المصالحة المصرية ـ التركية
حميدي العبدالله
التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الأتراك في الأيام القليلة الماضية عن رغبة أنقرة في تحسين العلاقات مع مصر، أوحت لكثير من المحللين باحتمال إنجاز مصالحة مصرية ـ تركية قد تعيد العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، بل إنّ بعض المحللين ذهب بعيداً وتحدث عن تحالفات جديدة في المنطقة، فهل ثمة فعلاً مصالحة مصرية تركية في الأساس؟
التصريحات التركية التي أفصحت عن رغبة أنقرة في تحسين العلاقات مع جمهورية مصر العربية، جاءت بعد زيارة قام بها أمير قطر إلى تركيا، والأرجح أنّ هذه التصريحات هي ثمرة لمحاولة بذلها الأمير القطري لإقناع المسؤولين الأتراك بذلك. فهناك عاملان أساسيان دفعا قطر إلى بذل مساعٍ لإقناع تركيا بالانفتاح على مصر والتخلي عن موقفها السلبي من نظام الحكم القائم الآن، والعاملان هما:
ـ العامل الأول، رضوخ قطر للضغوط الخليجية وقطع علاقاتها مع جماعة «الإخوان المسلمين» ووقف دعمها السياسي والإعلامي والمالي العلني الذي تقدمه لهذه الجماعة، ولا سيما فرعها المصري. وواضح أنّ مهمة إيواء قادة «الإخوان» وتقديم الدعم لهم، أوكلت إلى تركيا التي استضافت قادة «الإخوان» الذين أبعدوا من قطر، وأيضاً دشنت إطلاق أول فضائية باسم «مصر مباشر» لتكون بديلاً عن قناة «الجزيرة مباشر» التي كانت تبث من قطر وكرّست كلّ أخبارها دعماً لجماعة «الإخوان المسلمين» والتحركات التي تقوم بها هذه الجماعة على امتداد الأرض المصرية.
وفي تقدير قطر أنّ تركيا لن تكون قادرة على الاحتفاظ بعلاقات طيبة وإيجابية معها إذا استمر العداء ضد مصر على ما هو عليه الآن، إذ إن الدول الخليجية وكذلك مصر، ستضع قطر من جديد أمام خيارات صعبة، فإما تغليب علاقاتها التحالفية مع تركيا، وبالتالي تحمل تبعات ذلك خليجياً وعربياً، وإما الابتعاد عن تركيا. ولكي لا تصل الدوحة إلى اعتماد واحد من هذين الخيارين الصعبين، لجأت إلى إقناع المسؤولين الأتراك بإطلاق تصريحات تعكس نيّة أنقرة تحسين علاقاتها مع مصر.
ـ العامل الثاني، تركيا باتت معزولة عربياً وحتى دولياً، ومن شأن هذه العزلة أن تؤثر على مكانتها السياسية، كما أنّ الاقتصاد التركي سوف يتأثر سلباً. كان من الممكن أن تتعايش أنقرة فترة أطول مع هذه العزلة، لو أنّ علاقاتها المتدهورة اقتصرت على دول جوار تركيا، مثل سورية والعراق واليونان وأرمينيا، ولكن إذا ما اتسع العداء والتدهور ليشمل مصر أكبر دولة عربية، ودول الخليج حيث ثمة مصالح اقتصادية حيوية، وفي ظلّ تدهور علاقات تركيا مع الغرب بعد خرقها لمعايير الاتحاد الأوروبي، فإنّ الوضع يصبح كارثياً، وقد يطيح بحكم حزب العدالة والتنمية، والأرجح أنّ أمير قطر أسدى النصح إلى حلفائه في أنقرة لتليين مواقفهم، لكي لا تغرق السفينة ويدفع الثمن جميع راكبيها.
لكن المواقف التركية إزاء مصر لم ترق بعد إلى مستوى المراجعة الجدية للسياسة الخاطئة، وبالتالي الأرجح أنّ هذه التصريحات حول تحسين العلاقات هي أقرب إلى حملة العلاقات العامة منها إلى المصالحة الفعلية.