكل أو بآخر في اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي وأن هذا المعطى وحده كفيل بترجيح كفة السبسي ودعمه سياسياً، ولكن هذا لم يحدث بسبب وجود أطراف أخرى داخل الجبهة ترفض مساندة السبسي ولا تعترف بمقولة «عندك في الهم ما تختار» وعندها السبسي والمرزوقي لا يختلفان عن بعضهما بعضاً، وهذا سياسياً يعني أمرين اثنين إما مقاطعة الانتخابات وإما التصويت بلا للمرشحين فتغدو عندها أصوات الجبهة غير مؤثرة في العملية الانتخابية بالنسبة إلى مرشح بعينه وهو المرزوقي في حين قد يتضرر من ذلك الباجي قائد السبسي.
حمه الهمامي في قلب العاصفة
تدرك العائلة الموسعة لـ «الوطد الموحد» الدور الذي لعبه الشهيد شكري بلعيد من أجل إيصال حمه الهمامي إلى منصب الأمين العام للجبهة الشعبية، هذه الحقيقة يدركها أيضاً أصحاب الدار وجميع مناضلات ومناضلي الجبهة الذين استغربوا في معظمهم عدم وضوح الرؤيا لدى القيادي حمه الهمامي وتأرجحه بين موقفين، في وقت كان من المفترض أن تكون الجبهة الشعبية أول الأطياف السياسية التي حسمت في موقفها. حمه الهمامي بالتأكيد عاش في الأيام الماضية صراع الجبابرة داخل الجبهة، ولم يوفق على الأقل زمنياً في التقليص من مدة انتظار قواعد الجبهة لهذا الموقف من الانتخابات الرئاسية الذي أصبح مثل هلال رمضان ينتظره الجميع بفارغ الصبر. الثابت اليوم أن حمه الهمامي عجز عن قيادة أحزاب الجبهة إلى موقف موحد بلا اختلافات، والثابت أيضاً أنه لم يستفد كما يجب من التصويت له في الرئاسية بنسبة كانت تؤهله لاحتلال مكانة أكبر في المشهد السياسي بقيادة النداء ولكن الحنين إلى شعارات الماضي النضالية والانعتاقية والحقوقية جعله يتأخر في اتخاذ الموقف الذي كان عليه أن يتخذه والنتيجة مثلما يرى عدد من أنصار الجبهة نكسة في مجلس النواب، قد تفرض على الجبهة الاكتفاء بدور المعارض لحكومة السبسي. تلك هي إذن الجبهة الشعبية أو الخيمة الجامعة لأطياف سياسية توحدت من أجل «التشريعية» وفرقها السبسي والمرزوقي في «الرئاسية».