شخصيات سياسية عاصرت الرئيس كرامي تتحدث عن تجربتها مع الراحل
حاورتهم روزانا رمال
رأى دولة رئيس مجلس النواب الأسبق إيلي الفرزلي أن الرئيس الراحل عمر كرامي كان متميزاً عن غيره من رؤساء الوزراء بأمرين اساسيين، الأول أن سقف علاقاته الخارجية كانت سورية، والثاني أنه الى جانب كونه رئيساً للحكومة لم يكن رجل اعمال بل كان برلمانياً بامتياز.
ولفت الفرزلي الى أن كرامي استطاع في عام 1990 الذهاب باتجاه تأليف حكومة وحدة وطنية من اجل انتصار وحدة البلد وإخراجه من الحرب الأهلية الى حالة السلم الأهلي، معتبراً أن برحيل كرامي خسرنا أحد الخيارات الوطنية الاساسية وشخصية بارزة للعب دور القيادة في المجتمع السني والعربي.
بدوره أشاد الوزير السابق وئام وهاب بصفات الراحل معتبراً أنه تمسك بثلاث ثوابت رئيسية: فلسطين والمقاومة والعلاقة مع سورية، لافتاً إلى أن ما حصل في عام 1992 كان مؤامرة نفذها «النظام الأمني المشترك» المتمثل حينها باللواء غازي كنعان ونائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام تمهيداً للانقلاب الذي جاء بالرئيس رفيق الحريري الذي فعل ما فعل في البلد اقتصادياً.
من جانبه أكد الوزير السابق سامي منقارة مستشار الراحل عمر كرامي والوزير فيصل كرامي أن التاريخ سينصفه كما انصفته طرابلس لأن السياسة ظلمته كثيراً، معتبراً أن الإجماع على محبته وتقديره وفهم ابعاد مواقفه هو صحوة ضمير.
ونوه إلى أن كرامي مات كبيراً كما كان في مواقفه وحياته السياسية كبيراً ومحباً لوطنه.
وشدد على ان الوزير فيصل كرامي سيتابع الرسالة وسيبقى الى جانب حماية العيش الواحد.
ورأى الوزير السابق محمد جواد خليفة أن كرامي كان رجل دولة يقود مجلس الوزراء بكل حزم وتفهم اضافة الى تقديمه النصح لكل وزير لا سيما في الازمات، لافتاً الى انه ونتيجة الاحداث التي حصلت ترك الكرسي تجنباً للانقسام في البلد.
واعتبر النائب قاسم هاشم أن الراحل الكبير بقي ثابتاً على مبادئه ومواقفه رغم كل ما اصابه من الأقربين والأبعدين من اساءة وعلى رغم كل الاغراءات، متوجهاً للوزير فيصل كرامي بالقول: إن من حمل مبادئ آل كرامي لا بد من ان يمسك زمام الامور ويسير على الخطى التي رسمها الرئيس الراحل.
وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
الفرزلي
انت عايشت مرحلة الرئيس كرامي، هل تعتقد أنه كان علامة فارقة بين رجال الدولة الذين تعاقبوا على المسؤوليات في رئاسة الحكومة، وهل خرج عن التقليدية وتخطى الخطوط الحمر؟
– لا شك في أن الرئيس كرامي كان متميزاً عن غيره من رؤساء الوزراء، خصوصاً هؤلاء الذين تبوأوا سدة الرئاسة في عهده أو بعده بأمرين أساسيين، الأول أن سقف علاقاته الخارجية كانت سورية، ولم يتكن لديه علاقة خارجية بأي من دول العالم، أما الأمر الآخر أنه الى جانب كونه رئيساً للحكومة لم يكن رجل اعمال بل برلمانياً بامتياز، يقف في المجلس النيابي يناقش ويعارض، أي في حالة مستمرة من الآداء البرلماني، رؤساء الوزراء الآخرون كانوا نواباً ولكن لم يكونوا شخصيات برلمانية، سمة الوزارة ورئاسة الوزارة ورجل أعمال طغت على شخصهم أما كرامي فكان رجلاً سياسياً بامتياز.
