الجيش السوري يحكم الطوق: حلب في قلب قوس قزح كيري ولافروف لنشر المراقبين في أوكرانيا ودعم دي ميستورا
كتب المحرر السياسي:
فيما كانت كلّ المناخات التي رافقت ولادة مبادرة المبعوث الأممي لسورية ستيفان دي ميستورا، من موقع التشكيك والرفض، تتراجع وتتحول تأييداً معلناً بلا شروط أو بتحفظات شكلية، كحال تركيا وفرنسا، كان الاتحاد الأوروبي يعلن تأييده للمبادرة، بعدما وصلت الأنباء الواردة من حلب، المنطقة التي كان الرهان دائماً على فرض أمر واقع لمصلحة المعارضة منها لقربها من الحدود التركية، وتفيد الأنباء أنّ العملية العسكرية التي ينفذها الجيش السوري لإكمال تسوير حلب وتطويق مناطق انتشار المجموعات المسلحة فيها، وتحمل اسم قوس قزح قد اكتملت بإحكام الجيش السوري سيطرته على منطقة الملاحات والمزارع التابعة لها في حندرات في ريف حلب.
فرغت جعبة الفرنسيين والأتراك من البدائل عن خطة دي ميستورا، لمنع سقوط ما تسيطر عليه المجموعات المسلحة من أحياء حلب في قبضة الجيش السوري، وصارت المسألة بيد غرفة العمليات التي تدير المعركة في شمال سورية، أو بإطلاق إشارة البدء لخطة دي ميستورا.
كلفة الخطة غالية، فهي تعني بعد التعديلات التي أدخلها الرئيس السوري بشار الأسد على المبادرة، إنهاء خطوط الإمداد الخارجية للمجموعات الإرهابية، عبر الحدود التركية، بعدما اشترط الرئيس الأسد لدعم أي مبادرة أممية أن ترتبط بتنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي حول مكافحة الإرهاب، والتي تتضمّن إعلاناً صريحاً بوجوب إغلاق الممرات الحدودية التي يتسرّب منها السلاح والعتاد والمال ويسلكها المسلحون إلى داخل سورية، وهي قرارات تخرقها «إسرائيل» كلّ يوم، ولم تحترمها تركيا يوماً، ولا يحترمها حكام الأردن، وإذا كانت المبادرة محصورة بمناطق شمال سورية وخصوصاً حلب كخطوة أولى، فلا مانع لدى سورية من أن يبدأ إغلاق الحدود وفقاً للقرارات الدولية من هناك، ويفترض أن يتضمّن أيّ سعي لنقل التجربة بعد نجاحها إلى جنوب سورية، تطبيقاً لإقفال الحدود الجنوبية، من الجانب «الإسرائيلي» أولاً والأردني ثانياً.
حاول الفرنسيون التذاكي بطلب نشر مراقبين أمميين في حلب، فكان جواب دي ميستورا، أنّ طرح المراقبين لا يمكن مناقشته مع الحكومة السورية إلا ككلّ لا يتجزأ لبنديْ المبادرة، الحدود التركية وخطوط القتال.
انتقل الملف ليل أمس إلى روما حيث يلتقي وزيرا خارجية أميركا وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف، فترك الأمر للمبعوث الأممي ليجري المشاورات اللازمة في دمشق وأنقرة ورؤية الأكثر قابلية للتطبيق، الاكتفاء بالضمانات أم نشر مراقبين، بينما توافق الوزيران حول أوكرانيا على البدء بنشر المراقبين الأوروبيين وتغطية دورهم بمهمة أممية، بموجب قرار يصدر عن مجلس الأمن يدعم تطبيق اتفاقات مينسك ومن ضمنها وقف النار ونشر المراقبين، وبالتالي وضع الملفين الأشدّ سخونة دولياً على طريق التبريد، بعدما بدا أنّ الملف النووي الإيراني هو الآخر ينتظر بعد غد ليتلقى شحنة تخصيب لدرجة التبريد التي بلغتها المفاوضات، والتي يجمع أطرافها على تحقيق اختراقات هامة في بنودها الرئيسية.
لبنان في قلب الحرب على الإرهاب، لكن قلوب بعض المسؤولين على علاقاتهم الضيّقة ومكاسبهم المحلية في لعبة تحت الطاولة مع «جبهة النصرة»، كل مرة بعنوان، وشهد يوم أمس فصلاً من فصول هذا التذاكي عندما كلف الوزيران وائل أبو فاعور وأشرف ريفي عضو «هيئة علماء المسلمين» حسام الغالي، من دون تفويض من الحكومة، الذهاب إلى عرسال، ليكتشف حاجز الجيش اللبناني في سيارته أسلحة وحزاماً ناسفاً، فيقوم بتوقيفه ليطلق سراحه بعد ساعات.
توقيف الغالي وإطلاقه
وكان الحدث اللافت أمس توقيف الجيش في عرسال عضو «هيئة علماء المسلمين» الشيخ حسام الغالي وأربعة سوريين آخرين وهم متوجهون إلى جرود عرسال وبحوزة أحدهم حزام ناسف، فضلاً عن العثور على أسلحة وذخائر داخل سيارتهم. وبعد نحو أربع ساعات من التحقيق مع الغالي أطلق سراحه، فيما تعقد الهيئة مؤتمراً صحافياً اليوم تتحدث فيه عما سمتها «ملابسات الحادثة التي حصلت مع الغالي، في طريقه للقاء الخاطفين في جرود عرسال، بعدما تم تكليفه من الهيئة بالتواصل معهم».
ورفض الغالي في اتصال مع «البناء» الحديث عما جرى معه، لكنه قال إنه «أثناء تفتيش الشخص الوسيط الذي كان يقود السيارة تبين أن معه حزاماً ناسفاً»، مشيراً إلى «أن التفاصيل سيعلن عنها اليوم».
وفي حديث تلفزيوني، أكد الغالي، أن زيارته إلى منطقة جرود عرسال حصلت «بتفويض من قبل «هيئة علماء المسلمين» ومن أجهزة أمنية وسياسية معروفة في البلاد بهدف الحصول على ورقة مكتوبة من قبل الجهات الخاطفة بالتعهد بعدم قتل أي من الجنود مقابل إطلاق النساء المعتقلات».
وشدد على أن الأسلحة التي كانت موجودة في السيارة تعود إلى مرافقيه، لافتاً إلى أن الحزام الناسف يعود إلى الوسيط المكلف من قبل الخاطفين بإيصاله إلى الجرود، مشيراً إلى أن هذا الموضوع يتابع مع المسؤولين الرسميين.
«أبو طاقية» ينسق مع الجيش؟
لكن اللافت في هذا الموضوع هو استغراب الشيخ مصطفى الحجيري أبو طاقية في حديث لـ»البناء» كيف يذهب الشيخ الغالي إلى الجرود من دون التنسيق مع قيادة الجيش»، لافتاً إلى «أنه لو نسق مع الجيش لما كان حصل الذي حصل ولما كانت السيارة تعرضت للتفتيش»، مشيراً إلى «أنه الحجيري كان يمر على الحاجز الذي يفصل عرسال عن جرودها لزيارة المسلحين، من دون أي تفتيش من قبل عناصر الجيش على رغم مذكرة التوقيف الصادرة بحقه!».
تكرار سيناريو آب في عرسال
وأكدت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن الهيئة كانت تعد لوقيعة جديدة للجيش على غرار ما حصل في آب الماضي من أجل تسليم المسلحين أوراق قوة، ونزع أوراق القوة من أيدي الحكومة، لتحملها والتيار الوطني الحر وحزب الله مسؤولية عرقلة المفاوضات».
وشددت المصادر على «أن الغالي لم يكن مكلفاً بشكل رسمي من أي جهة رسمية تملك صلاحية التفويض»، وهذا ما أكده رئيس الحكومة أنه لم يكلف أحداً، لكن تصريح الغالي وقوله أنه كان ينسق مع جهة أمنية، في حال صحته، فإنه يكون يعني بذلك فرع المعلومات، وهذا ما يؤكد صوابية القول باستعادة المناورة التي حصلت في آب الماضي لأنها حصلت مع الجهات نفسها».
من جهته، أشار عضو «هيئة علماء المسلمين» الشيخ عدنان أمامة إلى أن «الهيئة» لم تحصل على وعد من الخاطفين بعدم قتل أي عسكري محتجز حتى اللحظة، متمنياً لو «أن الحكومة أعطتها تفويضاً جزئياً يخوّلها الانتقال إلى الجرود لمقابلة الخاطفين وجهاً لوجه، الأمر الذي كان ليسهل انتزاع التعهد من الخاطفين».
وفي الموازاة يتجه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل للانسحاب من خلية الأزمة المكلفة متابع قضية العسكريين لعدم جدية الحلول بحسب ما أفادت أوساط التيار الوطني الحر.
تهديدات بـ«داعش» في وسط بيروت
وبالتزامن مع هذه التطورات، تحول يوم التضامن مع أهالي العسكريين في وسط بيروت أمس إلى حفلة هرج ومرج ألقيت خلالها كلمات هددت الحكومة والوزراء حتى وصل الأمر بأحد الخطباء إلى التهديد بـ«داعش».
ولدى صعود عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب ناجي غاريوس إلى المنصة لإلقاء كلمته، احتج بعض المعتصمين، إلا أنه عاد بعد دقائق وألقى كلمة قال فيها: «نحن أيضا أهل للمخطوفين، وأنا اعتبر وأمام الجميع أن الإهانة إذا أتت من أهلنا فنحن نقبلها، الجميع مشكور على وقوفه إلى جانب أهالي المخطوفين، ونحن أيضاً نقف إلى جانبهم كل يوم».
وفي وقت لاحق أصدر مكتب غاريوس بياناً توضيحياً أكد فيه «أن أي إشكال بينه وبين أهالي العسكريين لم يحصل، وأنه لو لم يكن أهالي العسكريين يريدون أن يتمثل تكتل التغيير والإصلاح في التحرك لما كانوا أرسلوا دعوة إلى العماد ميشال عون للمشاركة».
وأشار غاريوس إلى أن بعض المندسين افتعلوا إشكالاً لا علاقة لا للنائب غاريوس ولا لأهالي العسكريين به، وأنه حين وقع الإشكال قبيل إلقاء كلمته تنحى جانباً إلى أن هدأ الوضع وعاد وألقى كلمته بناء على طلب الأهالي.
وكان وفد من أهالي العسكريين المخطوفين التقوا النائب وليد جنبلاط في المختارة بحضور وزير الصحة وائل أبو فاعور. وأعلن الأهالي أن «جنبلاط سيقوم بحركة في اليومين المقبلين في أكثر من اتجاه، شخصياً وعبر الوزير أبو فاعور، لتحريك ملف أبنائهم ومحاولة حلحلة العقد التي تعتريه».
جعجع إلى السعودية وحزب الله يفتح أبواب التلاقي
على صعيد الحوارين الثنائيين المرتقبين بين حزب الله وبين تيار المستقبل من جهة، وبين العماد عون وبين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من جهة أخرى، لم يطرأ عليهما أي جديد سوى مغادرة جعجع بيروت إلى الرياض أمس في «زيارة رسمية» لإجراء محادثات مع المسؤولين السعوديين بحسب بيان للقوات.
في غضون ذلك، أكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أننا «جاهزون للتفاهم مع الآخرين ونريد أن نتعاطى بواقعية مع شركائنا في الوطن ومع أبناء المنطقة التي نريدها أن تكون منطقة ممانعة ضد الأخطار الوجودية الكبرى، وأن نفتح أبواب التلاقي والحوار لكن من مواقعنا وعلى أساس قناعتنا وعلى ما نراه مصلحة لبلدنا».
وقال رعد في احتفال تأبيني: «نحن منفتحون على المنطق الصحيح الذي نسمعه من الآخرين ولسنا متعصبين»، لافتاً إلى «أننا أصحاب قناعات، ونناقش بمنطق وعقلانية وواقعية، ونملك ثقة بأنفسنا وبشعبنا لا يستطيع الآخرون أن يمتلكونها».