هل من تغيير في مواقف تركيا إزاء سورية؟
حميدي العبدالله
يعتقد بعض المحللين والمتابعين لتطوّر الموقف التركي من الأزمة السورية، أنّ ثمّة تغييراً طرأ على مواقف تركيا من الأزمة. ويبدو أنّ المظهر الوحيد لهذا التغيير الذي يتحدث عنه البعض، ينحصر، على الأقلّ حتى الآن، بتراجع سيل الخطابات والتصريحات التي يدلي بها كبار المسؤولين في الحكومة التركية حول الأوضاع في سورية، والاستمرار في تكرار لازمة «رحيل الرئيس بشار الأسد».
لكن هل هذا التراجع في «كمّ» التصريحات حول الأوضاع في سورية يعبّر عن تغيير في سياسة الحكومة التركية، أم أنّ ثمة عوامل وحسابات أخرى هي التي أملت هذا السلوك؟
الأرجح أن لا تغيّر في مواقف الحكومة التركية من الوضع في سورية، وتراجع «كمّ» التصريحات التصعيدية عن تنحّي الأسد، والمنطقة الآمنة والعازلة يعود إلى الحسابات الآتية:
أولاً، رفضت الولايات المتحدة ورفض حلف «الناتو» دعوة تركيا المتكرّرة إلى خلق منطقة حظر جويّ أو منطقة عازلة، ولم تجار تركيا في رغبتها هذه سوى فرنسا، وتدرك أنقرة وباريس أنهما غير قادرتين وحدهما على اتخاذ قرار على هذا الصعيد، وبالتالي فإنّ الطرح لم يعد واقعياً طالما أنه لا يحظى بدعم الولايات المتحدة وحلف «الناتو»، والإصرار على طرحه في تصريحات وخطب المسؤولين الأتراك من شأنه أن يتحوّل إلى تحريض ضدّ السياسة الأميركية، يسهم في توتير العلاقات معها وهي التي تشهد مرحلة من التوتر على خلفية ملفات داخلية تركية كثيرة أبرزها ملف فتح الله غولين.
لا بدّ على هذا الصعيد من ملاحظة أنّ إلحاح المسؤولين الأتراك على المنطقة العازلة ومنطقة الحظر الجوي عبر تصريحاتهم كانت موسمية، متأثرة ببعض التطورات التي حَسِب المسؤولون الأتراك أنها قد تؤثر على موقف واشنطن وحلف «الناتو» من هذه المسألة.
ثانياً، تدرك أنقرة أنّ الإلحاح في التصريحات على تنحّي الرئيس الأسد في ظلّ إعطاء الأولوية من قبل حلفاء تركيا الغربيين والخليجيين لاحتواء «داعش»، إلحاح لا طائل منه، ويشكل عزفاً منفرداً لن يترك أيّ آثار على الأوضاع الميدانية، وبالتالي لا بأس من اعتماد سياسة أقلّ إثارة لهذه المسألة إعلامياً، طالما أنّ قابلية توريط الغرب للاستمرار بإعطاء هذه المسألة الأولوية لم تعد مطروحة الآن.
ثالثاً، أنقرة التي تمرّ علاقاتها مع الولايات المتحدة ومع الاتحاد الأوروبي بمرحلة توتر شديد على خلفية ملفات سياستها الداخلية ليست في وضع يؤهّلها، على الأقلّ من ناحية اللعب سياسياً، تجاهل ضرورة تطوير وتوطيد علاقاتها مع روسيا وإيران، ومعروف أنّ هذين البلدين لديهما وجهة نظر مناقضة تماماً لوجهة نظر تركيا، سواء بشأن المنطقة العازلة ومنطقة الحظر الجوي، أو بشأن اشتراط أيّ حلّ سياسي بتنحّي الرئيس بشار الأسد عن السلطة، وبديهي أنّ الوضع في سورية يظلّ حاضراً على صعيد العلاقات الثنائية، حتى وإنْ كان ثقل المصالح الخاصة لإيران وروسيا وتركيا، لا يدفع باتجاه جعل القضية السورية الأساس لوجود علاقات واسعة من عدمه.
هذه هي الحسابات التي تفسّر «التغيير» في الموقف التركي، وهو تغيير لا معنى له، ولا يشكل أيّ مراجعة للسياسة التركية إزاء سورية.