خفض أسعار النفط: الجميع في مهبّ القرار الأميركيّ

عامر نعيم الياس

الانخفاض غير المسبوق في أسعار النفط العالمية إلى ما دون 45 في المئة من قيمة البرميل بين عامَيْ 2012 و2013، والتي تراوحت بين 105 و110 دولارات، أفرز انقساماً في صفوف المهتمين بالشأنين السياسي والاقتصادي العالميين. حتى زعماء الدول والنخب السياسية فيها دخلوا على خط الصراع ومحاولة ادّعاء الانتصار في لعبة عضّ الأصابع النفطية. ففي الوقت الذي أشار فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إمكانية وقوف السعودية والولايات المتحدة وراء ما يجري في سوق النفط لاستهداف روسيا وإيران، أشار السيناتور الجمهوري المحافظ جون ماكين إلى إيجابية ما اتخذته السعودية في الصراع الدائر مع روسيا. فيما شمت الرئيس الأميركي باراك أوباما بانكماش الاقتصاد الروسي وانخفاض قيمة الروبل قائلاً: «إن بوتين لم يتفوق عليَّ وعلى الولايات المتحدة بمناوراته».

من الواضح أنّ ما سبق يشير إلى الرهان الدولي على خفض أسعار النفط وفي مقدّمه الأميركي. إذ تنظر النخب الحاكمة مجتمعة في الولايات المتحدة إلى ما يجري في السوق النفطية برحابة صدر. حتى أن هذا الملف وحّد المواقف بين جون ماكين وباراك أوباما. فما حقيقة خفض أسعار النفط؟ وهل الأمر عبارة عن جهدٍ أميركي ـ سعوديّ مشترك؟ أم أن الأمر قرار أميركي بحت خضع له الآخرون سواء من حلفاء الولايات المتحدة أو من الدول المعارضة لها؟

في سياق الحديث عن أفول القوة الأميركية، ومحاولة بعض حلفاء الولايات المتحدة التحرر ولو قليلاً من القيود التي تفرضها السياسات الأميركية عليهم، لا بل محاولة فرض بعض الخيارات غير الملائمة لواشنطن ومصالحها على صانع القرار الأميركي كما يظهر في بعض محطات الأزمة السورية، جاء انخفاض أسعار النفط في خضمّ صراع مستعر بدأ يدخل مرحلة الحرب الباردة الجديدة بين روسيا والغرب، وهو ما يفسّر الشماتة الأميركية الظاهرة بما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في روسيا، والتي لا تتوقف عندها بل يمكن أن تمتدّ إلى الضغط على الدول الأخرى المنتجة للنفط بما فيها السعودية. استناداً إلى تيار سياسي يتبنّى نظرية تقوم على الربط بين التطوّر الديمقراطي والنفط بشكل عكسيّ، بمعنى أنه كلما كانت الدولة منتجة كبرى للنفط، ازداد فيها قمع الحريات وتراجعت فيها الديمقراطية وحُكمت من قبل سلالات حاكمة متصلبة وفاسدة. هذا بالضبط ما جاء على صفحات مجلة «فورين آفيرز» الأميركية في مقال للكاتب مايكل روس قال فيه: «إن الثراء بالنفط يؤدّي إلى الدكتاتورية وعدم الاستقرار الاقتصادي والصراعات العنيفة والفساد». ويرى الكاتب أنه مع بدايات ما يسمى «الربيع العربي» عملت النظم الأوتوقراطية على البقاء في الحكم عن طريق «رشوة المواطنين عبر توفير عددٍ من المنافع بلا ضرائب وتقديم العطايا. ففي عام 2011 وحده أعلنت الجزائر خططاً استثمارية بقيمة 156 مليار دولار في البنى التحتية وخفّضت الضرائب على السكر، فيما حوّلت السعودية 136 مليار دولار لزيادة المرتبات في القطاع العام ومعونة البطالة ودعم السكن. أما الكويت فقد عرضت هديّة مالية لكل مواطن مقدارها ألف دينار ما يوازي 3600 دولار أميركي ومواد غذائية أساسية مجانية لمدة 14 شهراً».

وعلى رغم أنّ «الربيع العربي» لم يشمل الدول التي تحكمها أنظمة ملكية في الخليج، إلّا أن خفض أسعار النفط والتحريض باتجاه خفض الاستهلاك العالمي، خصوصاً من جانب الولايات المتحدة التي تعدّ الأكثر استهلاكاً للنفط على مستوى العالم، قد يساعد في تقويض حكم الأنظمة النفطية. وترى «فورين آفيرز» أن «الولايات المتحدة قد تستطيع المساعدة في تخفيض أسعار النفط العالمية، وتقويض الدكتاتوريات المؤسسة على النفط وحتى من يبيعون نفطهم للصين والدكتاتوريات الأخرى».

الجميع في مهبّ القرار الأميركي الذي يحقّق مصالح المستهلك الأكبر ويؤثّر على ما سواه من الدول، سواء الحليفة أم المعادية. فإلى متى تستمر واشنطن في لعبتها؟ وهل تستطيع الحفاظ على استقرار الخليج إذا طال أمد استخدام سلاح خفض الأسعار؟

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى