بندر فرق عملة في صراع متعب بن عبدالله ومحمد بن نايف
خاص ـ يوسف المصري
ثلاثة أوامر ملكية تتالت في خلال أقلّ من عام واحد، مهّدت لإقصاء الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز عن منصبه كرئيس للاستخبارات السعودية العامة. وأبلغ من ذلك إقصاؤه كرأس حربة لمرحلة التشدّد السعودي تجاه قضايا إقليمية ساخنة أبرزها الأزمة السورية.
السؤال الذي طرح نفسه تعقيباً على إقالة بندر هو ما إذا كان ذلك يمثل إعلاناً عن انتهاء مرحلته الشخصية داخل معادلة ترتيب الحكم في المملكة، أم أنّ هذا الإقصاء يمثل أيضاً نهاية لمرحلة السياسة السعودية الخارجية المتشدّدة تجاه قضايا إقليمية ساخنة، على رأسها الأزمة السورية، والتي لعب فيها بندر دور رأس حربتها؟
قبل أسابيع قليلة تحدثت شخصيات لبنانية عادت للتو من السعودية، عن مخاض سياسي أكثر من عادي يعتمل في كواليس الأسرة السعودية المالكة. وقد رتب هؤلاء ما يحدث وفق العناوين الهامة التالية:
أولاً: الملك عبد الله يتجه إلى إنهاء دور بندر بن سلطان السياسي كمعبّر عن سياسة الرياض الخارجية تجاه غير ملف خارجي ساخن، وليس فقط الوظيفي. وثمة غير سبب هام حدا به لذلك بينها حقيقة أنّ صحة بندر آخذة بالتراجع على نحو ملحوظ. فالرجل مصاب «بتشمّع في الكبد». وبحسب أطبائه المعالجين له، فإنّ بندر لا يتبع نصائحهم للسيطرة على المرض، وبدل ذلك يستمرّ بانتهاج سلوك حياتي يتعارض مع أساسيات العلاج المطلوب منه أن يخضع له. وتلحظ سيرته الصحية أيضاً، أنه يعاني نوعاً حاداً من حالات الاكتئاب تخلف له آلاماً مبرحة في رأسه وتؤثر سلباً على أدائه لمهامه. ولكن إلى جانب هذا السبب الصحي، يوجد لدى الملك عبد الله سبب آخر أكثر أهمية جعله ينفذ خطة مُمرحلة لإقالته، تمهيداً لإحلال الفريق ركن أول يوسف الإدريسي مكانه.
وهنا قصة على صلة بصراع – أو بكلام أدقّ – على صلة «بسباق صامت» يجري بين كلّ من الملك عبد الله من ناحية وولي عهده الأمير سلمان من ناحية ثانية. وموضوع هذا السباق تمكن كلّ منهما من الإمساك قبل الآخر بناصية هندسة معالم انتقال المُلك من بعدهما إلى أبناء العم.
ويكشف المتابعون في هذا المجال أنّ مجريات السباق الآن تتمّ وفق معادلة مريرة، مفادها أنّ من توافيه المنية قبل الآخر من بين الشقيقين الملك وولي العهد، سيورث سوء الحظ لأولاده على مستوى نيل موقع الملك ومفاصله خلال بدء مرحلة انتقال الحكم من جيل الآباء، أولاد عبد العزيز المؤسس، إلى جيل أولاد العم، الذين يصطلح على تسميتهم بالجيل الثاني.
وطوال الأشهر الأخيرة، حاول الملك عبد الله، ابتداع ضمانات لنجله متعب تعينه إزاء وضع قد ينشأ بحال وفاة الملك قبل أخيه سلمان. وجاء تعيينه للأمير مقرن ولياً للعهد لولي العهد الحالي، كأبرز خطوة في هذا المجال. ويُعتبر مقرن الأقرب له من بين كل أشقائه من غير أمه، ويمكن لعبد الله، نظرياً على الأقل، أن يطمئن إلى مصالح ابنه بالاتكاء على دور مقرن كملك انتقالي بين عهدي نهاية الجيل الأول وبدء عهد جيل أولاد العم الثاني.
ولكن، ومع أهمية هذا الإجراء، إلا أنّ السائد في كواليس الرياض عنه انه لا يوفر لمتعب سوى ضمانة نظرية مرشحة لأن تتبدّد مع مرور الوقت بعد وفاة عبد الله وجريان مسار الوراثة ضمن أحداث انتقال الملك من سلمان إلى مقرن. وهناك قناعة بأنّ مقرن قويّ بالاعتماد على وجود عبد الله على سدة العرش. وأغلب الظن أنه سيصبح الأضعف داخل أسرة عبد العزيز بعد غيابه، بخاصة في ظلّ تحالف ملك قويّ كسلمان وابن عم أقوى كمحمد بن نايف.
… وعليه فإنّ المشكلة أمام مستقبل متعب داخل معادلة المملكة في مرحلة انتقال الملك من الأشقاء إلى أبناء العم، لا تزال ماثلة. ومشكلة عبدالله في هذه اللحظة هي أنه لا يستطيع اتخاذ إجراءات إقصاء بحق أي من أشقائه، يرى أنها تناسب مستقبل نجله متعب. وبدل ذلك يمكنه أقله أن يكبّل أيديهم، كما فعل بالنسبة إلى ولي عهده سلمان الذي فرض عليه قبل وصوله للملك القبول بمقرن ولياً لعهده. الأمر الآخر المتاح حالياً أمام عبدالله هو إزاحة الأعباء من أمام متعب على مستوى صفوف أولاد العم القادرين على منافسته. وتأتي خطوة إقالة بندر كجزء من هذا المسار، ولكنها أيضاً غير كافية بالتأكيد فبندر نظراً لتركيبة وضعه الاجتماعي داخل أسرة عبد العزيز لا يعتبر من بين الأمراء المرشحين لنادي الملك. وجل أهميته تكمن في أنّ علاقاته الخارجية القوية تسمح له بلعب دور عراب خارجي هام لمصلحة هذا الأمير أو ذاك.
