حوار حزب الله ـ «المستقبل»: تظهير الممكن وإرجاء المُتعذر الرئاسي
د.وفيق ابراهيم
تتسارع التحضيرات للبدء بالحوار المرتقب بين حزب الله وحزب المستقبل، وسط انسداد كامل بين القوى الأساسية في الإقليم وتفاقم الاشتباك الأميركي ـ الروسي، فيبدو مشروع الحوار خفيفاً غير واقف على قدمين راسختين، ومتفلتاً من التأثير السعودي ـ الإيراني، أو الروسي ـ الأميركي ـ الأوروبي.
فهل هذا صحيح؟ بالطبع لا… فلم يسبق لقوة لبنانية أن أقدمت على خطوة سياسية أساسية بمعزل عن ارتباطاتها في المنطقة، وهذا واضح منذ استقلال البلاد في العام 1943. فماذا يجري إذاً؟
المرجَّح أنّ مراكز التأثير الإقليمية والدولية شعرت أنّ الأوضاع في لبنان لم تعد تحتمل شدّة الضغط الناتجة من تسلل القوى الإرهابية إليه من خلال الاحتقان السنّي ـ الشيعي، بدليل أنّ لـ«داعش» قواعد في أكثر من منطقة لبنانية وهو يتجه إلى السيطرة على القلمون وعرسال، ليمدّ نفوذه إلى الشمال ومخيمات النازحين السوريين والفلسطينيين وبعض أنحاء البقاع الغربي وبيروت وصيدا.
وللنصرة أيضاً قواعدها في الأمكنة نفسها، وكذلك ما يسمى «الجيش الحر» و«عصبة الأنصار» و«فتح الإسلام» وبعض فلول «القاعدة».
لذلك استغلت هذه القوى تراخي حزب المستقبل المقرَّب من السعودية في رعاية بيئته وانكفائه السياسي والتمويلي، مع اشتراك قسم من قيادييه في رعاية الإرهاب على المستوى التمويلي والتسليحي والتدريبي، الأمر الذي أضعف الحضور السياسي لـ«المستقبل» معزّزاً نفوذ الجناح التكفيري الذي كان سابقاً مختبئاً تحت عباءته، وهو يكشف الآن عن استعداد مريب لقيادة المرحلة مستغلاً استمرار الإعلام السعودي في ضخّ أكبر كمية ممكنة من الشحن المذهبي. وبالتعاون مع الإعلام الخليجي والعربي لمجمل المذكور، أصبحت هيئة علماء المسلمين المقرَّبة من القاعدة، صاحبة النفوذ الأكثر عمقاً من اعتدال دار الفتوى، فتحول مفتو المناطق إلى أدوات لتغطية الإرهاب السوري في لبنان بذرائع غير مقنعة، للتعمية عن حركة نقل الأشخاص المتهمين بين البلدين، وهذا ما شجع «داعش» و«النصرة» و«الجيش الحر» على مهاجمة الجيش اللبناني وقرى الجرود الشرقية لبعلبك وقتل عناصره مع تهديد كامل لمناطق شمالي البقاع. وهذا بالتحديد، ما جعل أوكار الإرهاب في المخيمات لا تتردّد في الإعلان عن نفسها جهراً، من دون وجل ولا خجل، فأعلام «داعش» و«النصرة» تخفق في صيدا وصبرا ومضارب عرب خلدة وعين الحلوة وفي أنحاء أخرى.
في المقابل، تمكن حزب الله وحلفاؤه في الأحزاب الوطنية والقومية من ضبط ردود فعل شارعهم التي كان يمكن أن تدفع الأمور نحو حرب داخلية مخيفة.
وبما أنّ القدرة على الضبط بدأت تصبح غير منطقية، استشعر حزب الله و«المستقبل»، بحاجة واحدهما إلى الآخر، وأحسّت القوى الإقليمية والدولية أنّ لبنان بلغ شأواً خطيراً يصبح مستحيلاً علاجه في حال انفجار الأوضاع، وذلك لتشابك التناقضات والقوى المستفيدة. فالقوى الكبرى مشتبكة في معظم أنحاء الإقليم لا سيما في اليمن، حيث الوضع متفجر بين الحوثيين والقاعدة، وفي البحرين وشرقي السعودية والعراق وسورية وأوكرانيا.
فهل تحتاج هذه القوى إلى تفجير الأوضاع في لبنان كعنصر إضافي لتبادل الضغوطات؟
إنّ اندلاع حرب أهلية في لبنان يورّط عشرات القوى المحلية والعربية والإقليمية في مسالكه، بينما تنهمك تلك القوى في مسائل أكثر تعقيداً. لذلك يحتاج «المستقبل»، في سبيل العودة إلى قواعده، إلى تأييد حزب الله وهذا أمرٌ غريب. ويحتاج حزب الله، لحصر قتاله في سورية والتركيز على مجابهة «إسرائيل»، إلى تأييد «المستقبل» وهذا وضع غريب بدوره.
إنّ حزب الله المعادي للتكفيريين يؤثر عودة «المستقبل» التقليدي إلى الشارع السني، ولا يستطيع الأخير العودة إلى النفوذ القديم من دون اقتسامه مع حزب الله.
هناك إذاً حاجة متبادلة بين الدولي والإقليمي والمحلي، فرضت ضرورة هذا اللقاء المنتظر الذي يعكف معدّوه على وضع اللمسات الأخيرة على جلساته.
بعد تبيان أهمية هذا اللقاء، يسأل المتابعون عن برنامج عمله، بادئين بانتخابات رئاسة الجمهورية ومنتقلين إلى تقاسم النفوذ في السلطة السياسية.
إنّ مسألة انتخاب رئيس جديد للبنان ليست في يد القوى المحلية، وهذه الأخيرة لا تملك إلا حقّ تظهير الاتفاقات الإقليمية والدولية. هكذا كان يحدث في الانتخابات الماضية وهذا ما سيحدث في الانتخابات الحالية، وبما أنها مرتبطة بملفات الإقليم فهذا يعني أنها مرجأة حتى إشعار آخر.
أما برنامج عمل الحوار فقد يقتصر على العمل من أجل تبريد الاحتقان السني ـ الشيعي وهذا يتطلب تسهيل عودة «المستقبل» إلى مناطقه بدعم خفي من حزب الله، أي إتاحة الفرصة للرئيس سعد الحريري بقيادة حزبه لاستعادة المناطق من «داعش» و«النصرة»، وهذا يفترض دوراً كبيراً لـ«المستقبل» في المؤسسات الرسمية.
أما مشاركة الحزب في سورية، فليست على جدول الأعمال، وقد تبقى مادة خلافية لتمكين «المستقبل» من «استعادة» جمهوره.
إنّ انتخاب رئيس جديد للبنان، مُرجأ إلى مرحلة صفو المناخ الإقليمي في وقت تتأسس محاور مناقضة، يخشى المراقبون أن لا ينفع الحوار اللبناني في لجم مفاعيلها.
وفي انتظار تحسُّن الأوضاع، ليس على اللبنانيين إلا ممارسة لعبة الانتظار.