البترول السعودي يخسر أمام النووي الإيراني وقطر تتخبّط في مستنقع أغرقت نفسها فيه و«إسرائيل» تسيطر على بعض الصحافة الأميركية
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
ملفات عالمية وإقليمية كثيرة انتقلت من العام المنصرم إلى الحالي، وتنتظر حلولاً جذرية، كي يهدأ ذلك البركان الذي يقذف حممه في كل الاتجاهات، حتّى أنّه لم يرحم مثيريه.
ولعل من أبرز تلك الملفات، الوضع في فلسطين المحتلة، خصوصاً بعد توجّه السلطة الفلسطينية إلى الانضمام للمنظّمات الدولية، ما من شأنه حصار «إسرائيل» في المنتديات الدولية، وزاد من حرارة هذا الملف، الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل عددٍ من الدول لا سيما السويد، والمجالس النيابية في عدد من الدول الأوروبية لا سيما بريطانيا. ما دفع براعي المفاوضات بين الفلسطينيين والصهاينة، إلى اجتراح حلّ يتمثل في حلّ الدولتين، ويترافق ذلك بمفاوضات سلام قد تفضي إلى بعض الهدوء. لكن حلّ الدولتين لم يرق لـ«الإسرائيليين»، فعملوا ليلاً ونهاراً ضدّ هذا المقترح. ومن ضمن الأساليب المعتمدة في الحرب ضدّ حلّ الدولتين، شراء بعض الإعلام الغربي، لا سيما في أميركا. وفي تقريرنا التالي، مقال كتبه بول كروغمان، تساءل في مستهلّه عن إمكانية إيجاد كاتب عمود واحد في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، يجرؤ على انتقاد «إسرائيل»، ليأتي الجواب منه سريعاً بكلمة واحدة: «لا»!
الملف النووي الإيراني حاضر هنا في هذا التقرير، ولكن من الزاوية السعودية، إذ ننشر مقالاً عن تغطرس السعودية وادّعائها بأنّ المال يستطيع شراء أيّ شيء وأيّ أحد في واشنطن، وعن الشعور بالفخر والزهوّ من أن «داعش» يمكنه التسبّب بنوبات من الألم والعذاب للإيرانيين، والثقة المفرطة في المراهنة على أن الصراع السنّي ـ الشيعي سيشتعل في المنطقة بكاملها، وما ذلك إلّا افتراضات أخطأت السعودية كثيراً في حسابها. وفي نهاية المطاف، يمكن اعتبار عام 2014، عام فقدان السعودية خيوط المؤامرة التي كانت تحيكها.
أما الملف الثالث الأخير الذي نتناوله في هذا التقرير، فيتحدّث عن قطر، وعن المستنقع الذي أغرقت نفسها فيه، والمتمثّل في دعم الإرهاب، كسبيل لإسقاط دول مثل سورية، ما قد يؤدّي ـ برأيها ـ إلى صعود نجمها متزّعمةً العالم العربي. إذ ساهمت قطر في ازدياد نموّ الفصائل الراديكالية و«الجهادية». وتراوحت النتائج من سيئة إلى كارثية في المناطق التي استفادت من المساعدات القطرية: فليبيا على سبيل المثال، تورطت في حرب ميليشيوية مموّلة قطرياً، وطغى الاقتتال الداخلي والتطرّف على «المعارضة السورية»، ويمكن القول إنّ تعنّت «حماس» ساعد في إطالة المحنة الإنسانية في قطاع غزّة.
التقرير نبدأه من السعودية، وخيبة أملها التي لا تنتهي بسبب التقارب الإيراني ـ الأميركي. هي التي أصيبت لسنوات بحمّى «الزعامة» المدعومة بالبتروـ دولار. ثم ننتقل إلى قطر، فـ«إسرائيل».
تقييم الأداء السعودي في المنطقة
جاء في مدوّنة «bhadrakumar»: تقبل السعودية على مضض ـ واقع أنها خسرت موقعها الإقليمي في المنطقة في مقابل إيران، هذا ما أوضحه كاتب بارز في صحيفة «الشرق الأوسط». التغطرس والادّعاء بأن المال يستطيع شراء أيّ شيء وأيّ أحد في واشنطن، الشعور بالفخر والزهوّ من أن «داعش» يمكنه التسبّب بنوبات من الألم والعذاب للإيرانيين، الثقة المفرطة في المراهنة على أن الصراع السنّي ـ الشيعي سيشتعل في المنطقة بكاملها، كلّها افتراضات أخطأت السعودية كثيراً في حسابها. وفي نهاية المطاف، يمكن اعتبار عام 2014 عام فقدان السعودية خيوط المؤامرة التي كانت تحيكها.
لا ينكر أحد أن إيران نجحت في التحايل على السعودية في كلّ من سورية والعراق خلال عام 2014. وكما تمكّنت إيران من تحويل الغزو الأميركي للعراق وتجيير الغالبية الشيعية لمصلحتها منذ عشر سنوات، كذلك استغلت نموّ الحركات الإسلامية السنّيّة المتطرفة وشبحها الذي يُرعب الغرب بتنصيب نفسهت داعية أمن واستقرار في المنطقة.
ويكفي القول، إن وتيرة التأثير الإيراني ازدادت في العراق إبان السنة المنصرمة. وتأثير إيران الحالي لا يقتصر فقط على الشيعة، إنما أيضاً على العراقيين السنّة وكذلك على الأكراد. فالتدخل العسكري القوي في العراق ساهم في انكفاء «داعش» وتدهرها بشكل يفوق التوقعات. وخلاصة القول، إنّ إيران برزت كصمّام أمان في العراق، كما تثبت زيارة وزير الدفاع العراقي لطهران منذ أسابيع قليلة مضت.
والواقع أن قوة «داعش» في العراق تقلّصت كثيراً، كذلك قدرته في الاستيلاء على الأراضي ـ أو استعادة تلك التي خسرها ـ والفضل في كلّ هذا إنما يعود إلى تأثير التدخل العسكري الإيراني هناك. ومن ناحية أخرى، فإن تحوّل بوصلة «داعش» نحو الغرب، ساعد في اعتبار النظام السوري ـ المدعوم من طهران ـ حصناً منيعاً ضدّ التمدّد الإسلامي الذي أضحى يهدّد أوروبا.
غير أن التوقّعات السعودية ترجّح سقوط طهران قريباً في المستنقع العراقي، وأن التدخلات الأميركية في وجه تنظيم «داعش» سيعيد ـ منطقياً ـ فتح سيناريو «تغيير النظام» في سورية وإجبار أوباما على إعادة النظر في المشروع السعودي الذي سبق أن وافق عليه الطرفان.
غير أن أحد أكبر الأخطاء التي لم تحتسبها السعودية جيداً، كان في الرهان على اشتباك الولايات المتحدة مع إيران. فقد افترض السعوديون أن الرئيس باراك أوباما سيكون مضطراً للتراجع في مواجهة الهجوم الضخم من قبل جماعات الضغط الصهيونية الأميركية جنباً إلى جنب مع اللوبي «الإسرائيلي» في الأشهر القليلة الماضية.
غير أن أوباما بقي ثابتاً في موقفه، منطلقاً من قناعة مفادها أن التعاون الإيراني ـ الأميركي ستكون له تأثيرات مضاعفة على سياسة الولايات المتحدة لتخفيف الاحتقان في الشرق الأوسط ولاستعادة هيبة الأميركيين ونفوذهم في المنطقة، وتمكنه من ناحية أخرى من التركيز أكثر على استعادة الاقتصاد الأميركي قوّته والتركيز أكثر على استراتيجيات الولايات المتحدة العالمية.
تحدث أوباما صراحة عن هذا كله في مقابلة شهيرة أجرتها معه إذاعة «NPR News» مؤخّراً. وقد سخر من منتقديه في الداخل الأميركي بالقول: «يعتقد من يعيش هنا في واشنطن أننا نستطيع تحريك قطع الشطرنج كما نشاء». ورفض فكرة «تكريس بليون دولار أخرى» لقتال «داعش» في العراق، وقال: «الأجدر بنا أن نصرف هذا المبلغ في إعادة بناء مدارسنا وطرقاتنا ومراكز أبحاثنا العلمية هنا في الولايات المتحدة».
وهنا اعتبر السعوديون أن أوباما قد أخطأ في توجهه هذا. فها الشرق الأوسط لا يزال غارقاً في وحول حقبة مبكرة من الدبلوماسية الأميركية و«التدخلات الإنسانية». واعترف أوباما في تلك المقابلة أن إيران أصبحت «قوّة ناجحة جداً في المنطقة» في حال اقتنصت «الفرصة للحصول على حقها مع العالم»، إذ من الممكن التوصل إلى اتفاق نوويّ. ويقول: «لأنه، لو فعل الإيرانيون ذلك، فهناك من المواهب والموارد والتطور داخل إيران مما لا يُصدّق، ما يجعلها حقاً قوة ناجحة جداً في المنطقة ملتزمة ـ فضلاً عن ذلك ـ بالقواعد الدولية، ما سينعكس إيجاباً على الجميع».
وأضاف أوباما أنّ لدى إيران مخاوف دفاعية مشروعة بعد معاناتها من حربها الرهيبة مع العراق في الثمانينات من القرن الماضي. وإجابةً على ما اذا كانت الولايات المتحدة ستعيد إنشاء علاقاتها مع إيران، أجاب: «لن أقول أبداً، لا».
صحيفة «طهران اليوم» التي تصدر في إيران والتي تعكس آراء القيادة العليا في طهران وتوجهاتها، عنونت في افتتاحية لها: «اقتراحات أوباما تحتاج إلى دراسة أعمق». وتقدّر هذه الافتتاحية سعي أوباما إلى إحلال الاستقرار في الشرق الأوسط، غير أنه استقرارٌ يتطلّب تعاوناً إيرانياً. ويؤكد هذه التقرير أن التقارب مع الولايات المتحدة لن يحفّز فقط نشاط المستثمرين الأوروبيين وإحياء الاقتصاد الإيراني، الذي سيُقوّي بدروه أهمية العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين البلدين. وتخلص الافتتاحية إلى أن العلاقات الودّية مع طهران، ستمكّن واشنطن من المضيّ قدماً في سياساتها الرامية إلى تخفيف حدّة التوتر في الشرق الأوسط.
هل يستعدّ السعوديون لقراءة المكتوب على الجدران؟ مما لا شكّ فيه أنّ السعودية تعزل نفسها أكثر وأكثر هذه الأيام. فلا مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ـ المعارض الصعود الإسلامي في سورية أو في أيّ مكان آخر مجاور له ـ ولا تركيا ـ التي تؤيد «تغيير النظام» في سورية وتأمل أن يكون عصارة هدف «الربيع العربي» في وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في المنطقة، والذي سيكون لعنة على الأنظمة الخليجية بطبيعة الحال ـ تساعد في تطبيق المشروع السعودي في سورية. أما بالنسبة إلى الغرب، فهو يخشى من عدم الاستقرار في سورية. وكلّما اقتربت محادثات السلام في سورية بقيادة روسيا من التوصل إلى نتائج ما، كلّما شعر السعوديون بأن توجّهاتهم السياسية والاستراتيجية في المنطقة قد وصلت إلى طرقات مسدودة. قد تكون بداية جديدة وجيدة للسعوديين لو أنهم يتراجعون عن تهديداتهم الأخيرة في استعمالهم النفط كسلاح يجعل إيران «تجثو أمامهم على ركبتيها».
أصدقاء قطر
«ضخّت الإمارة الصغيرة الغنية بالغاز عشرات الملايين من الدولارات من خلال شبكات التمويل الغامضة لمتشدّدين «متمرّدين» سوريين وسلفيين ناشطين، فبنت لها سياسة خارجية أكبر من قدرتها على التحمّل. وربما تكون واشنطن في موقع صدّ هذه اللّكمات بعد سنوات من دعمها قطر، واستفادة الأخيرة من تدخلات الولايات المتحدة لمصلحتها»…
كتبت إليزابيث ديكينسون في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية:
أبو ظبي والدوحة خلف مجمّع تجاري برّاق في الدوحة، يجلس حسام في مطعم هادئ يدير لواءً «متمرّداً» سورياً. وقد عرفت هذه الكتيبة أوج نشاطها عامي 2012 و2013، إذ ضمّت 13000 عنصراً تمركزوا قرب مدينة دير الزور. «كان لديّ فريقاً جيداً للقتال، فجزءٌ من الجيش السوري الحرّ كان يأتمر بأمرتي»، يقول بينما يرتشف الشاي ويستمتع بطعم بعض الحلويات.
حسام هو أحد المغتربين السوريين في منتصف العمر، يمتلك سلسلة من المطاعم الفاخرة في العاصمة القطرية ـ الدوحة ـ ويرتاد مطاعمه ليلياً عدد من الأغنياء القطريين والغربيين والعرب. وبعض هؤلاء لا يزالون يدعمون المدنيين بالمساعدات الإنسانية من بطانيات ومواد غذائية وحتى السجائر.
يصرّ على أنه أوقف إرسال الأموال إلى المقاتلين في الوقت الحالي. ويعترف بأن بعض أموال تمويل لوائه مصدرها قطر وتحديداً من وزير الشؤون الخارجية للدولة خالد بن محمد العطية. لكن هذه الدفعات النقدية كانت مخصصة لـ: العشرات من الألوية الأخرى كالتمويل واستمرّ بعض الألوية فقط في الحصول على الدعم من قطر لأشهر قليلة أخرى. ما حدا بالألوية الأخرى أن تطلب المساعدات من مصادر مختلفة. ويشرح قائلاً: «يلعب المال دوراً تأثيرياً كبيراً مع الجيش السوري الحرّ كما مع جبهة النصرة، لكنه لم يكن متوفراً لدينا».
وحسام، شخصية هامشية في الشبكة القطرية الواسعة ووكلائها ذوي الميول الإسلامية من جنرالات سوريين سابقين، متمرّدي طالبان، إسلاميين صوماليين، وثوار سودانيين. غادر بلاده عام 1996 بعد أكثر من عقدٍ من الزمن من مضايقات النظام السوري له بسبب إبداء تعاطفه مع مناصري الإخوان المسلمين هناك. وكان عدد من أصدقائه قد قُتلوا في «المذبحة التي استهدفت الجماعة في حماه عام 1982، والتي شنّها ضدّهم الرئيس حافظ الأسد». وأخيراً وجد في قطر ملاذاً له بعد أن استطاع بناء أعماله واتصالاته ببطء. وقال إن الدوحة غالباً ما كانت ترحب بالرئيس الشاب بشار الأسد وبزوجته الأنيقة عندما كانا يزوران محال الأزياء الراقية وذلك قبل اندلاع الحرب عام 2011.
عندما طرقت طبول الحروب أبواب سورية، وطالبت قطر بإسقاط نظام الأسد، انضمّ حسام إلى قافلة من الشباب الذين اعتمدت عليهم الدوحة في تنفيذ سياستها الخارجية لدعم «المعارضة السورية»، فـ«المتمرّدون» لم يكونوا موجودين إبان بدء الحراك، فخططت قطر لتجنيذ رجال الأعمال الذين وعدوا بحشد المقاتلين والسلاح. وحسام كغيره من مؤيدي «المتمردين»، خطط لتكريس مدّخراته الخاصة لدعم «المعارضة». فضلاً عن أن قطر قدّمت تبرّعات أكبر مما يمكن أن نتوقع.
ففي الأشهر القليلة الماضية، أثبتت قطر أن المقيمين لديها من الفئة المتوسطة الدخل هم بمثابة نعمة ونقمة للولايات المتحدة الأميركية. فمن ناحية، لم تعد واشنطن بعيدة عن التواصل مع الدوحة حين تحتاجها تلك الأخيرة: فقطر قامت بتنسيق عملية تبادل الأسرى التي شهدتها الولايات المتحدة حين بادلت الجندي بوي بيرغدال مع خمسة سجناء من الطالبان في خليج غوانتنامو. كما أنها أدارت المفاوضات مع «جبهة النصرة» ـ الجناح التابع لتنظيم «القاعدة» في سورية لتحرير الكاتب بيتر ثيو كورتيس في آب الماضي والتي أعلن عنها رئيس الاستخبارات القطري غانم خليفة الكبيسي.
غير أن هذه الشبكة القطرية نفسها، لعبت دوراً رئيساً في زعزعة الاستقرار في كل بقعة في المنطقة، كما ساهمت في ازدياد نموّ الفصائل الراديكالية و«الجهادية». وترواحت النتائج من سيئة إلى كارثية في المناطق التي استفادت من المساعدات القطرية: فليبيا على سبيل المثال، تورطت في حرب ميليشيوية مموّلة قطرياً، طغى الاقتتال الداخلي والتطرّف على «المعارضة السورية»، ويمكن القول إنّ تعنّت «حماس» ساعد في إطالة المحنة الإنسانية في قطاع غزّة.
تسعى الإدارة الأميركية منذ سنوات عدّة إلى تجاهل شبكة الدوحة الحليفة ـ أو الاستفادة من تعاونها من حين إلى آخر. فيما لم يفعل ذلك جيران قطر.
أعلنت دول الخليج الشقيقة كالسعودية والإمارات والبحرين عن عدم رضاها على تمويل قطر للسياسة الإسلامية في المنطقة، إلى حدّ أنها هدّدت بإقفال حدودها معها وسحب عضوية قطر من مجلس التعاون الخليجي إذا لم تتراجع عن ممارساتها. وبعد سنة من الضغوط المتواصلة، جاءت الإشارة الأولى على بدء تجاوب قطر مع مطالب جيرانها، وذلك في 13 أيلول الماضي، إذ غادر سبعة من الإخوان المسلمين الدوحة بناءً على طلب الحكومة القطرية.
قطر ومنتقدوها ـ على السواء ـ يعلمون أن واشنطن ستكون إلى جانبهم أثناء أيّ خلاف أو نزاع على الخليج. فتوجّههم السياسي المستقبلي للمنطقة وقدرتهم على إدارتها بالشكل الجيد والمطلوب، على المحك.
وقد وثّق غلين غرينوولدز ـ وهو كاتب وصحافي أميركي شهير ـ اعتراضه حول كيفية قيام شركة مقرّها واشنطن تدعى «كامستول غروب»، متعاقدة مع الإمارات العربية المتحدة التي اشترت صحافيين أميركيين لمهاجمة النظام القطري، التبيان بالتفاصيل، كيفية جمع تبرّعات لجماعات مثل «النصرة» و«حماس» في الدوحة بشكل علني. كما حصلت السياسة الخارجية على وثائق من مجموعة «كامستول»، يديرها مسؤول سابق في وزارة الخزينة الأميركية يُدعى ماثيو أبشتاين. وعلى رغم الإشارة إلى بعض هذه المعلومات في هذا المقال، إلّا أن غالبيتها العظمى أتت بعض شهور طويلة من التحقيقات حول هذه المسألة في المنطقة.
وبعد أسابيع من الهجوم الإعلامي المستمر على قطر، ردّت بحزم: «نحن لا نموّل المتطرّفين»، وذلك على لسان أميرها تميم بن حمد آل ثاني في مقابلة أجرتها معه كريستيان أمانبور ـ وهي مذيعة ومراسلة بريطانية تقدّم برنامج «أمانبور» في محطة «سي إن إن» الدولية. وكانت قطر قد وضعت قانوناً جديداً لتنظيم الجمعيات الخيرية ومنعها من الانخراط في السياسة.
تبدو واشنطن إلى الآن غير مستعدة لمواجهة قطر مباشرة. فبعيداً من وزارة الخزينة الأميركية التي تعيّن أفراداً قطريين لدعم «القاعدة» في سورية وأماكن أخرى في العالم، لم يعلن أي مسؤول أميركي الدوحة كحليف، ما أصبح مزعجاً لها، لا بل أنّ الولايات المتحدة لا تزال تعتبر قطر شريكاً قيّماً لها، وتُرجع الفضل إليها في لعب دور تأثيريّ في فترات تحوّل كبيرة ودقيقة تشهدها المنطقة.
يبقى السؤال المحوري حول موقف الولايات المتحدة في حال فشلت قطر في منع مواطنيها من تقديم الدعم للجماعات المتطرّفة، كما يطرح جان لوي بروغيير، وهو قاضٍ فرنسي شهير متخصّص في التحقيقات الإرهابية والرئيس السابق لبرنامج تتبع تمويل الإرهاب المشترك بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. إن الأخيرة تمتلك الأدوات اللازمة لمراقبة التحولات الحكومية وشبه الحكومية للجماعات المتطرّفة، إذاً، فأيّ نوع من القرارات السياسية تستطيع الولايات المتحدة أن تتخذها ضدّ الدول التي تموّل الإرهاب؟
«إسرائيل» و «نيويورك تايمز»
ألا يمكن أن نجد كاتب عمود واحداً في «نيويورك تايمز» يجرؤ على انتقاد «إسرائيل»؟… لا.
كتب بول كروغمان في مدوّنة «bhadrakumar»:
يصرّ روجر كوهين في عموده اليومي، وللمرّة الثانية في غضون عشرة أيام، على الحاجة الملحّة لضرورة التوصل إلى «حلّ الدولتين»، عملاً بنصيحة الكاتب والروائي والصحافي «الإسرائيلي» عاموس عوز الذي يُعتبر من أبرز الدعاة إلى حلّ الدولتين ومؤيّديه ـ وبالتالي ـ حلّ الصراع الفلسطيني ـ «الإسرائيلي». وكان عوز قد حذّر في 22 كانون الأول من أن «إسرائيل» تقترب من كونها «غيتو» معزولاً، وأنّ عدم التوصل إلى حلّ الدولتين سيأتي بنتائج كارثية. «لا أرى بديلاً أو بالأحرى فإن البديل يشكل كارثة للإسرائيليين… البديل هو نهاية إسرائيل».
وكان كوهين قد أعلن قبل نحو سنة أنه صهيوني ليبرالي حتى النخاع وتُحسب هذه الشفافية له وأنه يسعى جاهداً إلى هدم مستقبل بنيامين نتنياهو السياسي. يصف عوز في عموده هذا نتنياهو بـ«الرجل الجبان الذي يفضّل عدم التحرك على العمل»… ثم يضيف عوز: «إنه في السلطة منذ تسع سنوات ولم نجده يتّخذ قراراً واحداً مثيراً للجدل».
ومن ناحية أخرى، كتب ديفيد بروكس ـ الكاتب المناصر لحزب «الليكود» في «تايمز» ـ في عموده مقالاً حول نتنياهو يصفه فيها بالقائد ذي المواصفات التشرشلية… «إنه زعيم يفوق الوصف». ويمكن لنا أن ندافع عن وصفه هذا بالقول: «إذا كنتَ تعتقد كما أفعل أنا أنه على إسرائيل البقاء خارج إطار الوضع الحالي المتشنّج للتطرّف الإسلامي، فإننا نتفهم هذا الحذر الممنهج». لكنني أتساءل هنا: هل يمكن لنا أن نعثر على كاتب واحد في «نيويورك تايمز» غير متحيز لـ«إسرائيل»؟
من المعروف عن توم فريدمان أنه من كبار مؤيّدي «إسرائيل»، أمضى سنوات مراهقته في مخيمات «الكيبوتز» واعترف لاحقاً بالإحراج عندما كانت مدرسته الثانوية تحتفل بالانتصار بعد حرب الأيام الستة، لكنه استمرّ يحتفل بهذا اليوم سنوياً، كما أنه كان من أبرز المؤيدين لدعم الحرب الكارثية على العراق إيماناً منه بأن صدّام كان يدعم العمليات الانتحارية التي كانت تُشنّ على «إسرائيل».
ومنذ أسابيع قليلة مضت، كتب جو نوسيرا الكاتب والمحلّل في «نيويورك تايمز» للـ« New Republic» المملوكة منذ عام 1974 من قبل مارتي بيريز، مقالاً يؤيّد فيه حلّ الدولتين، غير أن نوسيرا ـ بدهائه ـ حرص على عدم إضافة المزيد حول الصهيونية في مقاله. كذلك فعل بول كروغمان بعد أن نال الصهيوني بيتر بينارت قبل ثلاث سنوات جائزة نوبل عن كتابه، وإعلانه مناصرته الصهيونية الليبرالية، إذ فضّل عدم الإعلان عن ميوله هذه كي يبقي نفسه بمنأى عن المشكلات والمواجهات.
أتجنّب التفكير حول ما يمكن أن تؤول إليه أحوال «إسرائيل»، ويبدو من الواضح أن هذه هي نتيجة سياسات الحكومة الحالية ضيّقة الأفق، والتي تشكل تدريجياً انتحاراً سياسياً بطيئاً ستكون له تبعاته السيئة على اليهود في كل مكان، ناهيك عن العالم أجمع. لكن هناك معارك أخرى علينا القتال لأجلها، غير أنني سأتفادى أن أجعل نفسي عرضةً لهجوم شديد من الجماعات المنظمة التي تسعى إلى اتهام أي منتقدٍ لها، بمعاداته السامية بكلّ بساطة.
حاول نيكولا كريستوف أن يقول الكلام ذاته عن مسألة حلّ الدولتين، كما أشار جيري سلاتر الصيف الماضي إلى أنه لا يمكن لوم الحكومة «الإسرائيلية» على سياساتها الاستيطانية التي لا تنتهي، مع الإشارة إلى أنه يصرّ دوماً على توصيف الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» بدوّامة عنف مستمرّة.
وأعود الآن إلى وجهة نظري الأساسية. هناك حركة شعبية تنمو باطّراد في بلادنا تنتقد «إسرائيل». فالشباب الديمقراطيون والنساء ذوي الأصول الإسبانية يفعلون ذلك بشدّة. وكثير من الجمهور الأميركي يتساءل، لمَ لا يكون هناك دولة ديمقراطية واحدة؟ لمّ لا يقدّم كتّاب الأعمدة في «نيويرك تايمز» دعماً لمعسكر «حلّ الدولتين»؟ وقد تساءل آندرو سوليفان منذ أربع سنوات: «لِمَ لا يكون هناك حركة معادية للصهيونية في وسائل الإعلام الرئيسية؟»، إنه سؤالٌ يطرح نفسه بإلحاح أكثر من أيّ وقت مضى، فـ«نيويورك تايمز» ليست سوى بوق يردّد صدى أصوات اليهود في كلّ مكان، ما يعكس جوهر الخطاب اليميني على السؤال الذي أصبح مركزياً في عصرنا هذا.
نصيحتي النهائية: بدءاً من صباح الغد، علينا القيام بتوظيف كاتب عمود فلسطينيّ غداً صباحاً، من أمثال نورا عريقات أو أبو علي نعمة أو يوسف منيّر… للبدء في بلورة وجهات نظر بديلة وفعّالة ومسموعة حول الصراع.