معنى سورية في جريمة «شارلي ايبدو»
يوسف المصري
لا شك أن الرابح الأول من جريمة «شارلي ايبدو» هو اليمين الفرنسي المتطرف الذي قد يكون أمامه عام 2017 فرصة للوصول إلى الاليزيه. وبهذا الحدث- فيما لو حصل – تكون بوابة أوروبا قد عقدت ناصية مفاتيحها للتطرف الفرنسي القومي… وبمثلما يمكن القول إن التطرف الإسلامي في المنطقة لا يقاتل بتطرف سياسي بل بثقافة منفتحة دينياً وسياسياً، فإنه يمكن التحذير منذ الآن، أن الخشية من وصول تسونامي التطرف الديني في الشرق الأوسط إلى أوروبا، لا يواجه أوروبياً بوصول نموذج متطرف أوروبي إلى رأس السلطة في فرنسا، وهي الدولة المعتبرة الأهم ثقافياً من بين كل الدول الأوروبية الأخرى.
وتبدو الحاجة الآن في أوروبا للاعتراف بوقائع ديموغرافيتها المتداخلة بين المسيحية الراسخة والمسلمة الصاعدة، مطلوبة أكثر من أي وقت مضى. فإبداء الخشية من هذا التداخل الديموغرافي، انطلاقاً من أعمال إرهابية منفصلة تقع في دول أوروبا، لا تقود لحل المشكلة بل لحقنها بوسائل إذكائها، ولجعل التطرف ضد الآخر في أوروبا ليس رد فعل على تطرف مسلمين وافدين إليها، بل تطرف أوروبي ضد الثقافة الأوروبية الديمقراطية نفسها. وهذه وصفة سريعة المفعول لارتكاب نوع من الانتحار التاريخي.
وواقع أن ضفة أوروبا الجديدة المسيحية بالغالب، ليست منعزلة عن تاريخ طويل تخللته فترات وئام واستعمار وتناغم وتحارب حضاري، يجمعها بضفتها الأخرى المتوسطية القديمة أي المشرق العربي، فإن هذا يضيف اعتباراً لجعل باريس تفكر للحظة بأن الإرهاب الذي ضربها أول من أمس هو تتمة للإرهاب الذي يضرب دولة مشرقية في الضفة الأخرى من المتوسط، وهي أيضا لديها داخل محيطها الإسلامي والعربي في الضفة القديمة من المتوسط نفس الثقل الثقافي الذي لفرنسا في محيطها المسيحي والأوروبي داخل الضفة الجديدة من المتوسط. إن الموقف من الجغرافيا والتاريخ لا يتم التعبير عنه بمصالح عابرة حتى لو كدست لخزينة باريس مليارات الدولارات، بل بالتدقيق في المعنى المأسوي الذي يتركه فعل هدم الجسور الحضارية بين ثقافات إيجابية تنتمي لعالم متوسطي واحد. وعلى هذا فان استمرار باريس بسياسة إنكار أن الإرهاب في سورية يقاتل من أجل هدف لا صلة له بالحريات، وبأن سورية حينما تحترق فإنه يمكن حصر ذلك في نطاقها من دون مطاولة نارها ضفتي المتوسط، باتت لها أثمان مكلفة ليس على المشرق فقط بل على شقيقته الضفة الأخرى الأوروبية القديمة.
ويعني كل ما تقدم أن نار «داعش» التي استشرى خطرها نتيجة استخفاف دول محور ما يسمى بـ «نادي أصدقاء الشعب السوري» منذ العام 2011، بخطورة تبعات دعمهم لإدخال مسلحي التطرف من كل أصقاع الأرض، إلى سورية، لم تعد أي هذه النار تهدد فقط الضفة المتوسطية الأوروبية بانتقال عدوى إرهاب التطرف الديني إلى داخل دولها، بل أيضاً باتت تشظياتها تهدد نفس ديمقراطيتها بأن تتآكل لمصلحة وصول قوى اجتماعية أوروبية من لدنها أقل ديموقراطية وأكثر تطرفاً، إلى السلطة. وهذا الأمر سيجعل التطرف هنا في المشرق له تتمة من التطرف هناك في الغرب. والنتيجة هو عنف دولي متداخل تبرر أحداثه وتأويلاته الثقافية المشرقية أحداثه الأوروبية وتأويلاتها الأوروبية التي من إليها استعادتها وسط انتشار رائحة الدم.
وبعد ذلك، لم يعد القول إن السلم الدولي يبدأ من استعادة سورية لسلمها انطلاقاً من موقعها كراس حربة ثقافية وسياسية وعسكرية لمكافحة الإرهاب في كل العالم، بأمر يعوزه الدلائل. وهنا يجدر التذكير مرة أخرى أن سورية هي مهد المسيحية في المشرق تماماً كما أنها مهد فكرة العروبة التي تحمي التواصل المشترك بين مسلمي الشرق ومسيحييه. وهذا معنى تحتاجه أوروبا الآن لصيانة مجتمعاتها. ألم يقل الرئيس الفرنسي هولاند تعليقاً على جريمة أول من أمس «أن سلاح فرنسا الوحيد لمقاتلة الإرهاب هو وحدة الشعب الفرنسي» بكل أجنحته وبينها المسلم والمسيحي.