وخلال الآونة الأخيرة، ومع بروز السباق الصامت بين الملك عبد الله وولي عهده سلمان على رسم معالم الملك في عهد الجيل الثاني، صار بندر محسوباً على خط سلمان، ما أضاف لدى الملك سبباً داخلياً لإقالته تضافرت مع أسباب خارجية.
وفور إقالة بندر التي كانت متوقعة منذ فترة من قبل مراقبين متابعين للوضع الداخلي السعودي، فإنّ السؤال الذي طرح نفسه هو عن الخطوة التالية لعبدالله في إطار مشواره الحثيث لإزاحة ما استطاع من أعباء أمام نجله ضمن صفوف أمراء الجيل الثاني من أولاد العم. ولا يتجادل اثنان في السعودية على أنّ الأمير محمد بن نايف يمثل العقبة الأكثر نفوراً أمام خطة الملك عبد الله لضمان مستقبل نجله كأول ملك في مرحلة الجيل الثاني. يحظى محمد بن نايف بعلاقات قوية في الولايات المتحدة الأميركية، ويصفونه هناك بأنه الأكثر تعقلاً من بين كلّ طيف أمراء أسرة آل سعود الحاكمة. وليس سراً أنّ الأمير محمد أقرب إلى سلمان منه إلى الملك، وأنه أميَل إلى مقاربة الأول لمعادلة الحكم في المملكة في عهد الجيل الثاني. وصار واضحاً أيضاً أنّ كليهما تقبّل على مضض تعيين مقرن ولي عهد لولي العهد، واعتبرا هذا الإجراء محاولة من الملك لفرض خريطة توريث للملك عليهم، تتجاوز مرحلة ما بعد مماته المباشرة لتشمل مرحلة ما بعد موت كلّ ملوك الجيل الأول، واستدراكاً لفرض إرادته منذ الآن على شكل انتقال الملك بين أفراد أمراء الجيل الثاني.
وليس سهلاً بحسب مراقبين عارفين، توقع أن ينجح عبدالله قبل أن يغمض عينيه، بإزاحة محمد بن نايف من أمام طريق مستقبل نجله متعب. وعليه فإنّ قلق السباق الراهن بينه وبين سلمان سيستمرّ، وليس مضموناً أن يكون لصالحه. فالملك عبدالله يواجه بخصوص رهانه على كسب معركة ضمان مستقبل ولده منذ الآن، «معادلة القدر» وليس فقط لعبة اقتداره داخل أسرته. وكتعبير عن مدى مرارة عبد الله في صراعه مع «معادلة القدر»، يتمّ حالياً داخل كواليس الأسرة السعودية الحاكمة تداول رقمين لعدد سني عمره، كإشارة إلى موقع بقاء أي من الشقيقين الملك وولي عهده أكثر على قيد الحياة في حسم صراع مستقبل توريث الحكم في السعودية. فبحسب التقويم الهجري يبلغ عمر الملك عبد الله 92 سنة وبحسب التقويم الميلادي فهو شارف على تجاوز 87 سنة. وهناك داخل التيار المحسوب على الملك عبدالله اتجاه نفسي للإشارة إلى عمر الملك خلال اللقاءات الرسمية مع ممثلي دول الغرب، وفق الحساب الميلادي.
وأبعد من ذلك، فإنّ المتابعين لحساسية الوضع الداخلي في السعودية، ينقلون همساً كلاماً أكثر من هام مصدره كواليس كلّ من الإدارة الأميركية وقصور أمراء السعودية. ومفاد القصة هي أن المعروض دولياً حالياً على أسرة آل السعود هو واحد من خيارين إما محاكاة تجربة ملك المغرب بالانتقال تدريجياً إلى مملكة دستورية، أو القيام بإجراءات إصلاحية عميقة تشتمل في المرحلة المنظورة على الفصل بين الملك وأسرة آل سعود وبين موقع رئاسة الحكومة إضافة إلى إجراءات إصلاحية على مستوى مناهج التعليم وحقوق المرأة والاستخبارات الخ…
وضمن هذا السياق تفيد معلومات مسرّبة من الرياض أنه من ضمن السباق المحتدم حالياً بين عبد الله وسليمان، هناك سؤال عن أيهما سيسبق الآخر في رسم مداخل انتقال السعودية إلى عهد المملكة الدستورية أو شبه المملكة الدستورية. وبحسب هذه المعلومات فإنه في حال سمح القدر لعبدالله بالعيش أكثر من سلمان، فإنّ خطة مقرن – متعب هي الذهاب بالسعودية إلى حزمة إصلاحات واسعة بينها الفصل بين موقع الملك وولي عهده وأسرة الأمراء وبين موقع رئاسة الحكومة والاستخبارات أما في حال قدّر لسلمان أن يصبح ملكاً لسنوات فإنه بذلك سيمهّد لمرحلة ملك محمد بن نايف التفاهم مع واشنطن على خطوات داخلية تأخذ السعودية بالتدرّج إلى مرحلة المملكة الدستورية.
ويتمّ في هذا السياق الإشارة إلى أن اللواء ركن أول يوسف الإدريسي هو أول رئيس للاستخبارات العامة السعودية من خارج أسرة آل سعود، وبهذا إيماءة من الملك عبد الله إلى واشنطن بأنّ خطة إصلاحات نظام الحكم بدأت وستستمرّ على نحو أعمق مع مقرن ومتعب من بعده.