دبابيس قرص الفلافل بـ500 والطربوش؟
أحمد طيّ
لم يبق للّبنانيّ الفقير ما يليق بقروشه القليلة في هذا اللبنان الذي ابتلعته العولمة بثقافة «المولات» والمطاعم الفاخرة. والأسوأ من ذلك، أنّ المحال التجارية العادية والمطاعم «اللي على قدّ الحال»، تأثرت كثيراً بهذه الثقافة، من جرّاء الغلاء الذي طاول حتّى رغيف الخبز.
مَن منّا لا يعرف أنّ الفلافل، كانت منذ القدم، مأكول الفقراء، حتّى أننا عندما كنّا صغاراً، وعندما كانت النقود في جيوبنا ـ نحن أفراد الشلّة الفلانية ـ قليلة، كنّا نلجأ إلى الفلافل لتلبّي بطوننا الجائعة. وأذكر جيّداً أنّ «سندويش» الفلافل «الحرزانة»، كانت بألف ليرة فقط. أما اليوم، فكلّ شيء تغيّر!
في الحمرا، الشارع البيروتيّ العريق الذي وُصف بأنّه شارع كلّ الناس، إذ إنّه يستوعب المثقف والعامل والفقير والغنيّ والطالب وربّ العمل ووو، لفتتني لافتة صغيرة رفعت في أحد المطاعم، عندما استفزّني الجوع ومعه الرغبة، لتناول «سندويش» من الفلافل.
لم يلفتني أبداً سعر الـ«سندويش» 3500 ، والتي هي عبارة عن قضمتين وثالثة صغيرة. ما استفزّني، ما كُتب على لائحة الأسعار: قرص الفلافل بـ 500 ليرة لبنانية!
ويحك أيّها الزمن!
قرص الفلافل بـ500 ليرة، مسألة خطِرة جدّاً لو أسقطناها على مواطنٍ فقير، أسرته مكوّنة من نصف دزينة من الأولاد. فلو رغب أولاده وزوجته بـ«عشوة» فلافل ـ سادة من دون طراطور ولا خبز ولا بندورة وكبيس ـ لوجب على هذا المواطن أن يدفع ثمن طبخة كاملة، فيما لو أراد أن يُطعم كلّ ولد أربعة أقراص من الفلافل!
في لبنان، لم يبق للفقير حتى قرص فلافل يتغنّى به، ويغازله عندما تزقزق عصافير بطنه.
منتج آخر، ارتبط بالولد الفقير، قارب ثمنه اليوم الـ500 ليرة. إنّه الطربوش، أو ما اصطلح على تسميته قديماً: «راس العبد»، قبل أن يُروّج لثقافة مناهضة العنصرية وتصل إلى تلك البسكوتة التي تحمل كتلة من حلوى «الكرابيج» والمغطّاة بطبقة من الشوكولا.
أذكر جيّداً أنّ أيّ طربوش، من أي ماركة كان، «قد ما يكبر راسه»، لا يتجاوز ثمنه المئة ليرة لبنانية. أما اليوم فكل ثلاثة طرابيش بألف ليرة و«الخير لقدّام ».
في لبنان أيضاً، لم يبق للطفل الفقير حتّى الطربوش «يحلّي» به جوعه!