هل تعتقد أن كرامي كان جريئاً في كل الحكومات التي شكلها، لا سيما حكومة عام 1990 التي جمعت «أمراء الحرب» حينها وصدور مرسوم لمشاركة رئيس حزب «القوات» سمير جعجع فيها؟
– لا شك في ان الرئيس كرامي نتيجة ايمانه بوحدة لبنان استطاع ان يلغي ذاته وعلى رغم أن المتهم باغتيال الرئيس رشيد كرامي كان أحد أطراف هذه الحكومة إلا أنه استطاع الذهاب باتجاه تأليف حكومة وحدة وطنية من اجل انتصار وحدة البلد وإخراجه من الحرب الأهلية الى حالة السلم الأهلي، لذلك يسجل للرئيس عمر كرامي ان حجم التضحية التي قام بها كبير ولا يستطيع أحد غيره من الرؤساء تقديمه على رغم وجود من قدم حياته كالرئيس رشيد كرامي او الرئيس رفيق الحريري بمعزل عن المواقف السياسية لهما.
برحيل الرئيس كرامي خسرنا أحد الخيارات الوطنية الاساسية وشخصية بارزة للعب دور القيادة في المجتمع السني والعربي، وعسى ان يكون الخلف خيراً من السلف وان يتمكن الوزير فيصل كرامي من أن يؤسس على التراث المتراكم وان ينطلق منه إلى المستقبل.
وهاب
كنت أحد الوزراء في حكومة الرئيس كرامي وواجهت الكثير من المواقف، كيف ترى استقالة كرامي من الحكومة عام 2005 لا سيما انها كانت من دون التنسيق مع حلفائه؟
– الرئيس كرامي يملك من الجرأة ما لم يملكه أحد من المسؤولين اللبنانيين، وعندما يرى ان الأمر يتعلق بكرامته كان ينسى المواقع ولا يحسب اي حساب لرئاسة الحكومة، وكان يعتبر ان الكرامة ملازمة للسياسة بعكس مسؤولين آخرين يعتبرون ان لا مكان للكرامة في السياسة، بل يرون المصالح فقط، انا رافقته في الكثير من المواقف وأهميته انه لا يغيّر في موقفه السياسي مهما قست عليه الظروف، والرئيس كرامي قسى عليه الحلفاء قبل الخصوم، ومهما قسى عليه الحلفاء لم يغيّر في مواقفه والبوصلة كانت واضحة لديه، وكان لديه ثلاث ثوابت رئيسية لم يتجاوزها: فلسطين والمقاومة والعلاقة مع سورية، بكل صراحة ما حصل في الـ2005 كان مؤامرة نفذت على كرامي وشارك فيها للاسف الحلفاء مثل الخصوم، والحلفاء شاركوا في الإطاحة به ودفعوا الثمن لاحقاً كما دفع البلد الثمن ايضاً، كما دفع ثمن المؤامرة التي نفذت على كرامي في عام 1992 التي نفذها ما اطلق حينها على تسميته النظام الأمني المشترك «اللواء غازي كنعان ونائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام» تمهيداً للانقلاب الذي جاء بالرئيس رفيق الحريري الذي فعل ما فعل في البلد اقتصادياً.
هل تعتب عليه في اي من قراراته التي اتخذها؟
– كان رأيي الشخصي أنه يجب ان لا يستقيل من رئاسة الحكومة في عام 2005 بل فضلت المواجهة، ولكن الهجوم على كرامي في مجلس النواب الذي شنته مجوعة من الفاسدين والسارقين والنائمين على إقدام المخابرات دفعه للإستقالة، لكن كنت حينها مع المواجهة وأن لا نسلمهم «القلعة» ولكن كرامي استقال على اساس ان نشكل حكومة جديدة ونقر قانون انتخاب وكانت حينها الاكثرية النيابية معنا، ولكن للاسف كانت الادارة السياسية سيئة وسلم البلد الى عصابة وما زلنا نعاني من هذا الأمر حتى اليوم.
على الصعيد الشخصي كيف تصف لنا هذا الرجل الكبير؟
– على الصعيد الشخصي أراه أوفى رجل، وجربته في مجلس الوزراء في اكثر من أمر، هو رجل صادق محب ناصح لنا كأب، وعندما كنت أصعّد بمواقفي كان يخاف عليّ، وكنا نشعر بأبوته وينصح بلا ان يجرح، مستقيم بشكلٍ كبير، وأذكر أنه طرح في مجلس الوزراء إلغاء الهيئة العليا للاغاثة فسألناه لماذا، قال إنها أنشئت لكي يسرقها رئيس الحكومة وأنا لا اريد السرقة، هو من الرجال النوادر في لبنان، والتاريخ سينصفه كما انصفته طرابلس لأن السياسة ظلمته كثيراً.
