أمنيات للوطن والأمّة في الزمن الميلاديّ
جورج كعدي
أعمق معاني الزمن الميلاديّ، السلام والآخاء، وهذان أكثر ما نفتقده على مستويي الوطن والأمّة، فالشام ولبنان والعراق وفلسطين، معاً وفرادى، في مواجهة مصيريّة، فإمّا النصر والبقاء أو الهزيمة والزوال، وإمّا العيش في وئامٍ وتآخٍ وازدهار، أو السقوط أمام الاحتلال في فلسطين، والمؤامرة في الشام، والتفتّت العرقيّ والطائفيّ في العراق، وانهيار الدولة والنظام في لبنان. أركان الأمّة السوريّة الأربعة عند مفترق تاريخيّ حاسم، ولا بدّ من أن تكون أمنيات الناس متّحدة عند:
لبلاد الشام الغالية: أن تسقط المؤامرة الأميركيّة ـ «الإسرائيلية» ـ الفرنسيّة ـ التركيّة ـ العربانيّة نهائيّاً ويتوقّف مسلسل الموت والدمار المستمرّ منذ أعوام أربعة، وأن يلتئم جرح الوطن بالحوار والتفاهم والتلاقي، وتُنجز المصالحة الشاملة، وتُستعاد الوحدة، ويُعاد الإعمار، فيستردّ هذا الركن الأعرق موقعه ومكانته وتأثيره حصناً منيعاً من حصون الأمّة وقلعة صلبة من قلاعها.
للبنان البهيّ: أن يهتدي السائرون إراديّاً أو جهلاً في المشروع الأميركيّ ـ الصهيونيّ ـ العربانيّ ولمصلحته إلى الدرب القويمة فيعوا أن أعداء الوطن ليسوا سوى أصحاب هذا المشروع التآمريّ التدميريّ للأمّة جمعاء، ويعيدوا حساباتهم الخاطئة ويلتحقوا بالمشروع النقيض، المقاوم والممانع، لأنّه مشروع الحقّ والحقيقة، فيزداد الوطن بالتحاق هذا الفريق الضالّ وعودته إلى طريق الصواب قوّة ومناعةً إضافيّتين بفضل وحدة أبنائه، ما يتيح إنهاء جميع الأزمات السياسيّة والمشاكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة الحادّة والمضيّ نحو أرفع درجات التطوّر والازدهار.
للعراق الحبيب: أن يحتفظ بوحدته وينأى عن التقاسم والتجزئة الطائفيّين والعرقيّين، وأن يهزم المشروع «الداعشيّ» الظلاميّ المسخّر لمصالح الغرب المتآمر بدفع من صهيونيّة مجرمة تخطّط ليل نهار لتقويض أركان الأمّة، والعراق من أعرقها مهداً لحضارات بلاد ما بين النهرين، وأوفرها علماً ومعرفةً، وأغناها ثروات طبيعيّة وقدرات. وأن يسلم هذا البلد الرائع ويستعيد وحدة أرضه وأبنائه فيلتحم مصيراً بمصير باقي الأمّة التي تخوض جمعاء حرب بقاء ووجود.
لفلسطين قلب الأمّة وجرحها: أن يثبت أبناؤها على وحدتهم، وأن يتشبّث المقدسيّون بمدينتهم فلا يتخلّوا عنها، لا ترهيباً ولا ترغيباً، وأن تلتحق الضفّة ببطولة غزّة، وتلتحق غزّة بانتفاضات أهل الضفّة، وأن تلتقي الفصائل الفلسطينيّة كافة، في الوطن والشتات، في القدس والضفّة وغزّة، حول مشروع سياسيّ استراتيجيّ واحد لاستعادة كامل أرض فلسطين الكنعانيّة التاريخيّة لشعبها السوريّ الفلسطينيّ، وأن يزول كابوس الاحتلال الصهيونيّ ويسقط وعده الهرتزليّ ـ البلفوريّ مرّة واحدة وإلى الأبد.
أمنيات أيضاً للأمّة جمعاء: أن تحلّ الاستقامة والأخلاق مكان الفساد والانحلال الأخلاقيّ لدى الحكّام والشعوب على السواء، وأن تزدهر الثقافة والفنون والعلوم، وأن تسود المعرفة عوض الجهل، والعقل بدلاً من الغريزة، والتسامح مكان التعصّب، والعلمانيّة النيّرة محلّ الطائفيّة المقيتة، وأن يُلتفت إلى قضايا الشباب وحاجاتهم وهموم مستقبلهم من عمل وسكن وحوافز إنتاج وإبداع، وأن يأمن الإنسان عامّة إلى مستقبله، وبخاصّة إلى مرحلة تقاعده والتقدمات المخصّصة لشيخوخة كريمة، وأن تحتلّ الأمّة السوريّة مكانة متقدّمة بين الأمم الحضاريّة المبدعة والمنتجة، القويّة والمزدهرة… مع اليقين أنّ ذلك كلّه لا يتحقّق سوى بالإرادة والعزم والعمل الدؤوب والتضحيات. حتّى الأمنيات يلزمها تصميم وجهد لتمسي واقعاً متحقّقاً، أو تبقى في إطار اليوتوبيا والكلام الإنشائيّ والنظريّ، والأمّة في حاجة إلى الإرادة والمعرفة والتخطيط والعمل ليصير حلمها حقيقة ونهضتها أمراً منجزاً مثلما شاءها نهضويّوها الكبار، ومثلما رسم لها أنطون سعاده معالم الطريق.