مضغ الأوهام
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
لماذا ليست لدينا إمكانات الانبعاث وخلق واقع جديد يقضي على هذا الترهل والفساد الذي يضرب معظم مؤسسات الدولة؟ لماذا كل مساعي الإصلاح تتعطل، وكل جهود تحسين العلاقات تتعرقل، وكل مسار لتحصين منعة الوطن وجعله عصيّاً على الاختراق والتلاعب لا نجد له إجماعاً. نحن منذ الطائف لا نزال نأمل بأن تتحسن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لكن عند كل منعطف يكاد الوطن يصل إلى النهاية. إنّه لأمر مرعب أنّ الشعب اللبناني حتى الساعة يتخبط في ضباب الخلافات والانقسامات، إذ ليس ثمة مستقبل يمكن توقعه يحمل إيقاعاً جميلاً ينتهي معه هذا الإحباط والفشل المزمن. لا، ليس طبيعياً أن يستمر البلد من جولة للعنف إلى أخرى، ومن أزمة إلى أخرى، ومن خيبة إلى خيبات، ومن فساد إلى فساد. ليس صحيحاً أن يتكيّف اللبنانيون على أن لا أمل في بناء دولة العدالة والمواطنية والقانون والمساواة، وأنّ الفوضى والتسيب والمحسوبيات وتقاسم الحصص من جوهر النظام. بات معظم اللبنانيين يشعرون بأنّ لبنان الرسالة لم يعد يتمتع بتلك الميزة التفاضلية. الصميم منه صار متآكلاً. كينونته الحضارية مصابة بالعطب. الجماعات داخله تعاني من صعوبة في الاندماج الوطني. وكلنا اليوم يشاهد كذلك ما يحصل في سورية واليمن والعراق وليبيا وبقية البلدان العربية من تهشّم كياني، وخلل ثقافي، وتمزق اجتماعي، ما يفتح المجال أمام عاصفة من الهواجس والمخاوف التي تسكن كل بيت لبناني وكل فئة يتناهى إليها صوت صليل سيوف التكفيرين.
نحن في هذا الوطن الذي لم يتبقَ غيره كهفاً لأتباع الديانات، مَن يشفيه مَن سرطان الانقسامات، ومَن يحميه من وحش الإرهاب والتكفير، ومَن يعيد إحياء هذا الوطن وأوطاننا الأخرى بماء المحبة والأخوة لكي يستمر الشرق ملاذاً ورسالة وضوءاً في عتمة وظلام هذا العالم؟
هذا الكلام يجب أن يرغمنا على تبديل وسائل إدراكنا، يجب أن يدفعنا لنعيد النظر في قوانين فهمنا للعلاقات والأولويات، أن يحدد لنا مسعانا في ضوء كل التحولات والمتغيرات الضخمة.
إن كل أولئك الذين يسكنون في هذا الوطن مسؤولون حين نقترب من حضيض الفتن أو حين ندنو من وهج الإنسانية الكاملة. فليس الدفاع عنه مسؤولية حزب الله فحسب، بل واجب هؤلاء
الذين يستمتعون بليالي الأنس والطرب في أفخم الفنادق ولا يفعلون شيئاً سوى الاستمرار بالخطابات والتنظيرات ومضغ الأوهام!