منقارة
كيف ترى وفاء الشمال للرئيس كرامي وعلاقة الوجدان والروح بينهما الذي تمثل بهذا المشهد المهيب للمعزين؟
– كان لي شرف العمل مع الرئيس كرامي مدة 25 عاماً وترسخت بيننا صداقة مبنية على الاحترام والتقدير، وكنت قريباً منه ووجدت فيه الانسان بشخصيته والسياسي اللبناني بوطنيته والعربي بأصالته، والحر في مواقفه، كان رجلاً بكل معنى الكلمة، وظلم في حياته السياسية والسبب الرئيسي تمسكه بكرامته واستقلالية قراراته وعدم انصياعه لأي طرف، لقد حورب في معاركه السياسية والانتخابية بالمال وشراء الأصوات والضمائر في وقت أصبح الولاء السياسي خاضعاً لسلطة المال الذي لم يقبل المشاركة في بازاره، الأحداث الأخيرة التي شهدتها طرابلس وما حصل خلالها وما تعرضت له من خسائر ودمار وتشويه سمعة لا شك جعل أهل المدينة ينزعون الغمام عن أعينهم ويميزون بين القائد السياسي الحكيم عمر كرامي النظيف الكف والبعيد الرؤية، والبعيد عن استغلال المدينة سعياً وراء شعبية ظرفية، وبين غيره من القيادات الذين امتهنوا السياسية من اجل كسب المال والحصول على شعبية زائفة، لذلك لم استغرب بعد موته هذا التقدير والاجماع على محبته وتقديره وفهم ابعاد مواقفه، هذه صحوة ضمير، لقد عرف الناس عمر كرامي على حقيقته بالمقارنة مع غيره، أثبت التاريخ أنه منصف فهكذا مات عمر كرامي كبيراً كما كان في مواقفه وحياته السياسية كبيراً محباً لوطنه ساعياً ليلاً ونهاراً لخدمة مدينته، فوجئت من بعض معارفي من خارج طرابلس من جبل لبنان والجنوب الذين اتصلوا بي وعزوني وقالوا لي إن لبنان فعلاً خسر قائداً وطنياً كبيراً نزيه الكف بعيداً عن الدم.
طرابلس خسرت هذا الراحل الكبير وهي بأمس الحاجة الى الاعتدال في ظل تنامي الارهاب، كم هو حجم الخسارة برأيك في هذا الوقت بالذات؟
– اتصل بي شخص من طرابلس يعيش في إسبانيا وقال لي لقد خسرنا من كان يحمي المسيحيين في المدينة، لا شك في أن الوزير فيصل كرامي الذي اختاره والده الراحل لأن يكون وريثه السياسي والذي اشبعه فكراً وطنياً عربياً انه سيتابع الرسالة وسيبقى الى جانب حماية العيش الواحد لأنه نهج آل كرامي منذ عهد عبدالحميد كرامي الى الرئيس الشهيد رشيد الى الرئيس عمر، وسيسير فيصل على نهجهم وأمامه تحديات كثيرة لأنه كان يعمل تحت مظلة الراحل أما الآن أصبح في الواجهة مباشرة وعيله ان يتخذ مواقف يستوحيها من مواقف والده، أنا اعرف فيصل بأنه يتمتع بكل الصفات التي تؤهله للقيام بهذه المهمة وكل الشخصيات السياسية يشهدون بذلك، لا يمكن ان انسى بصدق محبته للآخرين، أشعر بغصة في قلبي لفراقه لأنه كان لي صديقاً واخاً ومرشداً ومساعداً ومعيناً وشخصية انسانية وصلباً بمواقفه ولكن بجوهره هو انسان عاطفي جداً.
خليفة
كيف تميز الرئيس كرامي في إدارة اللعبة السياسية داخل مجلس الوزراء؟
– كان لي شرف التجربة الأولى في وزارة الصحة في حكومته، وأذكر أنه كان يتصرف ليس كسياسي بل كأب في العمل السياسي، وكان رجل دولة يقود مجلس الوزراء بكل حزم وتفهم اضافة الى تقديمه النصح لكل وزير لا سيما في الازمات، وكان يقوم برعاية للشخص الذي يريد ان يعمل، له ثوابته الوطنية ولم يتأثر بالمعايير الطائفية والمذهبية وله نظرة واحدة للوزارات، وترك في نفسي انطباعاً مميزاً وتطور لاحقاً الى صداقة شخصية وعائلية سأحافظ عليها في كل حياتي، لم يتمسك بالكرسي ولا بالسلطة وخلال رئاسته للحكومة حافظ على المال العام، ونتيجة الأحداث التي حصلت ترك الكرسي تجنباً للانقسام في البلد وإن كان على حساب المنصب والموقع وكان زاهداً في السلطة، في المقابل رأينا غيره كيف تمسك بالسلطة ما ادى الى انقسام في البلد.
كنت صديقاً للعائلة وأشرفت خلال السنتين الاخيرتين على علاجه وأجريت له عملية وجمعتنا صداقة عميقة، وكان اثناء المرض متماسكاً جداً ولديه ايمان، وبكل هدوء ورصانة وثقة بالنفس يصغي ويتقبل ويأخذ قرارات صعبة في المواضيع الشخصية الدقيقة، الرئيس كرامي هو خسارة للوطن وللعائلة ولي ايضاً.
هاشم
في هذا الظرف الصعب ماذا خسرت الساحة السنّية في وجه التطرف؟
– الرئيس كرامي هو سليل عائلة عريقة في الانتماء الوطني العروبي الاسلامي، ولا شك سيترك غيابه اثراً وفراغاً كبيرين لأن ما حمله كرامي في حياته من مناقبية وقيم وهوية الانتماء العروبي الحقيقي قل نظيره في هذا الزمن المملوء بالمتغيرات والتطورات والارتهانات، لأن الراحل الكبير بقي ثابتاً على مبادئه ومواقفه على رغم كل ما اصابه من الأقربين والأبعدين من اساءة وكل ما يمكن تصنيفه في خانة عدم الوفاء لرجل لم يعرف الا الوفاء لقناعاته والتزاماته.
نحن أحوج ما نكون الى المثل والقيم التي حملها كرامي التي تجاوزت حدود الانتماء المذهبي، وهو ان كان منتمياً الى المكون السني لكنه كان ينظر اليه من الزاوية الوطنية والعروبية وليس من زاوية ضيقة، انتماؤه الى هذه العائلة العريقة التي لم تعرف إلا الهوية الشاملة العربية التي تتسع لكل المكونات والشعارات، لهذا سنحتاجه كثيراً الى مسافة زمنية لنرى امثال الرئيس كرامي، لكننا نقول إن من يحمل مثل هذه المناقبية والقيم لا يمكن الا ان تبقى سيرته حاضرة، ولا بد من ان يحمل هذه الأمانة وان يعمل بهذه المفاهيم التي سار عليها الراحل حتى رحيله.
كيف يمكن ان يشكل كرامي علامة فارقة من بين رؤساء الحكومة الذي مروا؟
– هو من الرجال القليلين الذين بقوا على ثوابتهم ولم يبدلوا تبديلاً على رغم كل الاغراءات والمتغيرات التي حصلت، بينما البعض بدل هنا وهناك، واليوم قل ما نجد في رجال الدولة الذين بقوا على ثوابتهم في هذا الزمن ولم يبدلوا في القيم الوطنية والعروبية وتعاطى بشفافية واضحة وكشف الامور من دون التباسات وكان يواجه بهذه الشفافية يوم كان رئيساً للحكومة ووزيراً ونائباً.
هل ظُلم الرئيس كرامي ام عاكسته الظروف؟
– الرئيس كرامي ظُلم من الأقربين قبل الأبعدين في اكثر من محطة ومفصل في مسار الحياة السياسية اللبنانية، وعلى رغم ذلك لم يبدل في الثوابت والمبادئ التي سار عليها واقتنع بها وهذا ما يسجل له.
ماذا تقول للوزير فيصل كرامي؟
– نقول للوزير فيصل إن من حمل مبادئ آل كرامي لا بد من ان يمسك زمام الامور ويسير على البوصلة الحقيقية وعلى الخطى التي رسمها الرئيس الراحل الذي ترك لهم إرثاً كبيراً يعتزون بها ويتمسكون بهذا الارث الوطني الحقيقي الذي لا يمكن الا ان يجد الأوفياء الى جانبه.
تُبث هذه الحوارات كاملاً الساعة الخامسة من مساء اليوم ويعاد بثه عند الحادية عشرة ليلاً على قناة «توب نيوز» تردد 12034