بحثاً عن ابتسامة في زمن الحزن والغمّ والكآبة 3

جورج كعدي

نظر فرويد إلى الدعابة بكونها من أرقى إنجازات الإنسان النفسيّة، فهي تصدر على ضوء تصوّره التحليليّ عن آليّة ميكانيزم نفسيّة دفاعيّة تواجه العالم الخارجيّ المهدّد للذات وتحوّل حالة الضيق إلى حالة من الشعور بالمتعة. ونقع على كتابات فرويد حول الدعابة والفكاهة والضحك في مصدرين أساسيّين هما: كتابه الذي يحمل عنوان «النكات وعلاقتها باللاشعور» Jokes and their relation to the unconscious 1905 ومقالته القصيرة تحت عنوان «الدعابة» Humor 1928 ، مميّزاً بين ثلاث فئات من الخبرات المبهجة هي: النكتة Joke Witz بالألمانية، وتُترجم من غير دقّة إلى Wit بالإنكليزيّة، علماً أنه معنى أقرب إلى الدعابة الذكية أو اللطيفة . وهناك الأمر المضحك Comi، والدعابة Humor. وتنطوي كلّ فئة منها على طاقة نفسيّة مقتصَدة غير مستخدمة في الحالات المألوفة، فتبدّد هذه الطاقة على شكل ضحك. وتنشأ المتعة أو اللذّة بحسب فرويد عن ذاك الاقتصاد في الطاقة التي كانت لتُستخدم في كبت الغرائز العدوانيّة والجنسيّة. لذا فإنّ متعة الدعابة تنجم عن التوفير في الطاقة المبدّدة في الانفعالات عامّةً.

تفيد النكات من بعض التقنيات المعرفيّة اللاشعوريّة بخاصة المتعلّقة بوظيفة النكتة أو نشاطها مثل الإحلال أو الإبدال والتكثيف وغيرهما، ما يسمح للمرء بالتعبير عن دوافعه أو اندفاعاته اللاشعوريّة التي غالباً ما تكون ذات طبيعة عدوانيّة أو ذات طبيعة جنسيّة، وغالباً ما تُكبت تلك الدوافع في مواقف الحياة اليوميّة العاديّة، إنّما لدى الاستماع إلى النكات تغدو تلك الطاقة المكرّسة للجم الغرائز البدائيّة الجنسيّة والعدوانيّة طاقة فائضة حين يكتشف المرء أن لا حاجة إلى كبت التعبير عن تلك الغرائز، فالتعبير هنا غير واقعيّ وغير مهدِّد للأنا. هو بمرتبة اللعب الذهنيّ الذي تُبدّد فيه الطاقة الفائضة غير المستخدمة كبتاً ولجماً على شكل ضحك. ويُلحظ هنا تأثّر فرويد الجليّ بفكرة كانط حول التوقّع الشديد المقرون بالتوتر والمفضي ختاماً إلى «لا شيء»، كذلك إشارته إلى الحركات الجسديّة المرافقة للتوتّر المفضي إلى الاسترخاء المفاجئ خلالها حين ينتهي التوتر إلى «لا شيء» إلى حصول الضحك.

الدعابة في نظر فرويد هي نشاط خاص للأنا العليا التي تحاول تخفيف حالة القلق التي تشعر بها حالة الأنا، فتؤكد هذه الأنا العليا للأنا قائلة: «انظري، هذا كل ما يساويه هذا العالم الذي تحدق به الأخطار، على ما هو جليّ، إنّه مجرّد لهو أطفال، أمر لا يستحقّ إلاّ أن نضحك منه». والعمليّة الأساسيّة في النكتة هي «التكثيف المرفق بتكوين بديل»، وقد يكون هذا البديل كلمة مركّبة، كما في حالات النكات القائمة على الربط بين الكلمات المنفصلة وفي كلمة واحدة مركّبة، بيد أن التكثيف أو الإيجاز ليسا كافيين في ذاتهما لإنتاج النكتة، فالإيجاز الخاصّ بالنكتة ـ بحسب فرويد ـ ينبغي أن يكون من نوع محدّد، نتيجة التكوين اللفظيّ للكلمات، أي محصّلة تلك العمليّة الخاصة بتكوين البديل. تعتمد النكتة تماماً على التعبير اللفظيّ الذي تنشأ أسسه خلال عمليّة التكثيف. تشيكوف بدوره يعتبر «العبقريّة بنت الإيجاز» وهذه مقولة تصحّ كذلك لدى فرويد مفسّراً نهوض النكتة على أساس الإيجاز، ومميّزاً بين نوعين من النكتة، اللفظيّة Verbal، والتصوّريّة Conceptuel… نتابع لاحقاً الغوص في نظرية فرويد المثيرة، تاركين ختام هذه الحلقة لطرائف مختارة .

قال العالم الروسيّ مولوتوف لستالين ذات يوم: إنّ علماءنا اكتشفوا أمراً غريباً وعظيماً: آدم وحواء كانا روسيّين. إنّ الوقائع تتحدّث عن نفسها، فآدم وحوّاء كانا حتماً روسيّين إذ لم يكن لديهما ثياب، ولا مأوى، وكانا يقتاتان بالتفاح… ويعتقدان أنّهما في جنّة الفردوس!

دعت إحدى سيّدات المجتمع الموسيقيّ فيردي لتسمعه عزف إبنتها على البيانو وكانت شديدة الإعجاب والاعتداد بها. ولمّا أنهت الفتاة العزف سألت الأم مؤلّف أوبرا «عايده» رأيه فأجابها: يبدو، سيدتي، أنّك أنشأت إبنتك تنشئة محض دينيّة، فإنّ يدها اليسرى لا تدري ما تفعله يدها اليمنى!

يقول مارك تواين: يدع لك اللصّ مجال الاختيار بين محفظتك وحياتك، أمّا المرأة فتطالب بكلتيهما.

لفرنسوا بيرييه هذا القول: السرير هو أخطر مكان في العالم، فعليه يموت أكثر من تسعين في المئة من الناس!

سأل سائح أميركيّ شاء عبور بحيرة طبريّا مالك الزورق: كم أجرة عبور البحيرة بزورقك؟ أجابه: مئتا دولار! ردّ السائح: إنه مبلغ مرتفع… فأردف مالك الزورق: قد يكون، سيّدي، مبلغاً مرتفعاً، لكن تذكّر أنّها بحيرة تاريخيّة وأنّ السيّد المسيح سار فوق مياهها، فقال السائح: لا عجب، فهو إذ ألفى أجركم الفاحش فضّل اللجوء إلى وسائله الخاصة!

لابن الرومي بيتان من الشعر في أحد البخلاء:

يقتر عيسى على نفسه

وليس بباقٍ ولا خالد

فلو يستطيع لتقتيره

تنفّس من منخر واحد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى