أدباء مصر في مؤتمرهم العامّ: نعم للاختلاف ولا للعنف والإرهاب
عقد في محافظة أسيوط في جنوب مصر المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته الـ 29 دورة الأديب قاسم مسعد عليوه . وحملت عنوانا رئيسياً مهماً «الأدب وثقافة الاختلاف»، فسبب انعدام ثقافة الاختلاف تعاني المنطقة العربية وليس مصر فحسب من العنف والارهاب. وفي هذا الإطار أكد د. جابر عصفور، وزير الثقافة المصريّ، في كلمته الافتتاحية على أن الاختلاف يعنى احترام الآخر وقبول الاختلاف، وأن ثقافة الاختلاف تقوم على الإيمان العميق بأن الفكر الإنساني عامة هو فكر نسبى قائم على الصواب والخطأ، وأنه لكي نكون متنوعين لا بد من أن نقبل باختلاف الآخر، مضيفاً أن للثقافة عدوّين هما الاستبداد السياسي الذي سرعان ما يطبع عقول الناس فيستبد بها بحيث لا يتقبل كل واحد من يعارضه، والثاني هو التعصب الديني الذي يجعل صاحبه يظن أنه على صواب دائماً وأن غيره مخطئ، فيتحول شيئاً فشيئاً إلي إرهاب فكري ثم إرهاب مادي مثل ما نراه اليوم في «داعش»، نتيجة عدم تقبل ثقافة الاختلاف».
من ناحيته أشار مصطفى القاضي، أمين عام المؤتمر، إلى أنه في ظل انعقاد مثل هذا المؤتمر في الظروف الشديدة التي تشهدها البلاد، يجب أن تكون أقلام الأدباء سيوفاً فى سبيل الحق، وأنه قد يغفر المجتمع للإنسان العادي أخطاءه، لكنه لن يغفر للمبدعين حملة شعلة الإبداع، كما شدد على إلا يكونوا أداة لإشاعة الفوضى في البلاد بكلمات القليل منها حق يراد بها حق، والكثير منها كلمات حق يراد بها باطل، وأن يدعو إلى إعلاء ثقافة حب الوطن وليس الأشخاص، فالوطن يبقي والأشخاص يرحلون، كما دعا إلى شق الطريق إلى العلم والنور والثقافة.
رئيس المؤتمر ووزير الثقافة السابق د. عماد أبوغازي توجّه في كلمته بالشكر إلى أمانة مؤتمر أدباء مصر لاختياره رئيساً للمؤتمر، منوّهاً بأهميّته وتأثيره على طريق الديمقراطية وكيفية اختيار موضوع المؤتمر قائلاً: «إننا في أشد الحاجة هذه الأيام إلى ثقافة الاختلاف وتقبل رأي الآخر، وأكثر الفترات ازدهارا كانت عندما كنا نتقبل شخصية الرأي الأخر واحترامه»، مشيراً إلى الاحتفاء بالمقاومة الفلسطينية والضغط على المجتمع الدولي للاعتراف بها، وأن مؤتمر مصر كان منذ دورته الأولى يرفع شعار عدم التطبيع مع «إسرائيل» .. »، وأشار أبو غازي إلى إهداء هذه الدورة إلي الأديب الراحل المبدع قاسم عليوة الذي كان من حفظة تاريخ وذاكرة هذا الوطن، مؤكداً الاحتفال في أسيوط أمر مهمّ، فأسيوط شهدت الكثير من النشاطات الثقافية المهمة والتاريخية التي أثرت في الثقافة المصرية ومنها رحلة العائلة المقدسة.
د. سيد خطاب، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، تحية إلى جميع الضيوف أدباء وشعراء ومبدعين، مشيراً إلى «اللحظة المهمة التي نلتقي فيها للتواصل، تلك اللحظة التى نسعى إليها في هيئة قصور الثقافة باعتباركم المحرك الأساسي، فأنتم ملح الأرض، وأنتم تدركون الخطر المحيط بنا من كل جانب، ومن هنا من قلب أسيوط نعلن جميعاً أن مصر عصية على أي تفكك وأن التنوع الثقافي الرائع الموجود في 139 نادياً أدبياً يضم 3000 أديب وشاعر هو قوة مصر الناعمة والضاربة، وأنكم القوة الحقيقية لمصر وضميرها … ».
عُقدت الجلسة البحثية الأولى تحت عنوان «الآخر… إشكالية المصطلح ومعوقات الخطاب الثقافي»، شارك فيها د. نادر عبدالخالق، د. منير فوزي، محمود أحمد، د. محمود إسماعيل، وأدارها د. إسماعيل عبد الفتاح، ونوقش بحث د. محمود إسماعيل «مصطلح الآخر بين مخيال العرب وثقافة الغرب» الذى أوضح فيه أن مصطلح «الآخر» مراوغ وفضفاض، فسمة المراوغة تتأكد من كونه يعنى «الأنا» الأولى التى تتحول إلى «غير» بطبيعة الحال، أما عن كونه «فضفاضاً»، فيرجع إلى طبيعة العلاقة بين الأنا والآخر، إذ تحتمل صوراً متعددة، واحتمالات شتى، فقد تكون علاقة تجانس ووفاق، أو اختلاف قد يفضي إلى «الحوار» أو يقود إلى الصراع، كما تم تناول المصطلح في تاريخ الفلسفة والعلم معاً. وناقش د. نادر عبدالخالق في بحثه «إشكالية المصطلح النقدي» قضايا المصطلح النقدي الأدبي إذ يمثل المصطلح معياراً أساسياً للفهم الدقيق لنظرية نقدية وأدبية معينة تلح على صاحبها عند قراءة النصوص التي تمثل ظاهرة موضوعية فى الواقع الأدبي والاجتماعي في زمن ما، موضحاً أن هذه النظرية طريقة ما للتطبيق العلمي الفني المتخصص في إطار فكرة نقدية، قد تبدو جامدة ومراوغة أحياناً، وتبدو ذات سمات فنية تحتاج إلى المزيد من الجهد والتدريب في تحقيق أهدافها ونتائجها، كما تناول البحث تاريخ المصطلح النقدي في العالم العربي القديم والحديث.
عنوان الجلسة البحثية الثانية كان «دور الثقافة في التواصل العربي والأفريقي»، وشارك فيها د. مدحت الجيار ود. مصطفى يسري عبدالغني وأدارها د. أحمد عبداللطيف، وناقشت «معوقات الخطاب الثقافي الراهن»، وأشار الباحث د. نادر عبدالخالق إلى تاريخ البلدان العربية التي أقامت علاقات متعددة الجوانب مع فرنسا خارج الاحتلال، وبعضها أقام علاقاته من خلال فترات الاحتلال الفرنسي له، كما حدث في الشام والمغرب العربي، ومع ذلك احتفظت تلك البلدان بهويتها العربية وإن اهتمت بالثقافة واللغة الفرنسية وقبلت أن يكون على أرضها معاهد وجامعات فرنكفونية، بل خصصت في كليات جامعاتها أقساماً للغة الفرنسية وآدابها تدعيماً للعلاقات بين كل بلد على حدة وبين فرنسا.
البحث الثاني دار حول «الأدب والصراع الاجتماعي… ثلاثية جميل عطية إبراهيم نموذجاً» للأديب د. علاء الدين سعد، متناولاً الأوضاع التي كانت تعانيها منها جموع الشعب المصري قبل الثورة، والتطورات التي لحقت به عقب الثورة مباشرة وبعد فترة أطول. توصل البحث إلى أن ثورة 1952 أحدثت انقلاباً في بيئة المجتمع المصري، وقد نجحت في تحقيق الكثير من الأهداف التي أعلنتها، غير أنها وقعت في إخفاقات كثيرة.