يازجي: لا أقليات ولا أكثريات في سورية بل سوريون يوحّدهم التاريخ والجغرافيا واللغة
أكد بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي أن ليس هنالك أقليات ولا أكثريات في سورية، بل يوجد سوريون وحّدهم ويوحّدهم التاريخ والجغرافية واللغة.
وفي كلمة ألقاها خلال مؤتمر «التفكير لا التكفير» في جامع العثمان في دمشق، قال يازجي: «جاء في الإنجيل المقدس: «تعرفون الحق والحق يحرركم» يو 8: 32 .
أن ترى المفتي يتكلم من تحت قبة الكنيسة، وأن ترى البطريرك يتكلم من تحت محراب الجامع، فاعرف أنك في سورية. تلك هي قصة هذا البلد. تلك هي سورية التي عرفناها ونعرفها وسنعرفها.
أن ترى نفسك في بلدٍ أبى إلا أن يقدم من بين أطيافه إلى مؤتمر القمة الإسلامية بطريرك أنطاكية ليشهد للقدس ولكرامتها مسيحياً وإسلامياً فاعلم أنك في سورية. أن ترى دمشقها وحمصها وكلّ بقعة فيها تمجِّد خالقها على اختلاف الدين وباتفاق القلب، فاعلم أنك في قلبها وفي قلب تاريخها وفي كنه شامها وأنها مشحتك بثقافتها التي هي ثقافة التلاقي لا بل اللقيا. أن ترى المسيحيين يعيشون إلى جانب إخوة لهم من المسلمين، رغم مدّ وجزر التاريخ، فاعلم أنك على أرض الشام وعلى تراب أنطاكيّتها».
وأضاف: «في سورية يا أحبة، ليس هنالك أقليات ولا أكثريات. في سورية يوجد سوريون، وحّدهم ويوحدهم التاريخ والجغرافية واللغة. وهم اليوم يتجهون بصلاة واحدة إلى الرب الخالق أن يمنَّ عليهم بالسلام. نجتمع اليوم لنطلق ومضة حقّ تبين المعنى الوجودي للدين الذي هو نافذة يطلّ بها الإنسان من على هذي الأرض لما وراء المنظور. هو أكبر من مجرد ممارسة وأكثر من طقوس. فيه الممارسة وفيه الطقوس وفيه الحرية وفيه المعقول. الدين لا يضادّ العقل ولا يُستعبد له في آن معاً. الدين عجينة مسلكية يقدمها الإنسان في نهاية حياته أمام منبر الديّان العادل الذي سيسائِله بادئ ذي بدء عن مسيرة حياته وعن سعيه فيها ليسير على شريعة صوت الضمير، على شريعة البذرة الإلهية التي شتلها الخالق في كلّ خلائقه على اختلاف انتماءتهم ومذاهبهم. «أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. إنّ ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» النحل 125 .
وتابع يازجي: «نجتمع اليوم لنعلي صوت حقّ. وصوت الحقّ هذا لا تدعمه النظريات والتمنيات بقدر ما تشبكه حقائق التاريخ وتدمغه مآثر ومفاصل تاريخ وثقافة هذا البلد. هذا البلد يا إخوتي عرف ويعرف الأخوة المسيحية الإسلامية رغم كلّ صواعد ونوازل التاريخ. يعرفها بلغة، نسميها، مسيحياً، لغة تجسديّة، ملموسة، محسوسة، واقعية، وهي أبعد ما تكون عن التمني التنظيري لأنّ شواهد التاريخ البعيد والقريب حاضرة أمامنا وأمامكم. اسألوا دمشق عن أوابدها فتنطق بالأموي وبالمريمية. اسألوها عن شهدائها فتخبر بالزهراوي وسلوم. وغيرهم الكثير. فلنسأل حلب عن أوابدها ولنرَ إن أغفلت كنيسة سمعان العمودي وجامع حلب الكبير. فلنسأل الجولان وحرمونه عن شهدائه ولنسمعه مجيباً: سوريون وفقط سوريون».
وأكد «أنّ الأزمة في سورية ليس لها أن تتجلبب برقع الدين. هي في وجه من وجوهها أزمة المراوحة بين صوت العقل والتعقل والاعتدال وصوت التطرف والانغلاق والإرهاب». وقال: «فلنتذكر كيف كانت سورية قبل أربع سنوات ولنحكم بقوة وبحقّ على ما جرى ويجري. سورية بَراءٌ من موجة الإرهاب والتكفير التي تجري على أرضها. قلتها في أميركا وأقولها الآن، كلّ العالم يتحدث اليوم وقد استفاق على حين غرة، عن إرهاب في سورية لكنّ العالم كله صامت أمام سؤال آخر: ما هي مصادر هذا الإرهاب ومن هم مموِّلوه. هذا الإرهاب، الذي قد يعمي البصيرة عند البعض ويقلب المفاهيم ويبدِّل الحروف من التفكير إلى التكفير، ويعود بالسوء عَلى الإنسانية جمعاء. سألونا في أميركا، من أبنائنا ومن غيرهم، ويسألوننا في كلّ مكان: ما مصير المسيحيين وهل هم باقون في أرضهم؟ وجوابنا لهم كان وسيكون دوماً: نحن لا نعرف منطقاً فئوياً ولا نعرف في الوقت نفسه ذوبان هويتنا الدينية. نحن في مركب واحد مع كلّ مكونات وأطياف هذا المشرق وهذا البلد. ومن يريد لنا الخير فليسعَ قولاً وفعلاً ألا يغرق هذا المركب. وهو لن يغرق بقوة الله وبهمَّة الطيبين».
وختم يازجي: «أقول هذه الكلمات وفي مخيلتي تلتمع ذكرى شخصين وهما فارس الخوري، رئيس حكومة سورية وغريغوريوس حداد البطريرك الأنطاكي. ولعلّ مواقفهما تختصر لسان حالنا ولسان كلّ سوري. قيل لفارس الخوري أنّ الغرب هنا لحمايتكم أنتم المسيحيين. فما كان منه إلا أن قال ومن الجامع الأموي في دمشق: إذا كان الغرب يتحجَّج بحماية المسيحيين ليكون هنا، فأنا أطلبها منكم إخوتي المسلمين. وقيل لغريغوريوس حداد يوم أتت لجنة تقصّي الحقائق سنة 1919 لتستبين موقف السوريين في تقرير مصيرهم: أي انتداب تريد، أتريده إنكليزياً أم فرنسياً؟ فكان جوابه الشهير وهو لسان حالنا: لا هذا ولا ذاك، بل وطنياً. فنحن ننتدب أبناء الوطن لرعايته».