ثقافة السلام
رولان رياض مشوح
كلّما تعمّقنا أكثر في المفردات الثقافية وجدنا مفردات غنيّة وذات قيمة كبيرة للفرد والمجتمع. وتزامناً مع مولد سيدنا المسيح المخلص عيسى عليه السلام ومولد شفيع الأمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم اللذين أرسلا رحمة للعالمين وحملا رسالة إلى العالم… السلام، آثرنا التحدّث عن ثقافة الحب والسلام.
لعلّ السلام مثلما يعرفه العالم بأسره حالة يخلو فيها العالم من الحروب والنزاعات، أو هو حالة من الأمن والاستقرار تسود العالم وتتيح التطوّر والازدهار للجميع.
قد يبدو ذلك بعيد المنال، إذ لا تخفى حالة العالم اليوم على أحد، ولكن من منا لا يتوق إلى الأمن والسلام، فأين نحن منهما؟
السلام الحقيقي الذي تعززه المحبة هو أصل كلّ حضارة وكلّ تقدّم، بعيداً عن أشكال العنف كافة، فللعنف أشكال مختلفة لا تقتصر على الحروب والنراعات المسلحة، بل نشهد أنواعاً للعنف مثل العنف الجنسي، واحتقار الرجل للمرأة، وتمجيد القوة والذكورة، والعنف الاقتصادي الذي يمنع الفرد أو المجتمع من أن يكون منتجاً وينهب ثرواته وأمواله ليحوّله إلى مجرّد مستهلك، والعنف العرقي والقومي الذي يستبيح الشعوب الضعفيفة أو الأقليات أو القوميات التي تعتبر أدنى مرتبة، والعنف الثقافي الذي يمنع مجتمعاً ما من التعبير عن خصوصيته الثقافية ومن النطق بلغته ومن التفتح والتعلم والتطور، والعنف الذي يمنع حرية المعتقد وممارسة الشعائر، ويمنع العمل السياسي، ويفرض قيمه ومعاييره.
لا يمكن لأيّ منا أن يدير ظهره اليوم لما يحدث في أيّ مكان في العالم، كما لا يمكن لأيّ منا أن يدير ظهره لما يحصل لأخيه الإنسان، فلم يبق مقبولاً تجاهل المجاعة والمرض والظلم والاضطهاد والقمع والمجازر والحروب والتطهير العرقي، ولا يمكن السكوت عن أيّ أذى يلحق بكوكب الأرض الذي نعيش عليه، فما يرتكب في حق الإنسان يرتكب في حق كلّ منا، وما يرتكبه الإنسان يرتكبه كلّ منا.
لا يمكن أن نفصل بناء عملية السلام عن ثقافة السلام، فثقافة السلام تمنع نشوء النزاعات أو تجعل حلّها ممكناً بالطرائق السلمية من دون اللجوء إلى العنف. ثقافة السلام تغيّرنا من الداخل، وصولاً إلى حالة يتحلّل فيها العنف كي يعبّر الإنسان عن طبيعته الجوهرية التي تضعه على سكة التطور الطبيعي نحو غاية الوجود.
كلمة حق تقال: إنّ ثمة نقصاً مفضوحاً في أدوات ثقافة السلام، وما لم نجنّد للسلام وسائله سيظلّ العنف سبيلاً لحلّ نزاعاتنا، ولعلّ من الضروري أن نتبنّى ثقافة السلام مكان ثقافة العنف ونجعل السلام والمحبة جزءاً حيوياً واستراتيجياً من شخصيتنا ومعيشتنا وثقافتنا وعلاقاتنا، فنجد ذاتنا في السلام واللاعنف، بحيث يكون التنازل عنهما بمثابة التنازل عن الحياة والعيش. ومن المؤكد أن علينا جميعاً العمل لأجل سلام حقيقي، وعلينا أن نحقق ذلك من خلال العمل الجادّ والمستمر بلا ملل أو كلل ومن غير أن نترك لليأس مكاناً في نفوسنا.
تبدو آفاق السلام بعيدة، لكننا نسير نحوها بخطى ثابتة ومتسارعة، فثقافة السلام تضع أسس البقاء والاستمرار والالتقاء والتطور.
الحروب ليست من صنعنا، ومستقبلنا هو السلام. ثقافة السلام تنتظر مساهمة الجميع، ويقول روزفلت: «لا يكفي الحديث عن السلام بل يتوجب الإيمان به، كما لا يكفي الإيمان بالسلام بل يتوجب العمل لأجله».
الصورة واضحة وجليّة، وتحمل لكلّ إنسان مبتغاه، السلام، كمطلب عالمي نسعى جميعاً إليه، ونأمل في تحقيقه وفي رؤية منعكساته الإيجابية على البلدان والشعوب.
محامية