أميركا بين انتفاضات السود وفضائح التعذيب الممنهج

تشنّج المشهد السياسي الاميركي هذا الاسبوع على خلفية نشر لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ملخص تقرير مطوّل حول ممارسة وكالة الاستخبارات المركزية للتعذيب. قلة من مراكز الأبحاث نشرت بعض إسهاماتها في هذا المجال.

سيستعرض قسم التحليل تقرير التعذيب بعد التداعيات السياسية لا سيما انه يبرّئ كبار المسؤولين، وبخاصة اولئك المشاركين في الجلسات السرية الخاصة التي عقدتها الوكالة مع نخبة منتقاة من اعضاء وقادة الكونغرس.

كما سيتناول التحليل تنامي وتيرة الاضطرابات المدنية في عدد من المدن الاميركية، نتاجاً لتبرئة القضاء عدداً من رجال الشرطة البيض من اغتيال افراد مدنيين عزل، قاسمهم المشترك انهم من الافارقة الاميركيين. يناقش التحليل هذه الظاهرة ورؤيتها كتمهيد لصدامات اوسع وربما اشدّ قسوة وعنفا، يقودها عدد من المنظمات اليسارية السوداء.

تلكؤ السياسة الخارجية

نبّه معهد كاتو صنّاع القرار الى انّ انتهاج «سياسة خارجية صلبة وشرسة لا تعني بالضرورة كونها عدوانية»، مناشداً النخبة القيادية الى استغلال الاوضاع الراهنة الدولية لمكانة الولايات المتحدة «لتطبيق واعتماد سياسات خارجية تتساوق مع المبادئ والقيم الليبرالية». كما نبّه الى انّ الولايات المتحدة لا تتعرّض للتهديد «بحكم حمايتها الطبيعية من مياة المحيطين فضلاً عن ضعف جيرانها، تعززها القوة الردعية التي تمثلها ترسانة الأسلحة النووية » مناشداً صنّاع القرار النظر الى تمتع اميركا بخاصية «متى واين تشنّ حرباً خارجية..».

تداعيات تقرير التعذيب

اعتبر معهد المشروع الاميركي ان توقيت وحيثيات تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ له «ابعاد سياسية بامتياز ومن شأنه الحاق الضرر بالأمن القومي الاميركي»، مناقضاً تصريحات رئيس لجنة الاستخبارات، دايان فاينستاين، بالتشديد على «التزام مسؤولي الاجهزة الأمنية احاطة قيادات الكونغرس التام في حيثيات استجواب المعتقلين ، بل انّ مدير وكالة الاستخبارات آنذاك، بورتر غوس، اكد إخطار الوكالة لقادة مجلسي الكونغرس» استجواب الوكالة «للإرهابيين». واضاف المعهد ان غوس اوضح «اطلاع اولئك القادة وإدراكهم لما كانت تقوم به الوكالة» في هذا الشأن ولم يسجل ايّ اعتراض على ذلك، حسب ما افاد غوس.

«السلام» في الشرق الاوسط

قام معهد بروكينغز بجسّ نبض الشعب الاميركي في ما يتعلق «بالصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني»، كما جاء في الاصل. واوضح انّ تأييد حلّ الدولتين حاز على نسبة بلغت 39 في المئة، وهي ذات النسبة الثابتة منذ العام الماضي بيد انّ تأييد حلّ «الدولة الواحدة لكلّ مواطنيها شهد ارتفاعاً عن العام الماضي، من 24 في المئة الى 34 في المئة». واضاف انه عند استجواب المستطلعة آراؤهم وجهة تأييدهم في ظل غياب «حل الدولتين»، اوضح نحو 71 في المئة من الاميركيين تأييدهم لحل الدولة الواحدة «للعرب واليهود مع تساوي الحقوق..».

الانتخابات «الاسرائيلية» المبكرة

اعرب معهد واشنطن عن اعتقاده انّ الانتخابات المبكرة المقبلة من شأنها تحدي «زعامة نتيناهو… لا سيما ان العديد من المعنيين قد ضاقوا ذرعاً بسياساته». واضاف: ان نتنياهو قد يلقى «منقذا» له في رئيس السلطة الفلسطينية انْ قرّر التوجه لمجلس الأمن الدولي «للمطالبة بدولة… فمن المؤكد استغلال نتنياهو ذاك الاجراء لاغراض سياسية واتهام محمود عباس بالمراوغة والالتفاف على متطلبات عقد مفاوضات مباشرة مع اسرائيل».

ايران

اعتبر معهد أبحاث السياسة الخارجية انّ الولايات المتحدة تفتقد استراتيجية متماسكة للتعامل مع التحديات، واتهم الإدارة الاميركية «بالتراجع والتعامل مع التحديات بطريقة مجزأة». واوضح انه يتعيّن على صنّاع القرار الإصغاء الى مفهوم الاستراتيجية التي تعني «بلورة خطة عمل تستخدم كلّ ما هو متاح من وسائل لتحقيق اهداف سياسية». واردف انّ ذلك ينطوي عليه ادراك ثلاثة عوامل «الاول، ترابط الوسائل مع الهدف… ثانياً، من متطلبات الاستراتيجية تحديد الاولويات لبلوغ الهدف… اخيرا، من شأن الاستراتيجية بلورة تصور لأهمية الموارد كوسائل» مطلوبة، اي «قدرتها على ترجمة الموارد الخام مثل العامل البشري والكلفة المالية الى فرق عسكرية واساطيل حربية تسخر لخدمة هدف الحرب».

تركيا

في ظلّ تردّي الاوضاع السياسية والاقتصادية في تركيا، اعتبر صندوق مارشال الالماني انّ الجمهور التركي سيتوجه غرباً بشكل عام الى الاتحاد الاوروبي كملاذ لممارسته حقوقه الاساسية. وزعم الصندوق انّ استطلاعات الرأي الحديثة «تثبت تنامي النظرة الايجابية للاتحاد الاوروبي من قبل الشعب التركي… بدأت تتجسّد داخل مجموعات المعارضة التركية التي استشعرت حجم الاخطار التي تهدد حرياتهم الشخصية نتيجة سياسات الحكومة الراهنة». وأوضح انّ تلك «المجموعات المضطهدة تتوجه تاريخياً لتطلب عضوية الاتحاد الاوروبي ليس اقله كمصدر حام محتمل». وحذر انه ينبغي التعامل مع «طفرة التدفق بحذر».

العنصرية الوجه الآخر لأميركا

العنصرية والعبودية صنوان للنظام الاقتصادي الرأسمالي، قديماً وحديثاً، نظراً لحاجته الدائمة إلى الأيدي العاملة المُروّضة وانتاج فلسفة الطبقات بريطانيا وفرنسا ، وامتداداً التفوّق العرقي المتأصل في الفكر الاستعماري التوسعي. ومنذ وصول الاوروبيين الاوائل «للعالم الجديد» سخّروا كلّ ما يمكنهم من امكانيات وموارد لاستغلال الارض والبشر وإبادة السكان الاصليين. التوسع ونزعة السيطرة تطلب أيدي عاملة كبيرة لا يستطيع النظام الاستعماري توفيرها، وعوّضها بالاتجار بالرقيق واستقدام الافارقة بالقوة، ومعاملتهم معاملة دونية وعبودية.

ومنذ إعلان الولايات المتحدة استقلالها، تمأسس الفصل العنصري الممنهج، الموازي للرق والعبودية، وسنت القوانين إمعاناً في ترسيخ مفهوم تفوّق «الرجل الابيض» وتهميش كلّ ما عداه، بل واستعباد الآخر اقتصادياً. ثقافة العنصرية والتمييز وسمت الكيان الاميركي، ولم يتمّ التخلص منها على الرغم من سنّ بعض قوانين الحقوق المدنية للأقليات ، بل تندلع المواجهات الدامية في مناطق الاكتظاظ السكاني بين فترة وأخرى.

لم تنطل خدعة انتخاب رئيس «اسود» البشرة على غالبية المتضرّرين من العنصرية والتمييز، والذين توسّموا خيراً في البداية لعله يستطيع القضاء على العنصرية المتأصلة في أركان الدولة والمجتمع. لا بل أمعن الرئيس «الاسود» في تطبيق سياسة التمييز ضدّ الوافدين من اميركا اللاتينية، بغضّ النظر عن معسول خطابه لإدخال إصلاحات على قوانين الهجرة واسفرت سياساته عن ترحيل اعداد كبيرة منهم بالقوة، مما افرز تقسيم مرئي للحمة العائلة الواحدة.

جدير بالذكر انّ الولايات المتحدة تضمّ العدد الاكبر من الجمعيات والميليشيات العنصرية المتطرفة، من بين دول العالم قاطبة ما ينوف عن 75 منظمة تنشط في الولايات الجنوبية بشكل خاص. وليس مستغرباً ان تشهد اميركا ايضاً اكبر حوادث العنف العنصري وجرائم الكراهية ضدّ السود من أصول افريقية، لا سيما أنّ معظمهم يعيش في مناطق شبه معزولة بمجملها عن الرخاء الاقتصادي ويرزح ما لا يقلّ عن 30 في المئة منهم تحت مستوى خط الفقر الذي حدّدته الدولة. ظاهرة التمييز واضطهاد السود في اميركا برزت على السطح والمنابر الإعلامية، بعد سبات قصير وأوهام حول حقيقة توجهات أوباما الذي بدا عاجزاً عن كبح جماح قمع الأجهزة البوليسية والسلطات المحلية في الأحداث الأخيرة.

فيرغسون البداية

الانقسامات الاجتماعية الحادّة والصدام المباشر مع أجهزة الشرطة المختلفة تصاعدت وتيرتها بشكل ملحوظ في العام الحالي، ولم تكن المواجهات في مدينة فيرغسون معزولة عن هذا السياق، التي برزت على خلفية استهداف السود من قبل رجال الشرطة البيض. سبق فيرغسون عدد كبير من الحالات المشابهة، وتلتها حوادث اخرى مشابهة ايضاً بفارق زمني ضئيل لا يتعدّى بضعة ايام تفصلها عن بعضها.

ردّ أذرع المؤسسة الحاكمة جاء سريعاً بتعزيز قوات الشرطة بكامل اسلحتها الميدانية ومن ضمنها العربات المدرّعة، ومن ثم استباقياً باستقدام ونشر قوات الحرس الوطني بكامل عدّتها للحيلولة دون اندلاع صدامات اخرى قبل نطق المحكمة قرارها.

اتسم المشهد السياسي الاميركي منذ ذلك التاريخ، 11 تشرين الثاني، بديمومة التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية تنديداً بقرار السلك القضائي تبرئة الشرطي القاتل واكبتها تبرئة القضاء في مدينة نيويورك لشرطي ابيض أجهز على مواطن أسود أعزل لفظ أنفاسه الأخيرة بالاختناق وهو تحت سيطرة عدد من رجال الشرطة. شرائح اجتماعية متعدّدة تضامنت مع الضحايا «السود»، جسّدتها بالمسيرات والتظاهرات في ما لا يقلّ عن 24 مدينة كبرى.

شهدت مدينة بيركلي الجامعية، في ولاية كاليفورنيا، تظاهرة سلمية ازداد عديدها تباعاً، وامتدّ الاشتباك بين الشرطة وبعض المتظاهرين الى مدينة اوكلاند المجاورة. استخدم رجال الشرطة اسلحتهم التقليدية: الهراوات وقنابل الغاز المسيل للدموع، مقابل إشعال بعض المشاركين النار في بعض حاويات القمامة وتحطيم واجهة عدد من المحلات التجارية ونهب بعضها.

تنادى نحو 1،000 متظاهر عشية اليوم التالي في بيركلي، اشتبكوا مع رجال الشرطة بالقرب من مركز الشرطة، ومن ثم اتجهوا ناحية الطريق السريع 80 لقطع حركة السير وحظر مرور قطار للركاب احتجاجاً على تجاوزات الشرطة.

استنهضت التظاهرات بعض الزعماء السود التقليديين، المنتفعين من المؤسسة الحاكمة، واعلن القس آل شاربتون، المثير للجدل والمتهم بتورّطه في الفساد، عن التحضير لتظاهرة ضخمة في واشنطن العاصمة والاحتجاج «ضدّ عنف أجهزة الشرطة»، الذي ذهب ضحيتها عدد من الشباب السود، وضدّ تبرئة السلك القضائي لرجال الشرطة الذين نفذوا عمليات القتل والاغتيالات.

كما انضمّت الهيئة الدولية للتنديد بأساليب العنف للشرطة الاميركية، وطالبت ممثلة الأمم المتحدة لشؤون الأقليات ريتا آيزك بإعادة النظر بمنظومة عمل وإرشادات رجال الشرطة. وندّدت بقرار متطابق لمحكمتين منفصلتين، واللذين «خلّفا شكوكاً محقة تتعلق بمنظومة الإفلات من العقاب لضحايا العنف المفرط لدى العديد من الأفارقة الاميركيين او الأقليات الاخرى».

تصاعد وتيرة الاضطرابات

سلسلة الاشتباكات الاخيرة مع الاجهزة الأمنية بعيدة كلّ البعد عن عامل الصدفة اذ أشرنا اليها في شهر نيسان الماضي والمواجهات التي جرّت على ارض مزرعة راعي البقر، كلايفن بندي، بين اجهزة الأمن الفيدرالية والميليشيات المسلحة التابعة لمجموعات عنصرية او يمينية متشدّدة من البيض.

تراجع مشاركة السود، الافارقة الاميركيين، في حملة الانتخابات الاخيرة كان جلياً مردّه حالة الإحباط العارمة بينهم من سياسات الرئيس اوباما وعدم وفائه بالتزاماته نحوهم. يضاف الى ذلك مشاعر الكراهية وعدم الثقة من أجهزة الشرطة بكامل منظومتها التي تكن عداء صارخاً لحقوقهم، فضلاً عن استمرار حالة تردّي أوضاعهم الاقتصادية بعد ما ينوف عن 40 عاماً على خطاب رمز حركة الحقوق المدنية، مارتن لوثر كينغ، الشهير «لديّ حلم» بحتمية المساواة والرخاء.

تراجع الحالة الاقتصادية بشكل عام يشكل السبب الرئيس في مناهضة «البيض» الشباب لسياسات الرئيس اوباما. وجاءت نتائج استطلاع حديث للرأي مخيّبة لآمال الرئيس اوباما، اذ بلغت شعبيته بين البيض نحو 34 في المئة، بين الفئة العمرية من 18 الى 29 عاما مقارنة مع نسبة شعبية مريحة بلغت 58 في المئة عام 2009 لذات الفئة العمرية من البيض. وبلغت نسبة الإحباط لحال الاقتصاد نحو 70 في المئة، مما يؤشر على إمكانية تبلور حركة الاحتجاج لتشمل شرائح اجتماعية اوسع في المدى المنظور أكدها رجل الاعمال الاسود الثري، راسل سيمونز، اذ حذر من تنامي الاحتجاجات ان لم تتمّ تلبية المطالب الشعبية بعدالة القضاء ومعاقبة رجال الشرطة المعنيين.

تنامي «وحشية اجهزة الشرطة» باضطراد يدلّ على تشكيله فتيل الانفجار لاضطرابات محلية، كما شهدت عدد من كبريات المدن الاميركية. على الطرف المقابل، اي في أوساط النخب الحاكمة، يشكل إمكانية انهيار الحالة الاقتصادية ذريعة اكبر لاندلاع الاحتجاجات، تقارب ما شهده عدد من البلدان الاوروبية مثل اليونان وايطاليا.

ظهور رجال الشرطة في فيرغسون بكامل الأسلحة الميدانية المعدّة لخوض الحروب أثار نزعة غضب متأخرة لدى بعض اعضاء مجلس الشيوخ في لجنة الأمن الداخلي. وبدأ مسار كشف عيوب برنامج التسليح لأجهزة الشرطة من قبل ممثلين سنّوا قانوناً بهذا الشأن قبل مدة يجيز تسليم البنتاغون اسلحة وذخيرة فائضة عن حاجتها إلى أجهزة الشرطة الداخلية، منها عربات عسكرية مدرعة مقاومة للألغام.

حجم المعدات الحديثة المخصصة «لتدريع» اجهزة الشرطة المحلية تقدّر كلفتها 4.3 مليار دولار، دخلت الخدمة في عدد كبير من اجهزة الشرطة المحلية، مما حفز الإدارة الاميركية على إطلاق حملة لإعادة النظر بنظام «التدريع»، عقب الاشتباكات الاخيرة في فيرغسون وما بعدها.

تشريع «تسليح وتدريع» اجهزة الشرطة، في فيرغسون وغيرها، جاء ثمرة لقانون الدفاع المدني في تسعينيات القرن الماضي، يعرف ببرنامج 1033 الفيدرالي اضافة إلى المنح المالية التي تقدمها وزارة الأمن الداخلي للولايات، مما أسفر عن دخول معدات حربية لتلك الأجهزة تضمّنت: أسلحة رشاشة، ذخيرة متعدّدة العيارات، معدات للرؤية الليلية، طائرات من دون طيار، عربات مدرّعة، ألبسة مرقطة، قاذفات قنابل والتي استخدمت بوفرة في مدينة فيرغسون، ومسدسات كاتمة للصوت.

في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، تحمّلت وزارة العدل بالشراكة مع البنتاغون كلفة تحديث التقنيات العسكرية لأجهزة الشرطة الداخلية، والتي واجهت مقاومة من عدد من منظمات الدفاع عن الحقوق المدنية.

بلغ حجم «المنح المالية» التي تسلّمتها أجهزة الأمن المحلية ما ينوف عن 34 مليار دولار، منذ اعتداءات 11 ايلول 2001 مما حفز «آلاف اجهزة الشرطة المحلية على طول الاراضي الاميركية الإسراف في شراء ما تحتاجه من معدات واجهزة تسدّد قيمتها الدولة المركزية».

اما حجم ميزانية وزارة الأمن الداخلي للإنفاق على تعزيز الأمن القومي فقد بلغ 75 مليار دولار عام 2011، ذهب جزء لا بأس به من تلك الأموال ضحية فساد غير معلن. على سبيل المثال، تحمّلت الوزارة مبلغ 750،000 دولار لإنشاء «حاجز مضادّ للإرهاب»، ليتبيّن لاحقاً انّ الحاجز تم بناءه في محيط مستشفى عسكري في ولاية نورت كارولينا ايضاً تحمّلت كلفة توفير معدات اتصال حديثة بلغت قيمتها 557،400 دولار «فاز بها نحو 1،500 مواطن في القطب المتجمد الشمالي».

تنفق الحكومة المركزية ما لا يقلّ عن مليار دولار سنوياً نفقات «تدريع» اجهزة الشرطة المحلية المتعدّدة، وفق ما صرحت به السيناتور الديمقراطية عن ولاية ميزوري كلير ماكاسكيل التي انتقدت البنتاغون بشدّة لعدم اتباعها إجراءات الشفافية والمساءلة المعتمدة، وقالت في جلسة عامة: «يا الهي، كيف باستطاعة ايّ فرد وصف كلفة البرنامج 1033 الباهظة بأنه خطأ غير مقصود؟»

على صعيد «وحشية اجهزة الشرطة»، تجدر الاشارة الى دراسة صدرت عن المعهد الاستراتيجي في الكلية الحربية الاميركية، عام 2008، تحذر من امكانية اندلاع اضطرابات مدنية ضخمة نتيجة سلسلة من الأزمات، اطلقت عليها «الصدمة الاستراتيجية».

الميليشيات المسلحة

يعجّ المشهد الاميركي بمجموعات مسلحة شبه منظمة وأخرى تقنية تتربّص للاشتباك مع أجهزة الشرطة، البعض منها يحفزه الأمل في إشعال فتيل ثورة محلية، وفق ادراكهم الخاص للثورة.

من بين المنظمات التقنية مجموعة «انونيموس» المتخصصة باختراق اجهزة الكمبيوتر، والتي تستهدف الأجهزة الأمنية والحكومية ومواقع الكترونية تخصّ الشركات الكبرى. المجموعة لا تتبع فكراً سياسياً محدداً، وينطبق عليها صفة الفوضوية. احد ضحاياها كان الموقع الالكتروني لجهاز شرطة مدينة اوكلاند بكاليفورنيا، في الفترة الاخيرة.

مجموعات اخرى تختصّ بإلحاق الضرر بالأملاك العامة، ويشتبه في مسؤوليتها عن اشعال النيران في منطقة من مدينة لوس انجليس بالتزامن مع الاحتجاجات المدنية، مما تطلب تدخل نحو 250 فرد من جهاز إطفاء الحرائق، ولحق الضرر بعدد من المباني في الوسط التجاري للمدينة. وصف مسؤولو اطفاء الحرائق الضرر المتسبّب في احدى البنايات المكونة من 14 طابقاً بأنّ ثلاثة منها تضرّرت بفعل «الحرارة الإشعاعية»، والباقي لحقه الضرر من تفجر انابيب المياه.

على الجانب المقابل، يتواجد عدد من المنظمات اليسارية والعقائدية والتي يعتقد انها تسخر إمكانياتها لدعم وتأييد الاحتجاجات، والمشاركة الفعلية فيها. ونقلت صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» المحافظة ادّعاءات جهاز شرطة المدينة بانه رصد عناصر تنتمي إلى منظمة متطرفة تدعى «العائلة السوداء الغوارية»، وتهدّد بإطلاق النار على رجال الشرطة. يذكر انّ منظمة بهذا الاسم برزت في عقد الستينيات من القرن الماضي، تستلهم أفكار القادة السود الوطنيين، وعلى رأسهم ماركوس غارفي، وتلتزم فكرياً بالماركسية الثورية للأفارقة الاميركيين، وأعضاؤها من نزلاء السجون الاميركية.

المنظمة الأهمّ التي ذاع صيتها في تلك الفترة هي منظمة «الفهود السود الجديدة» التي أعيد تشكيلها بعد مقتل وسجن وملاحقة عدد من اعضائها وقادتها. اتهمت اجهزة الشرطة في ميزوري المنظمة بالتحضير لتفجير احد اهم معالم المدينة، قوس سانت لويس، واغتيال كلّ من رئيس جهاز الشرطة والمدّعي العام في مدينة فيرغسون.

من بين المنظمات العقائدية برز «الحزب الشيوعي الثوري» في صلب احتجاجات فيرغسون، مما دعى مراسل الصحيفة المحلية، بول هامبيل، إلى نشر تغريدة على حسابه الشخصي يزعم فيها تصدّر أعضاء الحزب الشيوعي إحدى التظاهرات الليلية وقيامهم بتوزيع نشراتهم الحزبية التي تطالب «بحل شيوعي لتحطيم الشرطة العنصرية».

مجموعات أخرى متباعدة فكرياً ومتباينة في الأهداف شاركت موقتاً في تظاهرات مدينة بورتلاند بولاية اوريغون وبثت شبكة سي بي اس للتلفزة نبأ يرصد مجموعة هامشية من المتظاهرين هناك، غطت وجوهها بمناديل سوداء كبيرة تنادي باستخدام العنف والاشتباك المباشر مع افراد الشرطة. تجدر الاشارة الى انّ تلك البلدة تعدّ مسقط رأس حركة «الاحتلال» ضدّ البنك الدولي.

وسائل الاعلام الكبرى نشرت خبرا من فيرغسون مفاده «وجود احد كبار قادة منظمة احتلوا وول ستريت، الملقبة بأستاذة او عرّابة حركة الاحتلال ليسا فيثيان، تشرف على تدريب المتظاهرين في «محاكاة الفوضى».

المنظمات اليمينية ايضاً سعت إلى استغلال اجواء التظاهرات كفرصة تجدّد وجودها بعد التغطية التي نالتها في مواجهة الشرطة الفيدرالية على اراضي مزرعة كلايفين بندي، واستغلالها لإعادة أحياء أمجاد «معركة بنكرفيل»، القرية القريبة من المزرعة.

بعض أعضاء تلك الميليشيات يقوم بمهمة حماية المحلات التجارية، ابرزها عناصر منظمة «الولاء للقسم»، الذين شوهدوا بأسلحتهم في الوسط التجاري من مدينة فيرغسون.

يُجمع القطبين المتناقضين على الإعداد لإطلاق شرارة الاحتجاجات الجماهيرية وتطويرها إلى مرحلة الثورة الشاملة.

بعض الاحصائيات

للتعرف بدقة إلى الاوضاع المزرية التي يعاني منها الافارقة الاميركيون، نورد بعض الإحصائيات الرسمية، بعض منها أورده الصحافي الايطالي جوفاني ماورو، استقاها من مكتب الإحصاء الاميركي، المركز الفيدرالي لإحصاء التعليم، مكتب الولايات المتحدة للإحصاءات العامة، والمركز الفيدرالي لإحصاءات العمل.

ـ يشكل السود نسبة 13 في المئة من سكان الولايات المتحدة، ولم يطرأ عليها اي تغيير يذكر منذ عام 1980.

ـ 37 في المئة من الاطفال السود يعيشون تحت معدلات الفقر، مقابل 10 في المئة للاطفال البيض.

ـ عدد السود العاطلين عن العمل يبلغ ثلاثة أضعاف معدل العاطلين البيض.

ـ عدد خريجي الجامعات السود العاطلين عن العمل هو ضعف العدد بين البيض.

ـ 10 في المئة من الشباب السود يرزح خلف قضبان السجن.

ـ 37 في المئة من المعتقلين بتهمة الاتجار بالمخدرات هم من السود.

ـ 57 في المئة من نزلاء سجون الولايات بتهم المخدرات هم من السود.

ـ 32 في المئة من المواليد السود منذ عام 2001 سيتعرّضون لدخول السجن بتهمة ما او بأخرى، مقابل نسبة 6 في المئة من البيض.

ـ الاحكام القضائية الموجهة للسود تفوق الأحكام على البيض بنسبة 20 في المئة.

ـ تزعم «منظمة فرسان الامبراطورية الجديدة» الاميركية العنصرية ان 90 في المئة من معدلات الجريمة يرتكبها السود.

ـ يشكل السود نسبة 67 في المئة من سكان مدينة فيرغسون.

ـ 94 في المئة من رجال شرطة فيرغسون هم من البيض.

ـ نسبة عداء الاميركيين للسود بلغت 51 في المئة عام 2012، وهي في تصاعد مخيف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى