مصر ـ السعودية ـ روسيا… مصداقية الدور!
محمد ح. الحاج
هل وصلت الأوضاع الداخلية في مصر إلى الحالة التي تسمح لحكومتها بلعب دور ما في محيطها العربي بما يخدم مصالح الأمن القومي المصري؟
بعد صمت دام أكثر من سنوات ثلاث تخللها هجوم شديد على النظام في سورية، زمن حسني مبارك وزمن محمد مرسي، اليوم يعود صوت مصر ليرتفع من جديد متحدثاً عن القضية السورية، والحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً من منطلق الحفاظ على سلامة الأمن القومي المصري، وهكذا بدأت عجلة الديبلوماسية المصرية بالتحرك، دعوات للمعارضات، الداخلية والخارجية، وأقنية اتصال متنوّعة مع رموز من الدولة السورية، رسميّين أو من حواشي السلطة، رغم عدم قناعة الكثير من المحللين السوريين بأنّ ما قيل عن زيارة لأحد أبناء عمّ الرئيس الأسد إلى القاهرة له علاقة أو صلة بمهمة رسمية، وقد تكون مصادفة، الأمر الذي أكده أكثر من طرف من أطراف المعارضة المتواجدين في القاهرة، ولم يؤكده أيّ من المسؤولين المصريين، أما من الجانب السوري فليس هناك من سابقة تمّ فيها تكليف أحد من أقارب الرئيس بمهام سياسية اقتصرت في الماضي، ولم تزل، على مسؤولي الخارجية أو أحد المستشارين في القصر الجمهوري.
التحرك المصري الذي كان متوقعاً قبل زمن، جاء ولو متأخراً مع ما يُقال إنه من دون تنسيق وربما بتوافق مع التحرك الروسي الذي لم يتوقف، والذي بلغ أوجه في الربع الأخير من العام الحالي، فهل هذا التحرك المصري لتسجيل موقف حتى لا يُقال إنّ مصر التزمت موقف المتفرّج تجاه مشكلة الشريك الأساس في حرب تشرين التي أعادت للعرب بعضاً من الكرامة، والتي لعب فيها السلاح الروسي، والدعم الروسي الدور الأهمّ، أم هو نتيجة الانفراج في الوضع الداخلي المصري واستتباب السلطة الجديدة رغم المشاكل الأمنية وحراك «الإخوان المسلمين» المدعومين من قطر، ولكن ماذا عن الدور السعودي والموقف من سورية، وهو الموقف الأشدّ عدائية والأكثر دعماً وتمويلاً وتسليحاً وتحريضاً لأغلب التنظيمات المسلحة بما فيها «داعش» و«النصرة»، رغم التبدل الطارئ والذي لا يتجاوز الشكل في انضمام السعودية إلى التحالف الذي أعلن الحرب على «داعش» و«النصرة» باعتبارهما تنظيمين إرهابيين، وتهديدهما المباشر للسعودية وأمن الخليج بشكل عام. وهل يمكن لمصر تجاهل هذا الموقف والرغبة السعودية في إسقاط نظام الرئيس الأسد؟
الموقف المصري المعلن بشكل غير رسمي حسب ما جاء على لسان المحلل السياسي في الأهرام أسامة الدليل هو على مسافة واحدة من المعارضة والنظام في سورية، وهو لا يتبنّى المعارضة، ولا يدافع عن النظام، وإنما يدعو إلى حوار بين كلّ الأطراف على قاعدة أنّ الحلّ هو سياسي ولن يكون غير ذلك، وهذا الموقف هو أقرب إلى الموقف الروسي، بل قد يتطابق في الرؤية أيضاً مع الموقف الإيراني مع فارق أنّ الأطراف الأخرى تعتبر الجانب الإيراني طرفاً في المشكلة وليس طرفاً في الحلّ، تماماً كما ينظر السوريون، أو أغلبهم إلى أنّ السعودية طرف في المشكلة ولا يمكن أن تكون طرفاً في الحلّ بعد تبنّيها الموقف الأميركي القائل باستمرار دعم وتدريب وتمويل الأطراف «المعتدلة» في المعارضة السورية، وهي أطراف غير قابلة للتحديد أو التعريف بعدما انفرط عقد ما يُسمّى تشكيلات «جيش حر» والتحق أغلبها بـ«النصرة» كما في إدلب وريفها وريف حماه، أو البعض الذي التحق بـ«داعش» في مناطق شمال وشرق حلب ومحيط دير الزور وأماكن أخرى في حوران والجولان، الولايات المتحدة وحلفاؤها سيقفون عاجزين بالتأكيد عن تحديد بنية وشكل ما يُسمّونه «فصائل المعارضة المعتدلة»، والتي لا يمكن لها أن تقوم على إدارة معسكر لا تتجاوز مساحته مساحة قرية ريفية صغيرة، وتبقى المشكلة الأكبر، التي تشكل حجر عثرة في طريق أيّ حوار للوصول إلى حلّ هو الموقف التركي القطري المتحالف مع «الإخوان»، والداعم للجناح العسكري التابع لهم والذي لا يمكن فصله عن «النصرة» و«داعش»، سواء كان تحت مُسمّى» جيش الإسلام» أو «جيش الرسول» أو غير ذلك… تسميات ومواقف متناقضة، متنافرة لا يمكن الجمع بينها، وفي راهنها لا تسمح لأيّ حوار أن يجد قواسم مشتركة، طالما لم تصل إلى تعريف موحد للإرهاب وتبتعد عن ازدواجية المعايير واختلاف النظرة إلى كلّ ما يحصل على أراضي العراق وسورية ولبنان، أو ما يهدّد أمن بقية الدول العربية.
الموقف المصري المرحّب به من أطراف المعارضة السورية الداخلية بشكل عام، وبعض المعارضات الخارجية، مع قبول ضمني رسمي سوري، قد يحقق النجاح إذا اقترن بتنسيق وتعاون روسي إيراني، ومشاركة أميركية قد تحدّ من الجموح التركي القطري الذي تحرّكه مصالح اقتصادية معروفة تتناقض مع المصالح الروسية والإيرانية، أما المتضرّر الأكبر فهو مجموعة الدول الأوروبية بنسب متفاوتة، وقد يكون النجاح حليفاً لكثير من الحلول المرتقبة إذا توصلت الدول الكبرى والإقليمية الفاعلة إلى اتفاق بشأن خطوط النفط والغاز والحصص والضمانات وكلّ ما يتفرّع عنها، ومن الخطأ تصوّر أنّ القضايا الخلافية والأحداث القائمة المفتعلة لها علاقة بأيّ من القضايا التي يتحدث عنها الغرب وأزلامه والدول التي تدور في فلكه من حقوق إنسان أو حريات أو ديمقراطية أو غيرها، وتبقى كلها شعارات للمتاجرة والتداول في السوق العلنية لتحريك الرأي العام المحلي واستغلاله على المستوى العاطفي بكلّ أنواعه الديني المذهبي القبلي العرقي.. الخ بعيداً عما تضمره الدول التي تقف وراء الأحداث والتي تستثمرها لمآرب ومصالح شخصية.
ما الذي تحمله معها الأيام القادمة من العام الجديد 2015، وهل يحق للمواطن على مساحة العراق والشام أن يتفاءل بعودة الأمن والحياة شبه الطبيعية، وانتهاء مرحلة التهجير والخوف والنزوح الداخلي علماً أنّ الشرخ في البنية الاجتماعية من الصعب جداً التنبّؤ بالزمن اللازم لترميمه واندمال جروحه العميقة ونسيان ما حصل، وما زال يحصل حتى الساعة.