بدائل الطاقة ضمن الأردن / ١
المهندس أيمن الرمحي
تشكّل الطاقة تحدّياً كبيراً للأردن، بسبب افتقاره إلى مصادر محلية للطاقة التقليدية الأحفورية ، وحصوله عليها عبر الاستيراد أساساً، إذ يستورد 97 في المئة من احتياجاته من الطاقة وبما يوازي 21 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و 84 في المئة من مجمل صادراته بحسب معطيات العام 2012.
وحيث أنّ الطاقة بجميع أشكالها تُعدّ عنصراً مهماً لجميع النشاطات الاقتصادية ولا يمكن الاستغناء عنها، ولأنّ استمرار توفرها وبأسعار مناسبة أمرٌ مهمّ للمواطنين بفئاتهم كافة، فإنّ استمرار اعتماد الأردن وبشكل شبه كلي على استيراد الطاقة بكلفة عالية، أصبح يهدّد الاقتصاد الوطني، الأمر الذي أثر في المالية العامة للدولة، ورفعَ الدَّين العام إلى مستويات غير عادية، مثلما أثر في مستوى معيشة المواطن، وهو ما يتطلب العمل على زيادة مساهمة المصادر المحلية في الخليط الكلي للطاقة. إنّ الزيادة في الطلب على الطاقة أمرٌ حتميّ، ويجب تلبيتها وتوفير الطاقة بأسعار مناسبة، والعمل بالتوازي على إقرار خطط لترشيد استخدامها. تقرير ائتلاف المبادرة النيابية – شباط 2014 .
ولفهم حقيقي وأوسع لموضوع مشكلة الطاقة في البلد، لا بدّ من فهم حقيقة تسيير السياسات كافة وتشريعها بناءً على مصالح منظومة الإمبريالية وطبقة الكمبرادور والمصالح التي تؤدي إلى هدر الطاقات وتحول دون حصول تنمية حقيقية وإبعاد المتخصِّصيين الوطنيين عن مواقع القرار والتطوير، مقابل إحلال أزلام المنتفعين ومنفذي سياسة هذا الكمبرادور ومن ورائها سياسة منظومة الإمبريالية برمتها.
حدث ذلك في خصخصة قطاع الكهرباء والفوسفات والبوتاس والاتصالات والغاز وصفقة بيع ميناء العقبة، ومحاولات السطو على أغنى صندوق سيادي وهو صندوق مؤسسة الضمان الاجتماعي، وسياسات تخريب الزراعة والثروة الحيوانية، وقضية الكازينو، وشركة موارد، وبيع أراضي الدولة، فكلّ عملية خصخصة تبيّن أنها ملف فساد، وتكشفت جميعها عن عقود نهب وإذعان لصالح الشركاء، ووكلائهم المحليين من النخبة.
ويلخص د. ابراهيم علوش في مقالة له بعنوان «الحراك الشعبي العربي أردنياً» بتاريخ 10-02-2011، الظروف الموضوعية للحراك الشعبي في الأردن بعدة أسباب منها: إفقار الشعب بالترابط مع استشراء الفساد وتمتعه بالحماية السياسية على أعلى المستويات، التفريط بالثروات العامة وإخضاع البلاد لنهج اقتصادي ليبرالي متطرف لا يطبق حتى في الولايات المتحدة نفسها، التبعية للخارج ورهن القرار السيادي بقوى الهيمنة الخارجية، وممارسة التطبيع مع العدو الصهيوني. ويؤكد أيضاً «أنّ ما يريده المواطن العربي حقاً هو ذلك التغيير الحقيقي، وليس ترقيع الثوب الرث والمهلهل الذي يسميه البعض إصلاحاً».
ويعرّف علوش الإمبريالية بمقالة له بعنوان «الحرب الإمبريالية ضدّ الدول المستقلة» بتاريخ 14-04-2011، بأنها منظومة من علاقات الهيمنة الدولية، ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وثقافية، لا مجرّد ظاهرة عسكرية، وذلك لإخضاع كوكب الأرض، من لدن تطور النظام الرأسمالي في أوروبا الغربية أولاً. فالإمبريالية ليست مجرد استعمار مباشر، بل إنها قد تترك السيطرة العسكرية المباشرة لوكلاء لها في البلدان المفتوحة ما داموا قادرين على إبقاء تلك البلدان ضمن منظومة الهيمنة الإمبريالية، أي كمصدر للمواد الخام، واليد العاملة الرخيصة، وكأسواق وميادين لاستثمارات الشركات الرأسمالية العالمية، والأهم بقاؤها سياسياً وعسكرياً كجزء مضمون من الحلف ضدّ أي دول أو قوى تخرج عن تلك المنظومة الإمبريالية. وبالتالي، يؤكد علوش، أنّ أي حراك شعبي يفتقد للبرنامج الجذري الواضح والقيادة الثورية المنظمة يصبح عرضة للاختراق والإجهاض والتلاعب فيه من قوى دولية وإقليمية تتناقض أجنداتها كل التناقض مع مصلحة الأمة. ولا معنى لتغيير أو «ثورة» تقود إلى المزيد من التبعية للإمبريالية أو لحلف الناتو.
ومن مقالة أخرى بعنوان «ثورة ياسمين ديمقراطية أم انتفاضة شعبية؟ بتاريخ 27-1-2011، يقول الدكتور إبراهيم علوش : لا مشروع تغيير حقيقي في قطر عربي واحد، فإما أن تمتد ثورته عبر حدود التجزئة، وإما أن تختنق. لهذا، فإنّ التفاعل في الأردن أو غيره لا يجوز مسخه أيضاً باتجاه إنتاج «إصلاح سياسي» على المقاس الأمريكي سواء بالتغيير السطحي للوجوه، أو من خلال مشروع «الملكية الدستورية» لتعزيز حكم الكمبرادور المحلي. فإما المطالبة بتغيير جذري للنهج وخيارات الدولة، في الحدّ الأدنى، وإما المطالبة بإسقاط حكم الكمبرادور. فليس الهدف استبدال حكم الفرد بحكم طبقة لا تقل تبعيةً عن ذلك الفرد لقوى الهيمنة الخارجية، بل انتفاضة شعبية تعصف بالفرد والطبقة الذين تقوم التبعية للخارج على أكتافهما.
وترى جمانة غنيمات في مقالة بعنوان «غاز إسرائيل: الحجج واهية» بتاريخ 09 -11- 2014 ، أنّ اتفاقية الغاز، تندرج ضمن فكرة التطبيع الاقتصادي التي نادى بها ساسة «إسرائيليون»، يؤمنون بأنّ ربط بلادهم بمصالح اقتصادية مع الدول المجاورة، سيجعلها أكثر إذعاناً لهم ولسياساتهم.
وفي مقالة لعلوش نشرت في جريدة «العرب اليوم» بعنوان «بيان ضدّ الديمقراطية» بتاريخ 19-12-2011 ، يوضح أنّ كثيراً مما يمرّر اليوم في الخطاب السياسي العربي هو في واقع الأمر فكر ليبرالي صرف. ومن يدّعون للديمقراطية اليوم، لا يدعون إلى حكم الشعب، بمعنى حكم الأغلبية بل يدعون إلى نظام ديمقراطي ليبرالي بالتحديد. ومن يروم المقبولية في المحافل الغربية، عليه أن يقبل بأسس النظام الديمقراطي الليبرالي بالذات وبقواعده، وهو ما يعني التشديد على الالتزام بالمعاهدات الدولية، والسماح بحرية حركة الشركات المتعدية الحدود في التجارة والاستثمار، وحرية اختراق المنظمات غير الحكومية المموّلة أجنبياً ووسائل الإعلام الغربية والشفافية وتداول السلطة إلخ… أي حرية رأس المال المالي الدولي بإعادة تشكيل التبعية ضمن قواعد اللعبة «الديمقراطية». ويضيف علوش، ومن يفهم الديمقراطية بمعناها الاجتماعي الواسع، يفهمها باعتبارها نفياً لاحتكار الثروة والسلطة بين الأمم وضمن المجتمع الواحد، أي بمعنى التحرّر الوطني ونفي استغلال الإنسان للإنسان.
وهنا لا بدّ أن نعرّج على مفهوم الشركات متعدية الحدود، وفيه توضح د. حياة حويك عطية بمقالة لها بعنوان «كانوا وراء الباب» بتاريخ 05-07-2009 ، أنه قبل سنوات أطلق رئيس تحرير «لوموند ديبلوماتيك» إينياسيو رامونيه على الشركات متعدّدة الجنسيات لقب سادة العالم الجدد. ومنذ العام 1991 ومجريات الأمور في العراق كما في سائر العالم ، تؤكد أنّ الحكومات لم تعد إلا أدوات في يد هؤلاء السادة. فمن يقول إنّ فرانسوا فيون وحكومته مثلاً، أقوى من «توتال»؟ وتؤكد عطية أنّ أول قرارات قوات الاحتلال في العراق كان حلّ الجيش، وأول أعماله تدمير البنية الثقافية والعلمية والاقتصادية، لكنّ ذلك كله كان بمثابة العمل المأجور: ينفذه بوش وتشيني ورامسفيلد لقاء إطلاق يد الشركات متعدّدة الجنسيات التي يملكون حصصاً فيها في ثروات البلاد، ما كان يقتضي بالضرورة القضاء على النظام الذي قرّر التأميم قبل عقود، وأقفل الباب أمام هذه الشركات. وهذا ما أشار إليه وزير الدفاع الفرنسي المستقيل جان بيير شفينمان، في كتابه الذي ترجم تحت عنوان: «أنا وحرب العراق» عام 1991، بقوله: كان صدام حسين غير مقتنع بأنّ أميركا والغرب سيشنون فعلاً الحرب عليه، وكنت أقول لأصدقائي العراقيين إنكم لا تحسنون تقدير حقد الغرب عليكم بسبب تأميم النفط. وقد نشرت جريدة «لوموند» الفرنسية مقالاً بعنوان: «الألدورادو العراقية… أخيراً أمام المستثمرين»، وجاء فيه: «عقود الشركات البترولية تنتظر على أبواب العراق، وسنوات طويلة مضت وصبر الدول المستهلكة ينفد أمام تأخر الدخول إلى السوق العراقية». انتهى الاقتباس .
ولا بدّ لنا هنا أن نؤكد أنّ موضوع عجز الموازنة وربطه بموضوع عجز فاتورة الطاقة هو منظور قاصر وموجه أصلاً من قِبل الحكومة، فموضوع عجز الموازنة هو موضوع متشعب وذو أوجه عدة، ومرتبط بالمشاريع التي تدرّ الأرباح على الحكومة، وبما تحصله الحكومة من إيرادات الضرائب الأخرى، فعلى سبيل المثال، تحصيل ضريبة المبيعات من قِبل المطاعم والمستشفيات، لا يعني توريدها كاملة إلى خزينة الدولة، فآليات تطبيق ذلك من قِبل دائرة ضريبة الدخل والمبيعات تبقى مقيدة بمنظومة الكمبرادور والمصالح، حتى وإن غُلظت العقوبات على بعض أفراد الشعب أو القطاعات التي تُعاني أصلاً. هذا عدا عن تشريع القوانين من قِبل تلك المنظومة وعدم اعتماد الضريبة التصاعدية للدخل بالشكل الفعّال على طبقات الدخل المتباينة في دول الكيانات الوظيفية.
خاص- جمعية مناهضة
الصهيونية والعنصرية 15/12/2014