الأردن: حرب التحالف أوّلاً
عامر نعيم الياس
تتفاعل النقاشات والسجالات حول الدور الأردني في تحالف أوباما للحرب على «داعش» في سورية والعراق، بعد أسر التنظيم الإرهابي الطيار الأردني معاذ الكساسبة بعد إسقاط أو سقوط طائرته فوق مدينة الرقة السورية.
ويتحدث الخبراء في الشأن السياسي عن مأزق المملكة الداخلي بعد أسر الطيار، بسبب الانقسام في صفوف الرأي العام الأردني حول جدوى المشاركة الأردنية في الحرب التي يقودها أوباما، هذا من الناحية السياسية، والفرز الداخلي الخطير المتأثر بتداعيات تمدّد «داعش» على الحدود المحيطة بالمملكة الأردنية وذلك على أمن المملكة أولاً وعلى الرأي العام ثانياً، في ضوء التورط المباشر للاستخبارات الأردنية في الحرب على سورية والعراق والتي تقوم على أساس الفرز الطائفي. كلمة سرٍّ ترك للعاهل الأردني شرف نطقها عندما تحدث قبل سنوات عن «الهلال الشيعي»، فهل يتراجع دور الأردن في حرب أوباما أم يستمرّ على حاله؟
لا بدّ من الإشارة إلى أن العامل الأمني الداخلي، والانقسام في صفوف الشعب الأردني، والاستقطاب القائم بين مناصرين لـ«داعش» ومعادين له، كلّ ذلك يساهم في إعطاء دفعة للمملكة الهاشمية في الاستمرار في الحرب على الإرهاب، إذ تدرك المملكة أنه لا يمكن مواجهة هذا المدّ الجارف، والرهانات الأميركية الخاطئة والانتحارية في المنطقة إلا بالتحالف مع الأميركيين ذاتهم، مستندةً في ذلك إلى الأسس التي قام عليها حكم الأسرة الهاشمية للأرض الواقعة شرق نهر الأردن، ولعلّ خير دليل على جدوى الرهان على الأميركي وفعاليته أمنياً تتجلّى بما جرى مع الأكراد في شمال العراق ومع الأكراد السوريين في عين العرب، فالتحالف مع الأميركي وترسيخ نفوذه بما يبلور نقاطاً حمراء للإدارة الأميركية، أمر يساهم في اندفاع الأميركيين للجم أيّ عملية يتمّ بموجبها خرق خطوطهم الحمراء. إذ جرى رسم حدود لتحرّك «داعش» بما لا يهدّد المملكة السعودية، والمملكة الأردنية، والكيان الكردي، مع مراعاة تمدّد التنظيم في المناطق الأخرى التي من السهل السيطرة عليها أو احتواؤها مستقبلاً في سياق المغامرة الأميركية لفرض «دولة الخلافة» كأمر واقع جديد في المنطقة وخطر يستوجب التعامل معه على المدى الطويل، وربما التفاوض معه في سنوات لاحقة بما يضمن تغيير حدود المنطقة بشكل نهائي، هذا من ناحية.
من ناحية أخرى، لا بدّ من القول إن الدور الأردني المباشر في الحرب على سورية والذي يظهر اليوم بأبهى صوره في القنيطرة وعلى الحدود مع محافظة درعا، لا يتوقف عند حدود ما يفرضه التحالف الأميركي من أدوار، بل يتجاوزه إلى طموح لدى النخبة السياسية الحاكمة في الأردن بوضع المملكة بشكل أكثر مباشرة تحت المظلة الأطلسية، في ظل حال الاستقطاب وصراع أجنحة المحور الواحد على استمالة الراعي الأميركي إلى خياراته، وفي ظل تقارب أميركي صار أقرب إلى التصالح والاعتراف بدور إيران في المنطقة، فضلاً عن الصراع الروسي ـ الأميركي على سورية الدولة، بحدود «سايكس ـ بيكو» وسورية الإقليم، فالمملكة التي ترى نفسها في طليعة نخب القيادات السلفية والتي صارت مدينة معان فيها بؤرة استقطاب وتنظير للعمل المتطرّف في المنطقة عموماً وسورية خصوصاً، تتجه نحو الاستفادة من توسع الأطلسي المفروض أميركياً. وهنا تندرج مشاركة الملك عبد الله الثاني في اجتماعات قمة الحلف في مدينة نيوبورت البريطانية في الرابع من أيلول الماضي، إذ يحاول الملك الاستفادة من المبادرة التي أطلقها الحلف لتعزيز القدرات الدفاعية العسكرية والأمنية للحلفاء غير الأعضاء في الحلف.
إن العلاقة العضوية التي تربط الملك ونخبته بالأميركيين ووسط الحرب الجديدة على الإرهاب «الداعشي» تتجاوز كل الخطوط الحمراء الداخلية والأخطار المحدقة بالمملكة من جرّاء تداعيات الوضع في سورية. وبالتالي، فإن أسر الكساسبة لن يغيّر في الدور الأردني شيئاً، إلا إذا كان المطلوب أميركياً إجراء التفافة في طريقة عمل التحالف الدولي تمهد لصوغ دور جديد له بأبعاد غير تلك السائدة حالياً.
كاتب ومترجم سوري