انتصار السودان

نعيم إبراهيم

… ولأنّ زمن الاملاءات والتهديد والوعيد ولى… ولأنّ الهزيمة لا مكان لها في قاموس الشعوب والأمم المكافحة ضدّ الظلم والطغيان والعدوان، فإنه يحق للأشقاء في جمهورية السودان، أن يحتفلوا بانتصارهم على الحرب العدوانية التي قادتها المحكمة الجنائية الدولية تنفيذاً لأجندات دول الاستكبار العالمي وقوى الشرّ في المجتمع الدولي.

فقد تخلت المحكمة المذكورة أخيراً عن إجراء المزيد من التحقيقات في جرائم الحرب في إقليم دارفور السوداني. وقالت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا الأسبوع الماضي إنها قرّرت حفظ التحقيق بسبب عدم وجود تأييد من مجلس الأمن الدولي وهو الجهة القادرة على اتخاذ إجراءات قسرية يمكن أن تجبر البشير والمتهمين معه على المثول أمام المحكمة.

معلوم أنّ المحكمة ومقرّها لاهاي كانت اتهمت الرئيس عمر حسن البشير عام 2009 بجرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة في قمع «الانتفاضة» في دارفور.

لقد أرادوا إذلال السودان أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكن المحكمة رفعت يديها وأقرّت بالفشل، وانّ الشعب السوداني هزم المحكمة الجنائية الدولية ورفض تسليم أيّ سوداني إلى محاكم «الاستعمار»، الأمر الذي أكده الرئيس البشير في كلمة تحدّ أوضح فيها أنّ الجيش والقوات النظامية الأخرى ستسلّم السودان هذا العام خالياً من التمرّد. وأضاف: «لن تروا تمرّداً»، مشيراً إلى أنّ بلاده ترحب بمن هو مستعدّ للسلام لكنها لن تنتظرهم إلى أجل غير مسمّى قائلاً: «إنّ كل شيء له حدود».

مرّ السودان بمرحلة عصيبة، كان آخر محطاتها استصدار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية اوكامبو قرار توقيف الرئيس عمر البشير، الأمر الذي يشكل سابقة قانونية خطيرة على اعتبار أنه موجه إلى رئيس لا يزال يمارس مهامه، تماماً كما هو حال الرئيس بشار الأسد، عبر مطالبة الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي العربي له بالتنحي وترك السفينة تغرق مثلما هي تغرق اليوم في ليبيا، وقبل ذلك في العراق، وأريد لها أن تغرق في مصر وتونس وغيرها، في سياق موجة ما سُمّيَ «الربيع العربي». ولذلك فإنّ قرار اوكامبو جاء أيضاً كآخر مرحلة من مخطط يستهدف السودان، ومن ثم كلّ الوطن العربي تحت حجج وذرائع واهية تأتينا دائماً من الخارج.

ومن محطات استهداف السودان وضرب استقراره أيضاً، وضعه في قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1990، وتلى ذلك فرض عدد من العقوبات، وفرض حصار اقتصادي جائر، وتعرّض البلاد في عام 1998 إلى ضربة عسكرية من خلال قصف مصنع الشفاء تحت ذريعة أنه مملوط من لأسامة بن لادن، غير أنّ التحقيقات أثبتت بعد ذلك أنه ملك لرجل أعمال سوداني لا يمتّ بأي صلة إلى بن لادن.

أما أزمة دارفور فكلّ الحقائق تؤكد أنها قضية مفبركة ولا تستند إلى وقائع ودلائل، بل الأطراف التي فجرت هذه القضية سعت في تلك المرحلة إلى إخفاء ما يحدث في العراق وفلسطين من همجية ودمار وقتل. علماً أنّ السودانيين يعترفون بحصول بعض الأخطاء الداخلية غير أنه تمّ تضخيمها وتسويقها على أنها إبادة جماعية، وهو أمر ينافي الواقع، لأنّ الإبادة الجماعية تعني ببساطة وجود قبور جماعية، ووجود جثث مرمية في الشوارع والطرقات إلا أنّ هذا لم يحدث، حتى أنّ الدول الغربية التي تدّعي وجود إبادة لا تملك أيّ صور لها، رغم أنّ لها من الإمكانيات ومن الأقمار الصناعية ما يخوّلها إثبات ذلك، وبالتالي فقضية الإبادة قضية مفبركة، تمّ افتعالها لأغراض مصلحية.

إنّ موقف مجلس الأمن من قضية دارفور لم يكن صائباً على الإطلاق، والمستغرب هو الكمّ الهائل من القرارات التي أقرّها المجلس في فترة زمنية لا تتعدّى السنوات الخمس، في حين تجاهل أزمة جنوب السودان، ولم يصدر بشأنها أيّ قرار، رغم أنّ هذه الأزمة استمرّت قرابة أربعة عقود من الزمن، آلت إلى انفصال الجنوب عن الوطن الأم وإقامة دويلة جنوب السودان لتشكل قاعدة انطلاق هامة للمشروع الاستعماري ـ الصهيوني في القرن الإفريقي.

في المحصلة إنّ قضية دارفور استهداف للسودان في دعمه للمقاومة في فلسطين وللقضايا العربية والأفريقية العادلة، وفي امتلاكه ثروات زراعية وحيوانية واحتياطات نفطية هائلة، وفي المقابل فإنّ انتصار السودان في معركة المحكمة الجنائية الدولية، يمثل اليوم ركناً هاماً في انتصار العرب أجمعين على مؤامرة «الربيع العربي».

كاتب وإعلامي سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى