أستراليا: بداية التحوّل

روزانا رمّال

على طريقة احتجاز رهائن لبنانيين وسوريين وعراقيين في الشرق الاوسط احتجزت «داعش»، او ما يعادلها، رهائن استراليين في مقهى استرالي شهير «ليندت» في سيدني.

إذا كان وقع احتجاز الرهائن العرب لدى الغرب أمراً عادياً فإنّ احتجاز الأجانب الاستراليين اليوم لم يكن وقعه عادياً أبداً على الرأي العام الدولي عامة والاسترالي بشكل خاص، إنْ كان في الشكل والاسلوب الجديد، أو في الهدف والاستهداف والوظيفة السياسية التي اكد المسؤولون الاستراليون عليها.

وبالنظر الى هذه الوظيفة الاسترالية فإنّ وجود الجماعات المتطرفة في استراليا وغيرها من الدول الأوروبية ليس جديداً، ولا حتى أسلوب الخطف المنسجم مع باقي ممارسات الجماعات في الشرق الاوسط.

لطالما عمدت الجماعات الإرهابية الى اختطاف او احتجاز رهائن من مدنيين عزل او عسكريين في الفترة الأخيرة في معظم المناطق التي حلت فيها، أبرزها في سورية والعراق و لبنان وغيرها، وذلك للضغط على حكومات تلك الدول بطريقة او بأخرى، وإذا كانت لدى هذه المجموعات مطالب تودّ الحصول عليها من تلك الحكومات في الشرق الاوسط، فإنها تريد المطالب نفسها من غيرها، وهي تتعلق بمجملها برفع اليد او القيود او الحصار عن الإرهابيين وعدم الوقوف في وجه مشروعهم.

لا يمكن قراءة الضغط على استراليا في الأشهر الماضية من قبل الارهابيين القابعين فيها سوى قراءة سياسية وعسكرية بحتة، وإذا كان هناك ما يدفع الاصوليين لاستهداف مقرات استرالية او كندية او اوروبية فهي من دون شك تندرج في سياق الضغط على حكومات الدول لتخفيف محاربتها للإرهابيين وعدم عرقلة مشروعهم في الشرق الاوسط كسياسة مستحدثة، بعدما كان الغرب اول من مهّد الطريق لنمو المجموعات هذه وانتشارها واستخدامها في عمليات خاصة دولياً.

يبدو انّ النشاط العسكري للتحالف الدولي ضدّ «داعش» في كل من العراق و سورية يشكل نوعاً من الضغط على مشروع دولة «داعش» وما يعادلها في المنطقة، وانه من غير المستبعد ان ترتدّ مشاركة كلّ دولة من الدول المشاركة فيه سلباً على أمنها القومي والداخلي، وعليه تتوقع استراليا او اي دولة مشاركة في التحالف الدولي مسبقاً ان تتعرّض لهجمات ارهابية مسلحة واعتداءات مسلحة جراء الانضمام الى اعمال التحالف الدولي العسكرية، الا انّ استراليا وبريطانيا بشكل خاص تعتبران من اكبر الدول التي تضمّ اسلاميين متطرفين وتعرفان انهما تقعان بين نارين… الأولى تفشي «داعش» فيهما بسبب الانكفاء وتركها تنمو وتنتشر، والثانية المشاركة في الحرب عليها وضبطها بعض الشيء او احتوائها.

في المحصلة… على كلّ الحكومات التي دعمت الإرهاب في السابق لا يكفي ان تكون استراليا وبريطانيا في التحالف الدولي لمكافحة «داعش»، بل عليهما سحب الامتيازات من المقيمين وهم بالآلاف بما يتناسب مع كونهم مشاريع ارهابية وليس قوة قابلة للاحتواء في استراليا وحصر مهامها في الداخل.

وتؤكد صحيفة «اندبندنت» بصورة صحيحة العلاقة بين الغزو الأميركي للعراق ونمو التطرف والإرهاب فتقول: «إنّ ظهور التنظيم جاء نتيجة للإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وما تبع ذلك من زعزعة لاستقرار الدولة بالكامل»، مضيفة: «يجب أن نقرّ بنصيبنا من المسؤولية عن ظهور داعش»، لكنها تصل إلى استنتاج خاطئ بوهم القدرة على تفادي المعركة مع الإرهاب داخل بلاد الغرب اذا جرى تركه بأمان خارجها»، فتقول: «القوات البرية البريطانية يجب ألا تشارك في الحرب ضدّ تنظيم داعش الذي يشكل تهديداً قاتلاً لكلّ آمال السلام»، وهذا يصبّ في محاولة تصوير الإرهاب نتيجة ستترتب بصورة أسوأ فيما لو انخرطت بريطانيا بالقتال.

ولم يقتصر الأمر على استراليا، فقد افادت وكالة «رويترز» ان 4 مسلحين احتجزوا رهائن في مدينة جانت في بلجيكا… ولا شك انّ هذه المجموعات قامت بأعمال إرهابية قبل أحداث ما سُمّيَ الربيع العربي الشهيرة، لا سيما ما قامت به في 11 أيلول في الولايات المتحدة، الا ان هؤلاء هم اليوم على مسافة أقرب لإنشاء دولتهم، ولذلك قد لا يكون الوقت لصالح اي من تلك الدول لمعرفة انه لا يمكن اتقاء شرّ هؤلاء.

ما يجري في استراليا وما نقل عن بلجيكا يقول الشيء نفسه وهو انّ الغرب الذي راهن على حصر المعركة على التطرف خارج بلاده بدا يتحوّل الى ساحة اشتباك.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى