قانون أميركي جديد يضمن تفوق «إسرائيل»
محمد شريف الجيوسي
وقع الرئيس الأميركي باراك أوباما، بحسب المصادر الأميركية، قانوناً يضمن «تفوقاً عسكرياً نوعياً لـ «إسرائيل» على مجمل جيرانها في منطقة الشرق الأوسط، ولتعزيز التعاون بين واشنطن و«إسرائيل». ونص القانون الأميركي على أن «إسرائيل» شريكة استراتيجية رئيسة للولايات المتحدة. وينص القانون أيضاً على تعزيز التعاون في مجالات تطوير أنظمة الصواريخ الدفاعية والأمن الداخلي وأمن الحواسيب والطاقة والمياه. وسترتفع واشنطن بموجب القانون الذخائر الأميركية المخزّنة في «إسرائيل» لأوقات الطوارئ إلى 1.800 مليار دولار.
وقالت القناة «الإسرائيلية» العاشرة إن القانون الذي وقعه الرئيس الأميركي يعزز الشراكة مع «إسرائيل» في مختلف المجالات الحياتية وحماية أمنها وضمان مستقبلها الذي أقره الكونغرس قبل أسابيع.
وبحسب القناة ذاتها فإنه بتوقيع أوباما على القانون يكون الرئيس الأميركي الأكثر دعماً لـ»إسرائيل»، حيث يعني توقيع القانون الجديد، إقرار شراكة استراتيجية بين «إسرائيل» والولايات المتحدة لم تشهدها العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية»، على رغم أنهما حليفان منذ قيام «إسرائيل».
وقالت مصادر البيت الأبيض إن توقيع القانون «إعلان التزامات غير قابلة للتصرف بأمن «إسرائيل» ومستقبلها» مشيرة إلى أنه إلى جانب توفير ذلك، فإن على واشنطن «اتخاذ مبادرات لتحقيق الحلول الدبلوماسية في الشرق الأوسط».
مصادر الكونغرس الأميركي عبرت عن مخاوف لدى حلفاء وداعمي «إسرائيل» لذلك تقررت مناقشة حلول دبلوماسية لمساعدتها بوضع مبادئ لوزير الخارجية الأميركية تحدد «مبادرات دبلوماسية» لتحقيق حلول طويلة لخدمة مصالح «إسرائيل» شرق الأوسطية.
ونقلت مصادر عبرية عن مسؤولين «إسرائيليين» في ديوان رئيس الوزراء الصهيوني، مفاجأتهم من قرار أوباما توقيع القانون، مشيرين إلى أن العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية» في عهد نتنياهو شهدت أزمات عدة، إلا أن أوباما أراد تأكيد أن الخلافات بشأن الاستيطان والحرب على غزة مع نتنياهو، لن تخرب عمق العلاقات «الإسرائيلية» الأميركية.
ونقلت شبكة abc عن أوباما قوله إن التشريع الجديد سيقوي البرامج الدفاعية والأمنية الحيوية والتأسيس لتجارة والتعاون المتنامي بين واشنطن و«إسرائيل»، وإن إدارته ستفسر مواد معينة في القانون الجديد على نحوٍ لا يتعارض مع سلطاته الدستورية لتصريف العمل الدبلوماسي. بما في ذلك إضافة 200 مليون دولار إلى قيمة أسلحة الطوارئ الأميركية المخزنة في «إسرائيل» لتصبح 1.8 مليار دولار في مجملها، وكذلك تعزيز العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية» في مجالات الطاقة والمياه والأمن الوطني وتقنية الوقود البديل وأمن المعلوماتية، ويضمن القانون الجديد لـ»إسرائيل» فعلياً تفوقاً عسكرياً نوعياً على جيرانها.
ويفهم من ذلك، أن واشنطن تريد استباق متغيرات موضوعية إقليمية ودولية، لا يبدو أن «إسرائيل» باتت قادرة على مواجهتها لمجرد تنويه أميركا وأتباعها الأوروبيين وغيرهم بانحيازهم لها، بعد هزائمها تجاه المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وإرهاصات انتفاضة فلسطينية ثالثة، وتحولات لمصلحة الشعب والقضية الفلسطينية دولياً من أميركا اللاتينية حتى أوروبا الغربية، وتصويت الجمعية العامة الأخير مؤشر على عزلة «إسرائيل» المتزايدة ومعها شريكتها وداعمتها الرئيسة واشنطن.
ولا بد أن واشنطن تفهم جيداً، معنى ومغزى صمود سورية على مدى 4 سنوات من الحرب الدولية عليها، وتراخي قبضة المحاربين والمشاركين في الحرب والداعمين لها ضد سورية، ومن هنا كانت واشنطن معنية بذريعة «داعش» ومحاربة الإرهاب الذي صنعته، إلى شدشدة براغي التحالف الدولي ضد سورية، وإقامة تحالف معلن جديد بمسمى مختلف، للإبقاء على جذوة ومساحة الحرب في سورية بل ومدها باتجاه العراق، ما يتيح أمداً جديداً للحرب وتوسيع قاعدة أطرافه وخلط أوراقه، فلا يكون متاحاً شن حرب على «إسرائيل» في المدى المنظور، وهي الحرب التي تعلم واشنطن جيداً، أنها ستكون هذه المرة مختلفة تماماً.
وتريد واشنطن بـ «إعلان التزامات غير قابلة للتصرف» أن لا تكون تل أبيب مجرد راس جسر للحرب أو رأس حربة وإشغال للمنطقة العربية عن تطورها فحسب، بل وضد حلفاء سورية كإيران والصين وروسيا وربما دول البريكس، وبهذا قد يكون أيضاً مدّ الجسور المقطوعة تجاه كوبا، وسيلة لتفكيك أميركا اللاتينية والوسطى المتحالفة ضد الإمبريالية الأميركية.
ويعزز هذا الفهم أن واشنطن تنظر إلى مختلف قضايا الصراع كوحدة واحدة إذ أعلنت ضرورة محاربة ما تسميه الإرهاب، ليس فقط في سورية والعراق، وإنما أيضاً في ليبيا وسيناء واليمن والصومال والنيجر وكينيا، وفق أوباما، وقد تكون هناك أهداف أخرى غير معلنة لا بد أنها تشمل جبهة غرب الصين ومنطقة الشيشان في روسيا واستمرار تأزيم جبهة أوكرانيا، فضلاً حرب النفط الآخذة بالاتساع، ما يستدعي من وجهة أميركية تسكين مناطق أخرى قد تكون كوبا المقدمة، ومحاولات تحييد إيران عبثاً، لاستكمال الطوق حول روسيا، والاقتراب أكثر من الصين، للتفرغ في المناطق الأكثر سخونة من وجهة أميركا.
الأمر الثاني الذي يعلمه البيت الأبيض أن روسيا وإيران وبقدر معين الصين وغيرها، لن تسمح أبداً بسقوط الدولة الوطنية السورية بأية حال، ويعزز هذا التصميم قدرات سورية المذهلة على الصمود والتفاف معظم شعبها مع نظامها وقيادتها، وطبيعة النظام السياسي السوري والتركيبة الديمغرافية والحضارية التاريخية للشعب السوري وموقعها الاستراتيجي.
وانطلاقاً من كل ما سبق، فالقانون الأميركي الجديد يعني أن «إسرائيل» لم تعد مجرد حليف استراتيجي للولايات المتحدة فحسب، ولا حتى مجرد الولاية الـ 51، إنها الأرض الأميركية الأولى بالرعاية حتى من العاصمة واشنطن أو من أية ولاية أميركية أخرى، فمن الكيان الصهيوني ستشن الحروب بأشكالها العديدة بما في ذلك الحروب العسكرية الاستباقية والاقتصادية والتفتيتية والدبلوماسية، بعد أن فشل مشروعها الشرق الأوسط الجديد والكبير عن التحقق، وما شهدت المنطقة من ارتدادات عليه.
فالحرب الأميركية إذن، هي الحرب الرئيسة المقبلة على كل من تعتبره واشنطن عدواً لها، والآخرين أوروبيين وصهاينة وسلاجقة وخليجيين وغيرهم من اتباع ومريدين، هم أدنى من أن تكون لهم أدوار حقيقية، سيفعلون فقط ما يؤمرون به وليس غير ذلك، وعليه حتى الكيان الصهيوني لن يكون إلا مجرد نادل صغير في اللعبة الأميركية الكبيرة التي ستكون اللعبة الأخيرة لواشنطن، تتوج فيها خاتمة بائسة لإمبراطورية أشد بؤساً، لم تجرّ على العالم غير الحروب والكراهية ورعاية الأنظمة الأكثر تخلفاً وأقل ديمقراطية وسرقة الشعوب والأمم والدول خيرانها ومقدراتها، والعيش طفيلية على الآخرين بجبروتها وانتشار قواعدها العسكرية على امتداد الكرة الأرضية، ومشوهة معاني حضارات الأمم وزارعة للفتن بأنواعها العديدة الطائفية والمذهبية والإثنية، ومششتة المجتمعات الإنسانية بمعاني حرية المرأة والطفل والديمقراطية وحقوق الإنسان الزائفة وتلويث الجمال والفن والأدب بمبتكرات القتل والشذود وأفلام الأكشن واللامعقول وما اقترب من كل ذلك.
بكلمات، قانون أميركا الجديد لا يستهدف تحقيق أمن أفضل للكيان الصهيوني بقدر ما يقصد منه إقامة استراتيجية عدوانية جديدة على اتساع الكرة الأرضية، تستهدف إضافة للمنطقة العربية وإيران روسيا والصين ودول البريكس وأميركا اللاتينية وكل من لا يتساوق مع رغائب أميركا العدوانية في العالم، وفي طريق ذلك كله، فإن حلم إقامة الدولة الفلسطينية سيكون غير وارد في المدى المنظور، فما سيتحقق الآن وقريباً أسوأ من ذلك بكثير، أما في المديين المتوسط والبعيد فالنتائج أفضل من الواقع الراهن بكثير.