نيسان يلخّص مأساة شعب
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
في واقعنا الفلسطيني المعاش يومياً حدث وقضية، بل في كل ساعة، حوادث تتسارع وتتلاحق ولا تعرف عمّ تكتب ولِمَ تكتب ولمن، وهل الكتابة مجدية في واقع ومحيط لا يلتفت الى الكتابة ويغلق نوافذ العقل والفكر كلّها ويمتهن الدروشة والشعوذة والاتكالية والعيش على الهامش وردود الفعل، لا نملك لا خططاً ولا برامج للمواجهة، ولا نرسم استراتيجيات. نتقاتل ونتصارع على سلطة مقيدة الصلاحيات والمسؤوليات، ليس لقادتها حق التقرير في أمورها وشؤونها إلاّ بإذن من المحتل المتحكم في جميع مداخلها ومخارجها.
في نيسان، تتكثف كل مأساة فلسطين وشعبها. في نيسان ولدت دولة الاحتلال وقامت على انقاض شعب تآمر عليه ليس المستعمرون الغربيون فحسب، بل كان للعرب نصيب في تلك المؤامرة، التي ما زالت مستمرة على شعبنا وحقوقنا وقضيتنا إلى يومنا هذا، والمشاركون ههم أنفسهم، وإن اختلفت الأدوات والأدوار.
في نيسان، كانت ثورة القسام التي استمرت ثلاث سنوات، وأجهضتها الخيانات المحلية والعربية. وفي نيسان استشهد القائد عبد القادر الحسيني وهو يلعن جميع الزعامات العربية التي لم تهب لنصرة فلسطين، ولم تقدم إليه السلاح وكانت تشارك في المؤامرة بصمت مطبق ومريب، فآثر أن يستشهد على أبواب مدينة القدس في معركة القسطل. وفي نيسان ولد الشهيد غسان كنفاني الذي عاش الثورة وكتب عنها واستشهد لأجلها حينما اغتالته الاستخبارات الصهيونية الموساد بتفخيخ سيارته في قلب بيروت. اغتالته لإدراكها أن الكلمة المقاتلة مثل الطلقة المقاتلة، وأن الفكر والوعي خطران على دولة الكيان الغاصب. وفي نيسان اغتيل مهندس انتفاضة الحجر أبو جهاد في قلب العاصمة التونسية. اغتيل أبو جهاد كي لا يكون حجر عثرة أمام ما تخطط له الدوائر المعادية من مشاريع سياسية في المنطقة تستهدف قضيتنا وحقوقنا، فأبو جهاد قائد ميداني ملتحم مع الجماهير ويتحسس نبض الشارع، ويملك قدرة كبيرة للتأثير فيه، وهو أيضاً عامل توحيد في الساحة الفلسطينية وفي حركة فتح نفسها كعمود فقري للثورة الفلسطينية، فكان لا بد من اغتياله…وفي نيسان استشهد في عملية فردان في بيروت «الكمالان»، كمال ناصر وكمال عدوان، وأبو يوسف النجار، والإغتيال مرتبط بالدور في عملية ميونيخ المشهورة، وبتصعيد العمل العسكري الفلسطيني ضد دولة الكيان الصهيوني من لبنان على مستعمرات العدو المقامة شمال فلسطين. وفي نيسان ذبح الفلسطينيون في لبنان على الهوية، في الهجوم على الباص الذي كان يقل فلسطينيين في حادثة عين الرمانة المشهورة 13 نيسان 1975 ، ونفذتها أدوات عميلة مجرمة، لجرّ لبنان الى مستنقع الحرب الأهلية، تلك الحرب التي استمرت ثمانية عشر عاماً، وحصدت عشرات ألوف الأرواح ودمرت وخربت لبنان وقسمته طوائف ومذاهب وكانتونات ومربعات أمنية تحكمها مليشيات وعصابات ومافيات. وفي نيسان سقط الراعي أسطورة ورمز الصمود والتحدي شهيداً مغتالاً في أقبية وزنازين الإحتلال بعد فترة تحقيق زادت على ستة أشهر، هزم فيها كل أجهزة استخبارات الاحتلال وجلاديه.
في نيسان الآن تدور محاولات جادة من قبل الاحتلال والأميركيين والغرب الاستعماري وعربان ومشيخات النفط والكاز، لتصفية القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني، إذ نشهد هجوماً غير مسبوق لاقتناص الفرصة وحالة الضعف والانهيار العربي، والضعف والإنقسام الفلسطيني لدفن القضية الفلسطينية الى الأبد.
نيسان تتكثف فيه المصائب والويلات والجرائم كلها بالنسبة إلى شعبنا الفلسطيني، فمن ينقذنا ممّا يخطط لنا ولشعبنا في نيسان هذا العام، فالمؤامرة كبيرة، وواقعنا يعتريه الكثير من الضعف والانقسام، وحواضننا العربية تئن تحت وطأة حروبها الداخلية، وجزء منها شريك في المؤامرة على هذا الشعب، والبعض ما زال رغم كل الخطر الداهم حتى اللحظة يراهن على أن في الإمكان «حلب الثور»، علماً أن الوقائع والمعطيات أصبحت واضحة أمامنا. يريدون منا أن نقايض حقوقنا الوطنية بمجموعة رشى وتسهيلات حياتية ومعيشية واقتصادية وإطلاق سراح دفعة أو أكثر من أسرى الحرية، أي شرعنة الاحتلال لا إنهائه، كأن كل نضالاتنا وتضحياتنا ودماء شهدائنا التي سالت غزيرة على مذبح الحرية ليست لأجل أن يزول الإحتلال وينتهي؟
نحن أمام حقيقة عارية تماماً، لم يبق مجدياً معها مواصلة التجريب والتفاوض،فهذه المفاوضات تحصل في ظل مواصلة الاحتلال مشاريعه ومخططاته أسرلةً وتهويداً وتطهيراً عرقياً في القدس ومواصلة للاستيطان في الضفة الغربية. إحتلال يريد أن تكون هناك سلطة من دون سلطة، يستفاد منها فحسب في تقديم الخدمات إليه على الصعيد الأمني وضمان بقاء الإحتلال بلا كلفة وبقاء قطاع غزة خارج الجسد الفلسطيني.
علينا أن نجعل نيساننا الحالي مختلفاً عما مضى، وأن نحدث إنقلاباً في رؤيتنا وتفكيرنا. لم يعد مجدياً استمرار اجترار الكلام عن عدالة قضيتنا، ولم يعد مجدياً كذلك الندب والبكاء.
الخطر جدي وداهم، وهم يريدون واد قضيتنا الى الأبد. وعلينا أن نستمر في نضالنا ومقاومتنا فالحقوق لا تسقط بتقادم الزمن، وقد تكون المرحلة مجافية، لكن مهما تكن، فهي ليست مبرراً لأي كان أن يقدم التنازل عن حقوق شعبنا وثوابتنا الوطنية. عودوا للشعب فهو صاحب القضية، ويعرف جيداً كيف يدافع عن حقوقه ووجوده. هذا الشعب ضحى ولا يزال يضحي. عبروا عن حس الشارع ونبضه والتحموا مع همومه، فستجدون السياج والدرع الحامية لكم. لا تثقوا لا بوعودهم ولا بمفاوضاتهم. جربتم هذا النهج والخيار ولم يحصد شعبنا من خلاله غير الوهم واستمرار الاستيطان والقمع والاعتقالات والمصادرات، فهم يريدون منا ان نكون مشرعين لاحتلالهم ولوجودهم.
في نيسان هذا حصّنوا البيت الداخلي الفلسطيني وأعيدوا اللحمة والوحدة إلى جناحي الوطن. رسموا استراتيجية جديدة موحدة يلتف خلفها الجميع، استراتيجية عنوانها المقاومة والصمود لا التنازع على السلطات البائسة. غيّروا قواعد اللعبة معهم وأخرجوا المفاوضات من دائرة الرعاية الأميركية، فأميركا هي التي تتولى تسويق البضائع الفاسدة التي ينتجها الاحتلال، وهم يجملونها ويريدون تصديرها إلينا على أنها بضائع ذات جودة عالية. وعلينا ان نغتنم فرصة الحصول عليها. قولوا لهم: شعبنا لا يريد بضائعكم فهي تقتل الشعب وتنهب الأرض.