لا أحد يغضب عند سيد المقاومة!
يبدو انّ النوايا السعودية بالتشويش على المبادرة الروسية للحوار المزمع عقده في موسكو من أجل الحلّ في سورية سياسياً باتت أكيدة، وقد ظهرت من خلال وسائل إعلامها وتحديداً في أسطر صحيفة «الوطن» السعودية، وهي صحيفة معتبرة في المملكة.
تنقل الصحيفة من دون حرج معلومات لا يقدر القارئ على الاقتناع بها للوهلة الأولى، وهي غير منطقية بربطها بمواقف الجهة المعنية فيها أو المذكورة بالمقارنة مع سلوكها طوال الأزمة السورية، وفي هذا تأكيد على انّ ما ذُكر ليس سوى رسالة تعطيل وتشويش.
اما ما ذُكر فهو كلام عن مصادر الصحيفة «الخاصة» عن أنّ بوغدانوف خرج غاضباً من عند أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله لدى زيارته بيروت في جولته الأخيرة، فتقول: «موسكو بدأت بالاقتناع بأنّ أولى مراحل الحلّ السياسي في سورية تقضي بذهاب النظام الحالي، وإنشاء حكومة انتقالية تؤسّس لانتخابات حرة وشفافة»، لافتةً إلى أنّ «الموقف الروسي الجديد تبلور مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة إلى تركيا أواخر كانون الأول الماضي»، وتضيف: «انّ «نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، ألمح إلى احتمال البحث عن رئيس جديد للنظام لقيادة الحكومة الانتقالية خلال لقائه الأخير مع السيد نصرالله، إلا أنّ الأخير ردّ عليه بشكل قاطع بأنّ الأسد «خط أحمر»، ولا مجال للحديث عن تنحّيه، وزاد بالقول: «إنّ الحديث عن هذا الأمر يعني نهاية الحوار»، مما دفع بوغدانوف إلى الخروج غاضباً من اللقاء مردّداً «أنّ الحديث عن الأزمة السورية ينبغي أن يكون فقط مع رؤساء الدول…»
نتوقف هنا لنقول إنّ بوغدانوف لا يغضب… أو إنّ أحداً لا يغضب عند سيد المقاومة من دون كثرة شرح… ومن دون تقليل من شأن هذا لتعظيم شأن ذاك، وبوغدانوف لا يحتاج لمعرفة من يزور وحجمه وامتداد نفوذه من لبنان حتى العراق، ثم ان بوغدانوف لم يزر السيد نصرالله من اجل إملاء الشروط عليه، عدا عن أنّ الزائر ليس بوغدانوف بل بوتين، فبوغدانوف ليس سوى المبعوث الرئاسي الروسي الى السيد نصرالله، وزيارة بوغدانوف له كانت لأنّ حزب الله ودوره في المنطقة يضاهي رؤساء الدول التي حاولت «الوطن» ذكرها من أجل التقليل من الهالة التي يتمتع بها حزب الله بشخص أمينه العام.
مهنياً، كيف يمكن لصحيفة ان تقتنع برواية لا تمتّ إلى السياسة وإلى تسلسل الاحداث والسلوك السياسي بصلة؟ والمقصود سلوك روسيا في الأزمة السورية.
تبدو الصحيفة كأنها تغرّد خارج سرب الأحداث، وكأنها أيضاً تعكس موقف السعودية فقط، والتي يبدو أنها لا تزال حتى الساعة تغرّد في غير سرب أو ربما تريد التشويش من أجل مطلب ما… أو تحاول الإيحاء انّ هذا الكلام يقنع المعارضة السورية بالمشاركة في الحوار في موسكو ببصيص امل… لكن الرواية لا توضع في أيّ حال من الأحوال سوى تحت إطار التشويش… ظناً منها انه يمكن ضرب أكثر من عصفور بحجر…
اكثر ما يلفت الانتباه انّ روسيا حسب الرواية تطلب الرضا التركي، كأنّ روسيا ليست تلك الدولة العظمى صاحبة الفيتو ضدّ قرارات مجلس الأمن، وشريكة الولايات المتحدة بالتفاوض حول ملفات المنطقة والعالم، وليست روسيا التي كسرت الأحادية القطبية في العالم…
ثم هل يعقل انّ ميخائيل بوغدانوف زار السيد نصرالله وهو لا يعرف سلفاً موقفه أو موقف حزب الله من الرئيس الأسد؟ وهو الخط الأحمر طوال السنوات الأربع التي مضت لكي تنشر الصحيفة ما لا يخطر على بال متابع؟
هل كان لدى بوغدانوف أيّ توقع آخر؟ او مثلاً أنّ السيد نصرالله سيقتنع «على يديه» كما يُقال بالعامية؟
ثم ما هو الجديد في الخبر؟ موقف السيد نصرالله القديم؟ ام غضب بوغدانوف المزعوم؟
هل يمكن لبوغدانوف ان يعتبر نفسه قادراً على أن يقنع السيد نصرالله بساعة بتغيير موقفه تجاه الاسد؟ أم أنّ هناك من هو مستفَزّ أصلاً لمجرد اعتبار حزب الله لاعباً أساسياً في الحلّ في هذا الإطار كونه أهمّ اللاعبين العسكريين هناك؟
كيف يمكن لهذه الصحيفة ان تبني على ما لا يحمل اي جديد؟ وكيف يمكن للصحيفة بناء موقف نابع من الرهان على مواقف بوغدانوف السابقة التي جعلت من جسمه لبّيساً لتلفيق القصص، والتي فسّرتها السياسة الروسية بالمزيد من التمسك بالرئيس الأسد طيلة تلك الفترة؟
حاولت الصحيفة السعودية التذاكي بلفلفة الأمور وإبعاد التهمة في هذا التشويش عن السعودية، فاعتبرت أنّ سبب التغيّر في الموقف الروسي برأيها هو تركيا… وتركيا هي خصم السعودية اللدود اليوم في المنطقة وفي الأمم المتحدة وفي كلّ تسوية سياسية إقليمية ابتداء من «الاخوان المسلمين» وصولاً الى داخل تركيا وفتح الله غولن!
ثم اذا كان بوتين قد اقتنع عند أردوغان في ساعات أيضاً بأنه بات يجب التخلص من الأسد، كيف يمكن لروسيا ان تناقض سياسة اربع سنوات من تسليح ودعم للجيش السوري؟ ولماذا لم تتوقف عن تسليح سورية وتوفر على نفسها عناء التمترس في محور واصطفاف حادّ ومضنٍ لحماية موقعها في المنطقة.
حسب رواية «الوطن» أقلّ ما يُقال في سياسة روسيا بعد اربع سنوات أنها هشة او ساذجة، وأنها من الممكن ان تقتنع بمجرّد «زيارة» فتغيّر وتبدّل ويعمّم بوتين على كلّ طاقمه بلمح البصر التعليمات الجديدة… ليبقى العتب على بوتين فيسأل: «لماذا لم تزر اردوغان من قبل لكانت انحلت العقدة»؟
لم توفق صحيفة «الوطن» السعودية وسعوديتها في الرهان على جسم بوغدانوف اللبّيس بعد تصريحات تكتيتكية سابقة له، ما لبثت أن أجابت عليها السياسة الروسية المستمرة في دعم الأسد استراتيجياً، للتشويش على المبادرة الروسية في محاولة تذاكٍ من خلال التشويش من داخل البيت الروسي…
لا احد يغضب عند سيد المقاومة!
وفي اللقاء كان بوغدانوف مستمعاً أكثر منه متكلماً امام السيد نصرالله، مؤكداً أنّ حزب الله بات يشكل أحد الصنّاع الكبار على مستوى الوضع الإقليمي، وهو ما يضع الحزب في دائرة الاهتمام الكبير على المستوى الدولي.
اعانك الله بوغدانوف…
اطال الله في عمرك محمد حسنين هيكل…
«توب نيوز»