النازحون السوريون إلى قضاء بنت جبيل الوضع مضبوط أمنياً واجتماعياً بما توافر من إمكانيات
ابراهيم حمزة
أكثر من خمسين أسرة سورية نازحة تصل شهرياً إلى قرى قضاء بنت جبيل، فتُستأجَر المنازل ليصار بعدها إلى تسجيل تلك الأسَر في دوائر «الأونروا» في منطقة الحوش ـ قضاء صور، لتتسلم بعد ذلك بطاقات الإغاثة التي بوساطتها يستطيع أفرادها الحصول على المساعدات المالية والعينيّة.
وبحسب إحصاءات دائرة الشؤون الاجتماعية في مدينة بنت جبيل، زاد العدد عن ستة آلاف عائلة، لكن إحصاءات البلديات في القضاء تختلف، إذ تبيّن بعد حصولنا من تلك البلديات على أعداد النازحين فيها، أنّ عدد الأسَر السورية النازحة يقارب الألفين فقط، وعدد الشبان يقارب أربعة آلاف شاب، هذا التباين في الأعداد بين دائرة الشؤون الاجتماعية والبلديات، تقول دوائر القائمقامية، إنّه يعود إلى أنّ إحصاءات البلدية تعود إلى حوالى ثمانية أشهر، وهذه البلديات هي التي تزود القائمقام بالأعداد والمعلومات، أما دائرة الشؤون الاجتماعية فإنها تتعاطى مباشرة مع هذا الموضوع، فلذلك تبقى الإحصاءات لديها حيّة ومستمرة.
أما في ما يتعلق ببعض الإجراءات الأمنية مثل منع خروج السوريين من أماكن سكنهم بعد الساعة السابعة ليلاً، فيعود إلى البلديات المعنية بالأمر.
الأمن مستتب على مستوى النازحين، وليس هناك أيّ مشاكل تذكر، سوى بعض الحوادث الفردية والتي تحصل بشكل طبيعي. وقد يكون سبب هذا النزوح السوري إلى قضاء بنت جبيل، الأوضاع الأمنية المستقرة مبدئياً في القضاء خصوصاً والجنوب عموماً، وتوفر العمل في قطاعي البناء والزراعة.
بدلات الإيجار
أدّى هذا الإقبال الكثيف على المنطقة من قبل النازحين إلى ارتفاع بدلات الإيجار بشكل جنوني وفي فترات قصيرة ومتلاحقة، إذ ارتفع بدل إيجار الشقة من مئة دولار إلى حوالى ثلاثمئة دولار شهرياً، وأجرة الغرفة الواحدة إلى حوالى 200 دولار شهرياً، وهذا ما دفع بالجمعية النروجية «NRC» إلى تعهد المنازل التي هي قيد الإنشاء واستكمال مستلزماتها من الداخل كالأبواب والنوافذ والتجهيزات الصحية والكهربائية لتصبح جاهزة مبدئياً للسكن. فتقيم فيها عائلة سورية لمدة سنة واحدة، واستفادت من هذا الإجراء عائلات جنوبية كثيرة، وكذلك عائلات سورية، وهذا الإجراء ما زال مستمرّاً.
كذلك عمد حزب الله في بعض الفترات إلى تقديم بدلات سكن نقدية لبعض هؤلاء النازحين.
البنى التحتية
وأثّر النزوح السوري أيضاً على البنى التحتية في قطاعَيْ الكهرباء والمياه، إذ ازداد الطلب على هاتين الحاجتين، ما سبّب ضغطاً متزايداً على الشبكات القديمة، وهذا أدّى إلى رواج بيع المياه بوساطة الصهاريج حتى لأبناء المنطقة الذين يعانون أصلاً من شحّ في مياه الشرب والاستعمال. أما بالنسبة إلى الكهرباء، فراجت أيضاً حركة المولّدات التجارية والاشتراكات. أما على الصعيد الغذائي فأدّى هذا النزوح إلى ارتفاع أسعار بعض السلع، خصوصاً الباذنجان والجوز والفليفلة والزيت، أي مستلزمات أكلة «المكدوس» التي لا يتخلى عنها السوريون حتى في أماكن نزوحهم.
جولة ميدانية
وفي جولة للوكالة الوطنية للإعلام على بعض أماكن سكن النازحين السوريين، وجدنا أن كثراً منهم يشكون صعوبة تأمين بدلات السكن والاحتياجات الأخرى من مأكل ومشرب وملبس، خصوصاً أنّ الأزمة طالت ولا أفق لحلها، على رغم بعض المساعدات التي تصلهم عبر «الأونروا» والجمعيات الدولية والمحلية، وأن أوضاعهم في فصل الشتاء تصبح أكثر صعوبة وإيلاماً.
ويقول «رشيد ع» الذي يعيش مع زوجته ووالده وأخواته وستة من أبنائه في وحدة سكنية استأجرها بمئتين وخمسين دولاراً، إنه كثيراً ما يعجز عن دفع بدل الإيجار، وأنّه اضطر لشراء برّاد وغسالة مستعملين، وأنّ لديهم نقصاً في الفرش والأغطية على رغم ما وزعته عليهم وكالة «الأونروا» لغوث اللاجئين.
ويقول نازح آخر يعيش مع أولاده السبعة وزوجته في غرفة واحدة، إنه اضطر للسكن في الغرفة لعدم قدرته على استئجار شقة، وليس في بيته سوى أبسط لوازم السكن.
وهناك بعض العائلات التي استحدثت «براكيات» في أماكن عملها على معامل أحجار الباطون وغيرها من الورش، وسكنوا فيها مع عائلاتهم. ويعمل الكثير من هؤلاء النازحين في قطاع البناء والأعمال الأخرى ومنها قطاف الزيتون وبعض النسوة يعملن في تنظيف البيوت.
على الصعيد التربوي
أما بالنسبة إلى المدارس، فهناك من سجّل أبناءه في المدارس الرسمية وبشكل طبيعيّ، وآخرون لا يستطيعون تسجيل أبنائهم، إما لقناعة منهم، أو لأسباب مادية. وهناك من سجّل أولاده في المدارس الخاصة.
وتقول رئيسة قسم الخدمات الإجتماعية في دائرة الشؤون الاجتماعية في مدينة بنت جبيل ندى بزّي، إنّ مكاتب الوزارة تقوم بدور الوسيط بين الجهات المانحة والجمعيات التي تعمل على الأرض، وتوزّع المساعدات بنفسها، مثل جمعية «شيلد» و«الأونروا» التي يتواجد مندوبوها في مركز الشؤون في بنت جبيل يومياً تقريباً. أما دور مركز الشؤون فتنسيقي، وينظّم ببعض الدورات التدريبية للنازحين، ودورة تدريب على الإسعافات الأولية، وذلك بالتنسيق مع الهيئة الطبية الدولية لتدريب الجمعيات ومراكز الشؤون الاجتماعية التي تعمل على موضوع النازحين. وكُلّفت شركة «غلوب ميد» للتأمين لتتعاقد مع مستشفيات في القضاء، إذ تعاقدت مع مستشفى صلاح غندور الخاص ومستشفى تبنين الحكومي، ووقّعت الهيئة الطبية الدولية اتفاقية تفاهم مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وهي تغطي 85 في المئة من الخدمات الطبية في المركز، ويُساعَد ما بين 1200 و1400 مريض شهرياً من سوريين ولبنانيين، 90 في المئة منهم سوريون . وهناك شركة «NRC» وهي استشارية قانونية لحلّ المشاكل التي تتعلق بإقامات النازحين والولادات الحديثة التي تحصل في لبنان من قبل السوريين. وهناك الصليب الأحمر اللبناني الذي يقدّم مساعدات طبية وعينية من وقت إلى آخر.
وتابعت: «لقد أجرينا أيضاً دورات تثقيفية تستفيد منها حوالى ثمانمئة سيدة سورية بالتعاون مع الهيئة الدولية UNFPA ، أي صندوق الأمم المتحدة للسكان. وأيضاً بالتعاون مع جمعية شيلد. وننظم في المركز دورات تدريب مهني للسيدات السوريات خياطة وأشغال حرفية ليستفدن منها لدى عودتهن إلى بلادهن. كما نقوم بإجراء دورات تقوية في المواد التعليمية للأولاد كي يواكبوا التحصيل العلمي. وأقمنا عيادة للصحة النفسية يستفيد منها الأطفال الذين يعانون الخوف والتبوّل اللاإرادي. وفي اليوم العالمي لغسل اليدين، وزّعنا الصابون على الجميع».
وقال: «هذه في الإجمال النشاطات التي نقوم بها في مجال المساعدات لاستيعاب النزوح السوري في مناطقنا. إضافة إلى توزيع الحصص التموينية هنا في المركز، إذ إن أصحاب العلاقة يتلقون رسائل نصية على هواتفهم من دوائر الأونروا عندما يحين موعد استلامهم الحصص التموينية، وهذه الإجراءات هي تنظيمية بحت كي لا يحصل التزاحم».
وبالفعل، من خلال الاطّلاع على أوضاع النازحين السوريين في الجنوب عموماً، وفي منطقة بنت جبيل خصوصاً، نجد أنهم أفضل حال من غيرهم في بعض المناطق، خصوصاً لناحية الوضعين الأمني والسكني. ولكن يبقى السؤال: إلى متى سيستمرّ تدفق النازحين؟