جليد العقوبات الغربية يجمّد طرق التواصل مع روسيا

واجه الاقتصاد الروسي عام 2104 تحديات عديدة كان بعضها متعلّقاً بهيكلية الدولة الروسية واعتمادها على عائدات النفط، فيما ارتبط البعض الآخر بأسباب وعوامل خارجية، لا سيّما العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتّحدة الأميركية وأوروبا، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط وتأثيره على أرباح روسيا في قطاع الطاقة وعلى قيمة الروبل.

لكن في المقابل، استطاعت القيادة الروسية تحقيق إنجازات استراتيجية عبر اتخاذ قرارات جريئة، والمضي في اتفاقات إقليمية من شأنها أن تعزّز موقع روسيا في الأسواق العالمية، وذلك عبر التوقيع مع الصين أكبر اتفاقية غاز والتي بلغت 400 مليار دولار، وأتت ضمن سياسة عدم الارتكاز على الأسواق الأوروبية، كما نجحت روسيا في الالتفاف حول بلغاريا والاتفاق مع تركيا لتصدير الغاز عبرها إلى اليونان وباقي الدول الأوروبية، إضافة إلى قرارات شجاعة نصّت على البحث عن أسواق جديدة لاستيراد حاجاتها، لا سيّما من المواد الغذائية.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أشار إلى أنّ العقوبات لن تجدي نفعاً، وما توجّه أميركا لرفع الحظر عن كوبا، إلا دليل قاطع على أنّ هذه السياسة قد أصبحت من الماضي، ولا تبني أي مستقبل.

تعرض الاقتصاد الروسي خلال عام 2014 لمواقف مثيرة تميزت بسلبيتها أبرزها العقوبات الغربية التي فرضت على مراحل بحجة تدخل موسكو بالأزمة الأوكرانية.

وبدأت العقوبات الغربية على مراحل منذ آذار الماضي، حينها اختارت واشنطن وبروكسيل التصعيد مع روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، وعدم اعترافهما بنتائج استفتاء شعبي أيد خيار عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وتم فرض حزمة أولى من عقوبات شملت تجميد أصول وحظر سفر بعض الأشخاص الروس والأوكرانيين إلى الدول المشاركة في العقوبات، بحجة علاقتهم بالأزمة الأوكرانية، إضافة إلى تجميد محادثات بين الغرب وروسيا حول ملفات عسكرية وأخرى تتعلق بالاستثمارات، وأعلنت الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن تعليق مباحثات انضمام روسيا للمنظمة.

وأعلنت روسيا حينها أنها سترد على هذه العقوبات الغربية وأعربت عن استعدادها لأي احتمال.

وفي نيسان وأيار تم توسيع قائمة العقوبات ضد روسيا نتيجة تدهور الوضع في شرق أوكرانيا، وفرضت واشنطن مجموعة ثانية من العقوبات تحظر المعاملات الاقتصادية في أميركا لسبعة مسؤولين روس و17 شركة روسية، كما حظر الاتحاد الأوروبي منح تأشيرات لـ15 شخصية روسية أخرى.

وبعد حادثة الطائرة الماليزية من طراز «بوينغ 777» التي سقطت فوق منطقة دونيتسك في 17 تموز 2014 اتهم الغرب من دون وجه حق وفي شكل اعتباطي روسيا بوجود علاقة لها بإسقاط هذه الطائرة التي لم تظهر حتى الآن أي أدلة تدين الجانب الروسي بهذه الحادثة، مما حدا بهذه الدول إلى إيجاد حجة أخرى للتصعيد ضد روسيا من طريق فرض عقوبات اقتصادية جديدة، وبالفعل قامت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في آخر تموز 2014 بإقرار حزمة عقوبات اقتصادية على روسيا، طاولت قطاعات المال والطاقة والدفاع، وعدداً من الشخصيات الاعتبارية الروسية.

وفي 11 أيلول 2014 قررت دول الاتحاد الأوروبي إضافة 24 شخصية إلى قائمتها السوداء بينهم قادة في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين شرق أوكرانيا وأعضاء في حكومة القرم إضافة إلى مسؤولين ورجال أعمال روس، وبهذا ارتفع العدد الإجمالي للأشخاص الذين تستهدفهم العقوبات الأوروبية إلى 119.

وفرضت أوروبا وأميركا في خطوة منسقة حظر تصدير التقنيات ذات الاستخدام المزدوج العسكري والمدني في مجالات محددة، وحظر تصدير الأسلحة إلى موسكو، فضلاً عن فرض حظر على التعاملات بالأوراق المالية لخمسة مصارف روسية كبيرة، هي «سبيربنك» و«في تي بي» مصرف التجارة الخارجي و«فنيش إيكانوم بنك» بنك الاقتصاد الخارجي و«غازبروم بنك» مصرف تابع لشركة غازبروم الروسية للطاقة و«روس سيلخوز بنك» المصرف الزراعي الروسي .

وفي 6 آب وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً لتطبيق بعض الإجراءات الاقتصادية الخاصة بغية ضمان أمن روسيا يقضي بفرض قيود على استيراد المنتجات الزراعية من الدول التي أيدت العقوبات ضد روسيا لمدة عام واحد، وبالفعل تم الإعلان في اليوم التالي عن حظر كلي ولمدة عام كامل على واردات لحوم الأبقار والخنازير والطيور، والأسماك، والحليب ومشتقاته، والخضروات والفواكه من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وأستراليا وكندا والنروج.

وفي 13 كانون الأول 2014، أقر الكونغرس الأميركي بمجلسيه بالإجماع ما سمي بقانون دعم الحرية في أوكرانيا، والذي يفرض عقوبات جديدة على شركات الأسلحة الروسية والمستثمرين في مشاريع النفط التي تعتمد على تكنولوجيا متطورة، في حين فرض الاتحاد الأوروبي حزمة أخيرة من العقوبات استهدفت جمهورية القرم الروسية، حيث حظر على الأوروبيين السياحة والاستثمار والتجارة في القرم، إلا أنه لم يفرض عقوبات جديدة ضد الاقتصاد الروسي في شكل عام متفادياً صب المزيد من الزيت على العلاقات الملتهبة مع موسكو.

ويعتقد مراقبون أن الصعوبات التي يمر بها الاقتصاد الروسي حالياً، ومنها هبوط سعر صرف الروبل ستتسبب بمشكلة حقيقية للشركات الأوروبية التي تصدر منتجاتها إلى روسيا مهدداً الآلاف من العاملين الأوروبيين بفقدان وظائفهم، وتمس هذه القضية آلاف الشركات الأوروبية التي تعمل في روسيا وكذلك المصارف الأوروبية التي تقدر قيمة قروضها لشركات ومصارف روسية بأكثر من 128 مليار يورو.

ويتوقع خبراء أن يتوخى الأوروبيون في عام 2015 منتهى الحذر في التفكير بتشديد عقوباتهم ضد روسيا، فيما سيعاد فتح ملف العقوبات مجدداً مع انتهاء مدة سريان عدد من العقوبات المفروضة الربيع المقبل وانعقاد قمة الاتحاد الأوروبي في آذار المقبل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى