العراق بين القوة الشرعية وشرعنة القوة الوافدة

وليد زيتوني

يقف المشهد العراقي على مفترق خطير، بعد أحداث الموصل ودخول الأميركي خط المعالجات الممكنة. فأمام القيادة الاتحادية، وهو التعبير الأكثر سوءاً للدلالة على وحدة العراق، خيارات متعددة أحلاها مرّ. وأمر ما فيها قبول النصائح الأميركية، بل وتدخلها في الشأن الداخلي، بالرضا والقبول أو بالرفض والممانعة.

فالأميركي خرج من العراق مهزوماً، بعد أن سرق ثروتها وفتت جيشها وشرذم الشعب إلى ملل ونحل واثنيات، وضرب المراكز الثقافية والعلمية، واغتال العلماء ورجال الفكر وسرق المتاحف والمواضع الحضارية. خرج الأميركي وعينه على بلاد الرافدين، بلاد المن والسلوى والنخيل والبترول. بلاد الربط والجمع بين الثروة والأسواق. خرج الأميركي من الباب العريض ليعيد الدخول من الشباك الضيق، خرج بجيشه الجرار ليعود من خلال داعش والشركات الأمنية. فالأميركي من ضرب الجيش العراقي السابق وهو من أوصى باستبعاد عناصره من الخدمة في المرحلة الجديدة تمهيداً لاستخدامهم كمتعاقدين في الشركات الأمنية التي أنشأها خصيصاً لإعادة القبض على العراق. يكفي القول إن شركة «بلاك ووتر» ومثيلاتها في العراق وصلت عام 2007 إلى تعداد 185000 متعاقد. أي ما يوازي تعداد الجيش الأميركي الذي كان موجوداً في التاريخ نفسه على الأرض العراقية.

بعد حادثة ساحة النسور، التي ذهب ضحيتها 18 مواطناً عراقياً، ألغت الحكومة عقدها مع الشركة، إلا أنه وبالتعاون بين الشركة والحكومة الأميركية، جرى تغيير اسمها إلى «إكس إي» واستمرت تعمل حتى تاريخ الانسحاب الشكلي الأميركي. غير أنها خففت من متعاقديها وخصوصاً من أبناء نينوى وصلاح الدين والأنبار. فالتحق القسم الأكبر منهم بتنظيم «داعش»، بمعنى آخر التحق هؤلاء بشركة أمنية سياسية، لها الأهداف نفسها لبلاك ووتر، مع تغيير بسيط يتعلق بالقيادة الميدانية والأهداف الطائفية المعلنة. وهذا ما يفسّر الانهيار السريع للجيش العراقي الحديث أمام «داعش» في الموصل.

لا تختلف البيشمركة في الإقليم الكردي عن هذا الواقع، الابتزاز شمالأ سيد الموقف. فالإقليم يحصل على 17 في المئة من الموازنة الاتحادية العامة، إضافة إلى ثمن كامل مبيعات البترول المنتج شمالاً وبترول كركوك حالياً. وأكثر من ذلك تدفع الإدارة الاتحادية ثمن الأسلحة والذخائر للبيشمركة، ولا تخضع لها إدارياً وعملانياً. أيضاً، لا يختلف العمل على إحياء الصحوات في الإقليم الوسيط عن هذا النهج، فجزء من الإدارة يفاوض على توريد الأسلحة والذخائر لمصلحة العشائر المذكورة التي أعلنت استعدادها للانخراط في ما يسمى الحرب على «داعش».

وربما الأخطر من ذلك، قبول الإدارة العراقية مفاوضة الشركات الأمنية في الإمارات العربية المتحدة لتدريب وتجهيز هذه الصحوات. مع العلم ان «ريفلكس ريسبونس» الشركة المتعاقدة مع الإمارات العربية صاحبها هو إيرك برنس، صاحب «بلاك ووتر» سابقاً، وكان قد أسّسها بعد انتقاله إلى الإمارات العربية وبيع حصته في «بلاك ووتر» عام 2010 ولتهربه من الملاحقات القانونية للإدارة الأميركية كما قيل. ومن المعروف أن مهمات هذه القوة هي تشكيل الخط الدفاعي الأخير عن دولة الإمارات، وحماية المنشآت الكبرى والتدخل في مياه الخليج.

قد تمرّ التحضيرات بشكل طبيعي، لولا هذا الربط الواضح، بين دخول «داعش» الخط المرسوم لها أميركياً، وانتقال إيرك برنس إلى الإمارات. بعد تقدير الموقف العسكري أميركياً بأنه ليس لمصلحتها وإعلان تحولها إلى الحرب الناعمة.

فالشركات الأمنية الأميركية تقوم مقام القوات الأميركية، من دون أن تتحمل الإدارة الأميركية تبعات هذا التدخل سياسياً في الداخل والخارج. وهو مضمون الحرب الناعمة، أي الحرب بالوكالة بأدوات محلية وخبراء من المرتزقة الأجنبية.

استناداً إلى ما سبق، هل يمكن تصنيف «داعش» بأهدافه وأدواته وسلوكه، إلا شركة أمنية أميركية بلباس مختلف وشعارات مختلفة؟

وهل الشركات الأمنية، سواء كان مصدرها أميركا أو الإمارات أو الأردن أو السعودية أو قطر أو حتى تلك الموجودة في أربيل إلا تنظيم «داعشي» أكثر وضوحاً بمسميات مختلفة؟

الإدارة «الاتحادية العراقية» في وضع لا تحسد عليه. إنها على مفترق طريقين بين الوحدة أو الخضوع للمآرب الأميركية بالأقلمة. وبين أن تستعيد قوتها الشرعية، أو تشرعن القوى الأجنبية الوافدة.

عميد ركن متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى