الحريري وهِلْ والإيحاء بدعم ترشّح عون
خاص ـ يوسف المصري
قبل أيام وصلت كلمة السر من الرياض ومن ورائها من رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري إلى شخصيات الحلقة الضيقة الذين يشرفون على مطبخ تطبيق السياسة الزرقاء في لبنان. مفاد هذه الكلمة بحسب مصادر دائمة الذهاب والإياب إلى الرياض، انه من حيث المبدأ تقرر أن لا يبادر سعد الحريري إلى فتح الحديث مع العماد ميشال عون بخصوص قضية الاستحقاق الرئاسي. سوف تلتزم قريطم الصمت مع الرابية. وهذا أمر متعمد وغايته ترك عون أسير غموض الصوت النيابي الأزرق تجاهه.
قريبون من قريطم يسمّون هذا الموقف بسياسة الغموض البنّاء تجاه الجنرال. والهدف من ذلك إبقاء الساحة داخل 8 آذار رهينة الإرباك والشكوك المتبادلة في ما بين أطرافها حول عمق تأييد كل منها الجدي لترشح عون.
وفي حال حاول عون كسر جدار الصمت وبادر لفتح موضوع ترشحه مجدداً مع سعد الحريري قبيل جلسة 23 نيسان، فإنه سيسمع إجابة مقتضبة ولا تخلو من تطبيقات سياسة الغموض البنّاء: لا زلنا عند موقفنا العام وهو دعم مرشح تتوحد عليه 14 آذار إن وجد ولكن بالأساس من السابق لأوانه النقاش بشكل جدي الآن. فجميعنا يعرف أن جلسة 23 نيسان مصممة لفرز المواقف وليس لانتخاب الرئيس العتيد.
وأغلب الظن بحسب مصادر مقربة من تيار المستقبل، أن عون لن يفتح موضوع ترشحه الآن مع المستقبل لعلمه أن جلسة 23 نيسان ستسفر فعلياً عن إخراج سمير جعجع كمرشح جدي من المنافسة. وسيكتفي عون بعدم ترشحه في الدورة الأولى خلال الجلسة، ثم يبادر للترشح في الدورة الثانية التي ستشهد تطيير النصاب.
تقول المصادر عينها إنه خلال آخر لقاء بين الحريري وعون، تم الحديث مواربة. فلا الجنرال طلب أو حصل على وعد بالتأييد من الحريري، والأخير لم يقفل الباب بالكامل. ختم اللقاء على عنوان «لنرى»، وعلى أساس أن التطورات المتلاحقة في المنطقة قد تجعل ما هو غير متوقع قائماً، وما هو متوقع بمثابة سراب. ولكن الكاردينال بشارة الراعي – تستدرك المصادر عينها – أنه تلقى من الحريري وعداً خلال لقائه به الشهر الماضي بأنه سيعمد مع حلفائه في 14 آذار لحسم اسم مرشحهم، وانه سيبلغه به قبل نهايته أي آذار . وعلى ما يبدو فإن الحريري أعاد حساباته تجاه وعده للراعي، وذلك تحت تأثير إعطاء الأولوية لممارسة سياسة الغموض البنّاء مع قضية ترشح عون.
وبحسب مصادر من المستقبل، فإنّ السفير الأميركي في بيروت ديفيد هِل يكرر خلال هذه الآونة الدور نفسه الذي مارسه بعد إبرام الطائف، حينما كان مسؤولاً عن الصلات السياسية في السفارة. آنذاك غطى لبنانياً، وبخاصة مسيحياً، إدخال جعجع إلى السجن وذلك تحت عنوان أن الحكيم لم يجد قراءة المرحلة الجديدة ودولياً وإقليمياً، ولذلك فهو يدفع ثمن قصور نظره الاستراتيجي. اليوم يشاع، بل صار مسموعاً همس هِل في الأروقة السياسية اللبنانية، وبخاصة المسيحية المغلقة، بخصوص أن إيصال عون للرئاسة هو خيار قائم وليس مزحة أميركية أو حتى عربية.
في آخر لقاء بين هِل والنائب وليد جنبلاط قال له الأخير لست مع وصول عون أو جعجع إلى الرئاسة. ومن سياق كلام جنبلاط يتضح أن هِل سأله عن رأيه بترشح عون، وبالتأكيد لم يسأله عن رأيه بترشح جعجع. لكن المختارة صاغت إجابتها على السؤال الأميركي على نحو يريد وضع معادلة الاستحالتين أي عون وجعجع بمقابل بعضهما البعض، لضمان تطيّر حظوظ الجنرال المعقولة عبر إنشاء صلة لها مع حظوظ جعجع المعدومة.
ويسأل مصدر دبلوماسي عربي في لبنان: هل فعلاً هِل جاد في تسويق خيار عون رئيساً. وإذا كان الأمر كذلك، فما هو الثمن الذي يطمح الأميركيون لجنيه؟
يجيب المصدر نفسه قائلاً: «هناك نوعان من الإجابات سمعتها في لبنان وخارجه عن هذا السؤال بما يفيد أن هناك لعبة إيحاءات تجاه عون يقوم بها كل من الحريري والسفارة الأميركية ولكن كل منهما على حدة ولأسباب مغايرة.
وتقول الإجابة الأولى: «إن هل هو الذي رتب اجتماع عون والحريري الشهير، وانه هو صاحب نظرية تسود الآن أوساطاً مسيحية، ومفادها أن جعجع خارج حلبة المنافسة لأنه مرة أخرى يخطئ بتشخيص المرحلة ويتحدى إرادة دولية وإقليمية تريد وصول رئيس قوي إلى بعبدا يحمل أملاً لتوطيد الشراكة الإسلامية المسيحية اللبنانية كنموذج ورسالة لدول المنطقة. ومثل هذه الرسالة لا تصل من خلال جعجع الذي لديه إرث معاكس لهذا المعنى المطلوب. وتضيف الرواية نفسها أن الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته للفاتيكان ناقش مع البابا بواعث القلق السائدة حيال مستقبل الوضع المسيحي في الشرق، وأنهما اتفقا على الإتيان برئيس مسيحي قوي في لبنان- البلد المتبقي للمعنى المسيحي الحر- وذلك من أجل بعث الرجاء من جديد لدى مسيحيي لبنان والمشرق بشكل عام !!
أما الإجابة الثانية التي سمعها المصدر العربي، فتفيد بأن أميركا لن تمانع بوصول عون ولكنها لن تعمل من أجل فرضه. أما الحريري والرياض فهما غير جديتين بالانفتاح عليه لدرجة الإتيان به رئيساً للجمهورية. ما يريدانه هو إدارة مناورة مع قصة ترشح عون تجري على أطراف أعصاب حزب الله. ومن هنا يطلق البعض على تكتيكات الحريري تجاه عون بأنها تطبيقات أمينة لسياسة الغموض البنّاء. كما أن الحريري يريد الإفادة من ترشح عون لنسف ترشح جعجع من دون أن يتكلف ثمناً لذلك إحراج علاقته به ضمن تحالف 14 آذار الواسع.
يختم المصدر بالاعتقاد أن سياسة الغموض البناء والتسويق الأميركي الإيحائي لعون من دون ممارسة فعل عملي لإيصاله إلى بعبدا، سيظلان هما حالة كواليس استحقاق رئاسة الجمهورية لغاية الخامس والعشرين من أيار المقبل. وبعد ذلك سيدخل البلد في فترة ربع الساعة الدولية الأخير لإنجاز هذا الاستحقاق، وحينها سيكون المرشحون الكبار قد تعبوا ما يفسح المجال أمام بدء ترتيب أسماء المرشحين الآخرين لانتقاء رئيساً توافقياً من بينهم.