الفيزا للسوريين ذلك «الثمين» لشعبين
عامر نعيم الياس
«شعبٌ واحدٌ في بلدين»، عبارة أرهقت مسامع الكثيرين، وتحوّلت عند بعضٍ غير سياسي إلى مادة للتندّر، خصوصاً عند السوريين لا كما يظن البعض أنها خاصة بنكات اللبنانيين، فالممارسات المتعالية والنظرة الدونية إلى ذلك السوري كانت مضمرة شأنها شأن الدور المدمّر الذي لعبه بعض الساسة اللبنانيين وغلمانهم في الأزمة السورية منذ بدايتها في آذار 2011.
شأنهم شأن المرتبطين بهم، كانت ورقة اللاجئين والنازحين الأهم في بلورة مقومات إسقاط الدولة السورية، فالمخيمات جاهزة، و«بطانيات» الحريري أضحت شعاراً لا يقل أهمية عن «نداء الحليب» لبعض الدراميين السوريين، وتوزيع المساعدات على «الفرز» الطائفي أضحى سمةً لازمة دافعة باتجاه استغلال الهاربين من جحيم الإرهاب، أو أولئك اللاهثين وراء مساعدة من هنا وأخرى من هناك يسدون بها رمق جوعٍ متأصلٍ في فكرهم ونفسيتهم المصبوغة طائفياً قبل بطونهم. لكن مخزون البطانيات لا يكفي لأكثر من سنة، وصمدت سورية، وانقلبت الطاولة على رأس الجميع بارتفاع منسوب التطرّف وخروج مفرزات الخطاب الاستقطابي الذي يُشهد للبنان ببعض ساسته السعوديين الأميركيين احترافه، خروجٌ عن نطاق السيطرة ترافق مع ظهور «داعش»، وتوسّعت «النصرة» وقتل الجنود اللبنانيون، وصدرت قرارات دولية أعادت واشنطن إلى تدخل كانت قد قالت أنها أنهته، فما الحل؟
شيطنة اللاجئين السوريين مرحلةٌ سبقت التعليمات التنفيذية الصادرة عن الأمن العام اللبناني تنفيذاً لقرار الحكومة اللبنانية مجتمعة «بوقف استقبال اللاجئين السوريين» والذي اتخذ نهاية تشرين الأول من السنة الماضية. فالذلّ على الحدود ومنع بعض الفنانين من دخول لبنان وتسريب ما جرى عن قصد لوسائل الإعلام، كلّها ممارسات مهّدت لفرض «الفيزا» من طرفٍ واحد، أو «تصريح إقامة»، تضمن ستة أنواع هي: السياحة، العبور، الدراسة، الطبابة، الأعمال التجارية، مراجعة سفارة، بمعنى آخر لكي تدخل لبنان عليك أن تبرز الغرض من الزيارة ومدة الإقامة ووضعك المالي، إذ يتطلب إبراز ألف دولار لكي تتجاوز أيها السوري الحدود اللبنانية وتحصل على ذلك «الثمين» الذي يفرض للمرة الأولى منذ استقلال البلدين في أربعينات القرن الماضي، والذي يلغي عن سبق إصرار وترصد ذلك التميّز في العلاقة بين بيروت ودمشق، والذي لا يرتبط بشكل نظام الحكم وتوجهه في أيٍّ من البلدين، بل أولاً بأواصر القربى التي تجمع شعبَيْ البلدين بما يتجاوز المناطق الواقعة على طرفَيْ الحدود إلى بعض النخب الدمشقية والبيروتية الرائدة في المجالات السياسية والاقتصادية، وثانياً بسورية الكيان الجامع لأجزاء بعثرتها «سايكس ـ بيكو»، وعند هذه النقطة تحديداً يبرز قرار فرض تأشيرة دخول على السوريين إلى لبنان ومن جانب واحد باعتباره أحد النتائج المباشرة للحرب على سورية والتي تهدف إلى خلق أمرٍ واقعٍ جديد يزيد من تأطير سورية داخل حدودها أولاً، وثانياً يدفع الاتجاهات المنادية «بسورية أولاً» على أساس عنصري إلى أخذ زمام المبادرة في قيادة ردود الفعل الشاجبة لدى غالبية الرأي العام السوري على القرار اللبناني الأخير، ما يساهم في تعميق الهوّة بين «الشعبين في البلدين» ليس بناءً على هوية وطنية جامعة، بل بناءً على تقليد لما هو سائد لبنانياً ومنذ سنوات ما قبل الأزمة السورية تجاه السوريين، إذ يحلّ الغرائزي الطائفي محل اللاوطني وإن كا مغلّفاً بشعارات من قبيل «حرية وسيادة» و«لبنان أولاً» كما عوّدنا بعض الساسة اللبنانيين منذ ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001.
إن مبدأ المعاملة بالمثل المطبق بين الدول يفرض على الحكومة السورية أن تتحرك بالاتجاه ذاته «لأشقائها اللبنانيين» فكما برر الإعلام الغربي قبل النخب اللبنانية القرار بأنه «لضبط مد النازحين» كما قالت «ليبيراسيون» الفرنسية، فإن الحكومة السورية التي ذبح أبناؤها على يد إرهابيين لبنانيين عليها أن تتخذ القرار ذاته حفاظاً على كرامة مواطن سوري قيل إنه اضطر لتقبيل حذاء عنصر أمن لبناني وذلك قبل يومين على فرض «التأشيرة» لكي تبدو بمثابة هبة من الله تجنّب المواطن السوري تقبيل الأحذية على الحدود التي رواها يوماً الجيش السوري بدماء أبنائه.
كاتب ومترجم سوري