نقطة على حرف الجامعة العربية…

جمال العفلق

تاريخ طويل لمنظمة اسمها جامعة الدول العربية، فيه الكثير من النجاحات الديبلوماسية والكثير الكثير من الإخفاقات. وبالنسبة إلى النجاحات الديبلوماسية، فلا أعلم في أي تصنيف يمكن وضعها على الصعيد السياسي الدولي. أما على الصعيد العربي، فلم تحقق الجامعة ما يمكن أن يُحسب لها، خصوصاً أنّها لا تمتلك آليات تطبيق القرارات إلا من خلال الدول الأعضاء وهذا ما لم يتحقق إلا في إطار محاربة الدول العربية أو تعطيل القرارات التي قد تغير من واقع شعوب تلك الدول.

ولأنّ الحديث عن تاريخ الجامعة يحتاج إلى وثائق ومحاضر اجتماعات وكشف أسرار، فمن الصعوبة على أي متابع تقديم رأي محايد ودقيق، لكنّ ما لفتني هو موقف صدر عن الجامعة مؤخراً بأنها «تحذر من تنامي الإرهاب في المنطقة»، فهذا الموقف هو في حدّ ذاته استفزاز للعقول وقفزٌ فوق واقع الجامعة العربية الحقيقي وتضليل للمواطن العربي الذي دفع من دمه ثمن قراراتها والغطاء السياسي الذي وفرته لدعم تنامي الإرهاب في المنطقة.

لقد ساهمت الجامعة العربية، بشكل أو بآخر، في حصار الشعب العراقي، بحجة أنّ القرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، كما أنها وفرت الغطاء السياسي لاحتلال العراق تنفيذاً لرغبة أميركا.

أما عن تاريخها مع القضية الفلسطينية، فهو حافلٌ بالتنازلات، ويكشف غياب الدعم العربي لفلسطين وشعبها الذي يتعرض لأبشع أنواع الاضطهاد ويقارع المحتل الصهيوني وحيداً، حقيقة من يسيطر على قرارات الجامعة ويحركها.

و«الإنجاز» القريب الذي لا ينبغي أن نتجاهله هو إعطاء الجامعة، ونزولاً عند الرغبة القطرية والسعودية، الضوء الأخضر للغرب لاحتلال ليبيا وقصف طائرات «الناتو» لشعبها الأعزل. ورغم أنّ ليبيا عضو في الجامعة العربية ورغم أنّ القرار مخالف لميثاقها الموقع عليه من قبل جميع الدول الأعضاء، إلا أنّ الواقع العربي وانقياد تلك الدول خلف مشروع التقسيم الصهيوني فرضا على المنطقة واقعاً غير مسبوق في التاريخ العربي الدولي، فتسترت الجامعة على جرائم ما سمي بـ«جبهة ثوار ليبيا» وعلى قتل القذافي من دون محاكمة وعلى دور القاعدة والتكفيريين في الاستيلاء على مخازن السلاح في ليبيا وإعادة تصديرها إلى سورية لإشعال الحرب فيها وإرسال المرتزقة إليها عبر شواطئ ليبيا وتونس. ولم تكتفِ الجامعة بهذه الجريمة التي مزقت بلداً عربياً بل سارعت، وفق أوامر الراعي الأميركي التي نفذتها قطر، إلى إصدار قرارات بفرض الحصار الاقتصادي على سورية والتضييق عليها وعلى شعبها، ووصل الأمر إلى تدويل الأزمة السورية ومطالبة مجلس الأمن بإصدار قرار لاحتلالها. ولم تغفل الجامعة العربية عن تزوير تقرير رئيس بعثتها إلى سورية الفريق مصطفى الدابي لأنه لم يعجب أمينها العام ومموليه.

وطوال السنوات الأربع الماضية، حاولت الجامعة من خلال أعضائها الفاعلين والمسيطرين على قراراتها حصار الدول العربية التي رفضت قراراتها في خصوص الأزمة السورية، وهي لم تكتفِ بذلك بل وصلت إلى حدّ تجميد مقعد سورية واستبدال المندوب السوري بممثل زعمت أنه يمثل الشعب السوري، ينتمي إلى ما يُسمى «ائتلاف الدوحة» الذي ثبت تورطه في كلّ العمليات الإرهابية التي طالت الشعب السوري، كما ثبت أنه يعتمد على المرتزقة القادمين من ليبيا وتونس والسعودية والأردن ودول أخرى في تنفيذ تلك العمليات.

أثبتت الجامعة العربية طوال السنوات الماضية وخصوصاً بعد تبنيها ما سُمي «ثورات الربيع العربي»، دعمها للإرهاب وعجزها عن اتخاذ تدابير أو قرارات حقيقية. ويمكن لأي إنسان عادي أن يقرأ ميثاق الجامعة العربية ليكتشف أنها وأعضاؤها بعيدون كلّ البعد عن هذا الميثاق.

واليوم وبعد موقف الجامعة المحذِّر من تنامي الإرهاب في المنطقة، من حقنا أن نسألها: أليست هي من طوى الرسائل السورية التي حذرت من الإرهاب؟ ألم توافق على دعم بعض أعضائها فصائل مسلحة في سورية، رغم أنها تعلم تماماً أنّ تلك الفصائل هي مجموعات مرتزقة لا هدف لها إلا تدمير الدول والشعوب وإعادتها إلى حقبة ما قبل التاريخ؟ أم أنّ الجامعة بكلّ طواقمها القانونية والسياسية، أدركت اليوم حقيقة انتشار الإرهاب في المنطقة وتستجدي بموقفها المذكور تدخل «الناتو» من أجل محاربته.

لهذا يجب أن نضع نقطة على حرف في اسم الجامعة ليصبح «الجامعة الغربية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى