تألق أبطال العالم في أحضان أوروبا بعد التتويج في ماراكانا

لحظة تاريخية لماريو غوتزه بعيد دخوله إلى المستطيل الأخضر في البرازيل، واحتفالات صاخبة في ريو، ودموع فرح باستيان شفاينشتايغر، ورفع فيليب لام الكأس عالياً بين جنبات ملعب ماراكانا. تلك هي مجموعة من اللحظات التي خلدها التاريخ في أذهان عشاق المستديرة الساحرة خلال السنة المنصرمة، وبخاصة في كأس العالم 2014 في البرازيل. ذكريات تتراوح بين السعادة البالغة وخيبة الأمل بحسب الفريق المفضل لدى جماهير المستديرة الساحرة.

بالنسبة لعشاق الماكينات، وضع النصر في ريو حداً لفترة انتظار امتدت 24 سنة لنيل اللقب العالمي الرابع. وخلال هذه السنوات، كاد الألمان في مرات عدة أن يعتلوا منصة التتويج، لكنهم لم ينجحوا في ذلك إلا على التراب البرازيلي. وقال عن ذلك المدرب يواكيم لوف: «أتى عهدنا». لكن كيف هي حال الكرة الألمانية؟

باستثناء بعض النجوم الأساسيين، تعثّر المنتخب الوطني منذ أن أثبت بجدارة موقعه على العرش العالمي. وعلى مستوى الدوري الألماني، بدا واضحاً أنه تلقى دفعة كبيرة للأمام عقب تتويج الماكينات في أرض السامبا، ولذلك تسلّطت الأضواء أكثر على العديد من اللاعبين الذي نالوا ذهب كأس العالم وكتبوا أهم القصص الكروية حتى الآن في الموسم الكروي 2014/2015.

وإليكم حال النصف الأول من الدوري الألماني من وجهة نظر اللاعبين الألمان الدوليين الذين خاضوا مجريات البرازيل 2014.

البايرن محلقاً ودورتموند متهاوياً

بعد 25 سنة على سقوط جدار برلين، فازت ألمانيا باللقب العالمي الأول لها منذ إعادة اتحاد شطريها. وبالنسبة إلى بايرن ميونخ، الذي استهلّ الموسم بإجمالي 12 لاعباً من أبطال العالم، فقد نال وبكل جدارة لقب «بطل الخريف» الفخري. قد يعتقد البعض أن هذا إنجاز عاديّ، إلا أن الأرقام والإحصاءات تشير إلى غير ذلك. حيث تتصدر كتيبة بيب غوارديولا الترتيب في البوندسليغا بإجمالي 11 نقطة عن أقرب منافسيها، بينما لم تتجرع حتى الآن مرارة الهزيمة على الإطلاق، وهو أمر لا يمكن التقليل من شأنه على الإطلاق. كما أنه وفي ثلاث مناسبات فقط بعد النسخ الاثنتي عشرة السابقة من كأس العالم ـ أي منذ عام 1966 ـ لم يتجه النادي البافاري إلى فترة الراحة الشتوية متصدراً ترتيب الدوري المحلي، كما لم يسبق له على الإطلاق أن قام بذلك بعد تتويج الألمان بالذهب.

وإن كان بايرن ميونخ يحقق النجاح تلو الآخر، فإن خصمه الأزلي، بروسيا دورتموند، يعيش كابوساً في أعقاب المشوار البرازيلي المظفر، حيث يتقهقر في المركز ما قبل الأخير بعد خوض 17 مباراة. أي أن بروسيا يجد نفسه حالياً في موقع الهبوط مع انتصاف المشوار في الموسم الحالي، وذلك للمرة الأولى منذ 30 سنة رغم أنه توجد في تشكيلته مجموعة من لاعبي المنتخب الألماني الذي رفع الكأس في ماراكانا، وهم ماتس هاملز ورومان فيدنفيلر وكيفين غروسكيروتز وماتياس جينتر وإيريك دورم. أما الإصابة المتكررة لماركو ريوس، التي أجبرته على الابتعاد من كأس العالم قبل ساعات من توجّه الفريق إلى البرازيل، فلا بدّ من أنها ساهمت في المصاعب التي يتعرّض لها دورتموند حالياً، بحيث أنه لم يخض سوى سبع مباريات في الموسم الحالي. وقد استفاد فولفسبورغ من تعثّر كتيبة يورغن كلوب ورسّخ نفسه كأبرز المنافسين للبايرن على صدارة ترتيب الدوري.

غوتزه يتفوّق

فازت ألمانيا بما هو أكثر من الذهب في الصيف، فقد نالت الكثير من الإشادة على أسلوب اللعب، وهو ما جرى أيضاً في جنوب أفريقيا 2010. ولذلك لم يكن من المفاجئ صعود نجم عدد من المهاجمين في أعقاب التألق في المهرجان الكروي الأهم. وما من شكّ أن أبرز هذه الأسماء كان ماريو غوتزه الذي برز اسمه بعد الأداء المذهل في البرازيل وتسجيله هدف الفوز في شباك الأرجنتين. أما توماس مولر، الذي نال جائزة حذاء adidas الفضي، فقد أثبت هو الآخر علوّ كعبه. فقد أبان هذان النجمان عن قوة تهديفية مذهلة فسجل كل منهما سبعة أهداف ـ وهو إنجاز لا يتقدم عليهم فيه ضمن كتيبة البايرن إلا القناص آريين روبن الذي فاز بكرة adidas البرونزية وهو الذي سجل عشرة أهداف في هذا الموسم من الدوري الألماني حتى الآن.

وعلى خط الدفاع، قدّم جيروم بواتينغ أداء ممتازاً في المراحل الأخيرة من كأس العالم. وعلى المستوى نفسه من التألق هناك مانويل نوير، الذي تم تكريمه بجائزة قفّاز adidas الذهبي، في الصيف، والذي لم يدخل شباكه سوى أربعة أهداف في 17 مباراة هذا الموسم. ويعود الفضل الكبير في ذلك إلى خطّ الدفاع الذي يتقدمه بواتينغ ابن السادسة والعشرين. لكن ذلك لا يقلل من شأن حامي العرين هذا الذي ظهر اسمه بين العملاقين ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو في السباق على نيل جائزة كرة FIFA الذهبية.

حظوظ متباينة لدى قائدي المانشافت

أما قائدا المانشافت خلال عام 2014، فقد واجها حظوظاً متباينة في نهاية السنة. فبعد أشهر قليلة من اعتزال كرة القدم الدولية، تعرّض فيليب لام، الذي حمل شارة القيادة في المغامرة البرازيلية، لإصابة خطرة في كاحله الأيمن وهو ما جعله يبتعد من المستطيل الأخضر لأشهر عدة. أما خلفه في قيادة المنتخب، باستيان شفاينشتايغر، فقد توجّب عليه الانتظار حتى أواخر تشرين الثاني للعودة إلى الملاعب بعد لقاء النهائي في ريو، وذلك بسبب إصابة في الركبة. إلا أن نجم خط الوسط، أثبت علوّ الكعب منذ العودة للمستطيل الأخضر وختم السنة بشكلٍ مشرّف بهدف رائع من ضربة حرة في شباك ماينز. ولا يبدو عشاق البايرن مخطئين في الرغبة العارمة بمزيد من المشاركات بين الثنائي المكوّن من شفاينشتايغر وزميله في خط الوسط وسلفه في نيل اللقب العالمي تشابي ألونسو، الذي كان له دور كبير في تربع الإسبان على العرش العالمي عام 2010.

كرامر إلى النجومية

كريستوف كرامر هو لاعب آخر رفعت بطولة الصيف من أسهمه، إلا أن ذكرياته من البرازيل غير واضحة المعالم. فبعد استبعاد سامي خضيرة من موقعة النهائي، أدخل الشاب كرامر خطّ الدفاع في خامس مباراة دولية له وثاني لقاء فقط يخوضه كلاعب أساسي بحيث أوكلت إليه مهمة عسيرة وهي الوقوف في وجه ليونيل ميسي وزملائه. لكن بعد مرور نصف ساعة على انطلاق المباراة، استبدل ابن الثلاثة والعشرين ربيعاً نتيجة إصابته بارتجاج في الدماغ. وقال عن متابعته عبر التلفزيون لمجريات النهائي في ماراكانا إنها كانت تجربة «غريبة»: «أستطيع أن أرى نفسي، ولكن لا أشعر بشيء أبداً، لا شيء على الإطلاق».

لكن النصف الأول من الموسم، لا بدّ أنه حمل الكثير من الذكريات الجيدة بالنسبة إلى كرامر. فقد رسّخ مكانه كأحد أفضل الأسماء من الجيل المقبل للاعبين الألمان بعروضه المميزة مع صاحب المركز الرابع في الترتيب العام، بوروسيا مونشنغلادباخ، الذي يحدوه أمل التأهل للنسخة المقبلة من دوري أبطال أوروبا. ومن يمكن له أن ينسى هدفه الغريب في شباك فريقه على طريق الخطأ على بعد 45 ياردة من المرمى في اللقاء الذي انتهى بالهزيمة 1-0 على يد دورتموند؟ وعلى كل الأحوال، يبدو أن كرامر قادر على إثبات مهارته في كل السيناريوهات مع ابتسامة ترتسم على مُحياه.

موسم حافل أيضاً خاضه شكودران مصطفي الذي ظهر اسمه في تشكيلة المانشافت المتوجه للبرازيل في اللحظات الأخيرة. وعقب المساهمة الصغيرة في المغامرة على تراب أميركا الجنوبية، انتقل إلى فالنسيا حيث أثبت مهاراته كلاعب أساسي في صفوف ناديه الجديد. وفي حديثه لموقع «فيفا»، قال ابن الثانية والعشرين: «عشتُ في غضون سنة ما يختبره معظم اللاعبين على مدى سنوات عدة من مسيرتهم».

تألق كروس بين الكبار

ألماني آخر شدّ الرحال إلى إسبانيا في الصيف ويبدو أنه يعيش فترته الذهبية. فقد شهد كأس العالم تحوّل توني كروس إلى صانع الألعاب في الكتيبة الألمانية: وبفضل أدائه الذي تُرفع له القبعات، احتل مركزاً بين الصدارة في مؤشر Castrol وأتى انتقاله إلى ريال مدريد ليكون بمثابة فرصة للتألق أكثر وأكثر، ليصبح بسرعة أحد أعمدة النادي الملكي بطل أوروبا.

وإلى جانب زميله خضيرة، رفع كروس أخيراً ثاني ألقابه العالمية لعام 2014. وقال نجم خط الوسط السابق في صفوف بايرن ميونيخ عقب التتويج بالذهب في كأس العالم للأندية 2014 في المغرب: «إنها نهاية رائعة لسنة مثيرة». ورغم أن هذا الثنائي كان يرتدي في تلك المناسبة قميص النادي وليس المنتخب الوطني، إلا أن ذلك كان بمثابة مسك ختام لسنة كروية ألمانية من دون منازع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى