جنون آل سعود يهدّد الاستقرار في العالم!

د. وفيق ابراهيم

يستشعر آل سعود منذ عقد على الأقلّ، خطراً داهماً على مملكتهم الذهبية، فيضربون في كلّ اتجاه من الشرق الأوسط غير مكترثين للنتائج. ولما جابهتهم قوى في المنطقة عرقلت مشاريعهم، استداروا إلى تحالفات هذه القوى على المستويين الإقليمي والدولي، مسدّدين لها ضربات اقتصادية شديدة الضرر والأثر، لكنّ أذاها لن يتوقف عند حدود الدول المستهدفة.

وباختصار شديد، أعلن آل سعود، الحرب على روسيا، مصرّين على إلغاء إيران، ومواصلين محاولاتهم الدؤوبة لتدمير سورية والعراق واليمن وتفجير الوضع اللبناني وأسر البحرين في قفص سعودي. وهم يستعملون لذلك أساليبهم التقليدية: دعم الإرهاب تمويلاً وتسليحاً وتدريباً مع حملات إعلامية تثير الفرقة المذهبية والطائفية والعرقية والقبلية، واضعين آلاف المساجد والمدارس الدينية على مستوى الشرق الأوسط في خدمة التحريض والدسّ ونشر الأكاذيب بمباركة من الإفتاء الوهابي وأجهزة الاستخبارات، متكّئين على تأثيرهم وعلاقاتهم بالعالم الغربي وخصوصاً الولايات المتحدة.

وإذا كان النظام السوري وحلفاؤه الإقليميون والدوليون قد تمكّنوا من استيعاب حركة التدمير السعودية، فإنّ هجومها الاقتصادي الجديد على روسيا وإيران في آن معاً، يُعتبر بموجب كلّ القراءات السياسية بمثابة إعلان حرب مكشوفة على دول وازنة لم تتمكن الولايات المتحدة الأميركية ومنظومة تحالفاتها من تركيعها. فهل تنجح الرياض في فعل ما عجز الغرب عنه مجتمعاً؟

لا بدّ أولاً من الإقرار بأنّ الهجوم الاقتصادي السعودي لا يقلّ شراسة عن الحروب العسكرية الكبيرة وهو يؤدّي عادة إلى النتائج نفسها. فإسقاط النظام السياسي اقتصادياً يوازي إسقاطه عسكرياً، لذلك رفعت موسكو صوتها واتهمت الرياض بالتآمر عليها، ومثلها فعلت إيران. فالبلدان يشعران بضرورة التوصل إلى حلول عاجلة لهذه الأزمة.

ولتوضيح ما اعتبره الروس تآمراً، فإنّ عناصر ثلاثة اجتمعت في وقت واحد: الركود الاقتصادي العالمي المتواصل، ودخول النفط والغاز الصخريّين دائرة الإنتاج الأميركي، وتسرّب كميات إضافية من النفط السعودي إلى الأسواق العالمية، ما أدّى إلى انهيار دراماتيكي في الأسعار يكاد يدرك الخمسين دولاراً للبرميل الواحد مع مطلع العام المقبل، مقابل نحو 110 دولارات قبل أقلّ من شهر ونصف الشهر، وهذا يهدّد أولاً الدول المعتمدة على بيع النفط بمعدلات تساوي أكثر من نصف موازناتها العامة، والدول المنتجة للنفط في شكل عام ولكن بمعدلات نسبية، ثانياً.

وقد رفضت الرياض الإذعان لمحاولات دول «أوبك» خفض الإنتاج للمحافظة على ثبات الأسعار، وهدّدت بزيادته إذا ما حاولت أي دولة خفض إنتاجها. وبما أنّ روسيا تعتمد على عوائد النفط والغاز بمعدل 50 في المئة من ناتجها القومي، وكذلك إيران بمعدل 60 في المئة، فإنهما على رأس قائمة المستهدفين.

ولا تخشى السعودية خسارة 300 مليار دولار سنوياً من عائدات نفطها المقدرة بـ10 ملايين برميل يومياً، لمجرد إلحاق الأذى بروسيا وإيران، فتبدو كمن يقطع يده لضرب الآخر.

والخبيث في الهجوم السعودي أنه يتضمّن عوْناً للاقتصاد الأميركي لا يتبيّنه الكثيرون. فإذا كانت كلفة إنتاج البرميل السعودي الواحد عشرين دولاراً، فإنّ كلفة برميل النفط الصخري الأميركي تبلغ أربعين دولاراً. ومع توقع وصول الأسعار إلى خمسين دولار، فإنّ الربح الأميركي في البرميل لن يزيد عن عشرة دولارات. وجدير بالذكر أنّ النفط والغاز الصخريين هما عنصران منتجان حديثاً في الاقتصاد الأميركي، ولم يتمّ إدراجهما بعد في إطار الخطط الاقتصادية الأميركية، لذلك فإنّ كلّ ما يأتي من هذين الموردين، هو دعم للموازنات الأميركية الخاسرة وليس عبئاً عليها.

أما خسائر روسيا وإيران المتوقعة من تراجع أسعار النفط، فهي من صميم موازناتها العامة وتؤثر على الإنفاق الرسمي بمستويات قياسية تهدّد الاستقرار الاجتماعي وبالتالي السياسي.

أما بالنسبة إلى الصين، فإنّ ما تستفيد منه بعد خفض أسعار النفط والغاز الذي تشتريه بكميات كبيرة ستدفعه في منافسات حامية مع قوى أوروبية ودولية قد تعاود تنشيط اقتصاداتها ومنافسة السلع الصينية، بالرخص والجودة في آن معاً، مستفيدة من انهيار أسعار النفط.

وبالاستنتاج، يتبيّن أنّ الاستقرار السياسي في روسيا وإيران مهدّد في شكل فعلي، فهل يقنع البلدان بهذا المصير؟

هناك من يعتقد أنّ توتراً كبيراً سيسود العلاقات الدولية على شاكلة تفجر أزمات في غير منطقة إقليمية ودولية وحروب اقتصادية ضخمة، ما يؤسّس لمشاريع حروب كبيرة إذا لم تعاود القوى الكبرى تنظيم التفاعلات الاقتصادية والسياسية ووقف الجنون السعودي الذي يحاول نقل المعركة إلى المستوى العسكري.

فها هي الرياض تعاود تجميع دول الخليج على قاعدة تجميد خلافاتها الداخلية، بذريعة وجود أخطار خارجية عليها. والمضحك أنّ وزير خارجية البحرين كشف عن اتفاق خليجي على بناء قوة عسكرية من مئة ألف جندي لمحاربة الإرهاب، إنما في إيران وعند حزب الله المصنّف إرهابياً في «منامة» آل خليفة.

ويستمرّ الجنون السعودي في أساليب جديدة: دعم الأقليات الإسلامية في روسيا، التي تمظهرت بعملية إرهابية جديدة في الشيشان المعروفة بعلاقاتها بالاستخبارات السعودية. ألا تستثير هذه الأعمال جنوناً روسياً مضادّاً؟ مُقبل الأيام ليس ببعيد.

أما آخر الفنون السعودية، فهو ما جرى الأسبوع المنصرم في مؤتمر مشترك بين «الناتو» ومجلس التعاون الخليجي، حيث تعهّد الحلف الأطلسي بأمن مسارات الطاقة من الإنتاج إلى الاستهلاك ومكافحة الإرهاب. أي إرهاب؟ وتشكيل جبهة موحدة لحماية المصالح المشتركة.

أما الأكثر غرابة فهو تعهّد «الناتو» بأن يوفر للخليج حماية جوية من التحالف الدولي، وهذا يميط اللثام عن أنّ «الناتو» والتحالف الدولي وجهان لعملة أميركية واحدة. ويعكس هذا المؤتمر أيضاً رغبة أميركية في توسيع معاهدة «كوينسي» التي تمّ توقيعها عام 1945 بين الرئيس الأميركي روزفلت والعاهل السعودي عبد العزيز وتعهّدت أميركا بموجبها بحماية السعودية مقابل تدفق النفط.

لذلك يبدو المؤتمر الخليجي المشترك مع «الناتو» توسعة لمعاهدة «كوينسي» في شكل تشمل الخليج بأسره بل العالم بكامله. أليس هذا هو الجنون بعينه؟

ومع عودة الإعلام السعودي والخليجي في الداخل والخارج إلى تصعيد عمليات بثّ الفتنة المذهبية في العراق وسورية ولبنان، يبدي المراقبون تخوّفاً مضاعفاً على مصير المنطقة الواقعة حالياً بين نير الإرهاب التكفيري ومطامع «الأمبراطورية المتوكلية الأميركية» ونهم «السلطان» التركي واللعاب الأوروبي المتدفق. فكيف سيكون الردّ الروسي ـ الإيراني؟

تحاول موسكو بناء علاقات متوازنة مع دول المنطقة على قاعدة تأمين الاستقرار وبناء توازنات رادعة من شأنها تقليل فرص اندلاع حروب كبيرة، فالدول الكبرى لا تمتلك عقلاً بدوياً ثأرياً، ولا بدّ أنها ذاهبة في خاتمة الجنون إلى حلول براغماتية تعيد تنظيم العالم على أساس التوازنات الجديدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى