عطور باريسية صنعت في أميركا

وليد زيتوني

الطاووس الفرنسي، ليس نسراً سورياً، ولا عقاباً عربياً، ولا صقراً أميركياً ولا حتى ديكاً رومياً، بل هو طاووس تنحصر منافعه في الزينة على رغم احتلاله مساحة واسعة في القفص الأميركي. والتاريخ الفرنسي منفوخ كالطاووس، منفوش بل منكوش بالحروب التي لم تكن له يد في ربح أي منها. الفرنسي بالإجمال ناسخ لكل ما سبق. نسخ الثورة الفرنسية عن الثورة الأميركية التي ساهم فيها «لافييت»، نسخ الفرانكوفونية عن الكومنولث ولم تعطِ ثمارها، نسخ خط ماجينو عن الألمان فاجتاحه الألمان في أيام معدودة، خسر الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وخسر المستعمرات. ومع ذلك، يطمح الفرنسي بأن يكون دولة عظمى. تشبّه سابقاً بالإنكليز فكانت معركة «أبو قير» له درساً، واليوم يتشبّه بالأميركيين وينسج على منوالهم. وإن ننسى الكثير لا ننسى كومونة باريس 1848 تيمناً بالكومونات السوفياتية، حتى عطورها نسختها عن العطور السورية بمرحلة الاستعمار القديم. لم يبق في هذا الكون من يعتبر فرنسا دولة كبرى، إلا الفرنسيين وبعض المتفرنسين اللبنانين، والقليل من قبائل مالي والتشاد.

في التاريخ الفرنسي أيضاً، معركة «ديان بيان فو» في فييتنام، بل قل إنها مذلّة أكثر منها معركة. حينها حاولت فرنسا استخدام القنبلة النووية للبقاء على استعمارها وفشلت، وفي الجزائر استشهد مليون جزائري لمنع فرنستها بالقوة الجامحة. وفي تونس لم تزل أصداء خليج بنزرت تدوي في أسماع الوطنيين التونسيين. وفي لبنان وسورية، لم تزل قصيدة أحمد شوقي على كلّ شفة ولسان، ولم يزل دخول غورو على ضريح صلاح الدين «قم ها قد عدنا»، لكنه لم يبقَ. وخرجت فرنسا من كلّ مستعمراتها بقوة الشعب. الفرنسي مستعمر لم يترك أثراً للحضارة إلا بقايا لغته البائدة. هل نسيّ المجتمع الدولي زلزال «أغادير» نتيجة التجارب النووية الفرنسية.

في كل عرس لفرنسا قرص، كما يقول المثل العامي. لكن من دون جدوى. ألم يقل عنها بوش الابن مع أوروبا بأنها القارة العجوز. وفي عرس «الربيع العربي»، تدخلت في كلّ شاردة وواردة، وأخذت الجانب السعودي «الإسرائيلي» في مواجهة الجانب القطري التركي على مستوى الملف المصري. وتدخلت في سورية بدءاً من إرسال القناصين الاستونيين لتدريب المعارضة «السلمية». وتدخلت في لبنان في الانتخابات الرئاسية وفي غير الانتخابات وفي دعم القوى التي تعتبرها أماً حنونة. على رغم أنها لا تحنّ إلا إلى الاستعمار والهيمنة والسيطرة وهي أعجز من أن تقول لا للأميركي الذي يحركها ويحرك غيرها.

فرنسا الآن تعجبها الأفلام الهوليودية الأميركية وتريد أن تنسخ على شاكلتها، كما نسخت «وولت ديزني» من قبل. أعجبها فيلم 11 أيلول وتريد أن تصنع مثله. تريد أن تخلق الذرائع للتدخل في شرق البحر المتوسط وفي شمال أفريقيا. لكنها دولة عاجزة عن ضبط الأمن في شوارع باريس. ثلاثة أو أربعة من الإرهابيين أقلقوا راحتها. إلا إذا كان تضخيم الأمور هو لمصلتحها. لكن هذه المقدمات لا توحي بحسن النتائج.

فرنسا الإرهابية. هل نسأل عن الرفيق المناضل جورج ابراهيم عبدالله؟ هل نسأل اللبنانيين عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وهي من أصرت على إنشائها؟ هل ستحارب الدولة الإرهابية الإرهاب؟ بل إن الإرهاب هو من يبرر لفرنسا إرهابها. كلاهما وجهان لعملة واحدة.

على فرنسا أن تترك الشعوب لتقرير مصيرها، وأن تعود إلى حل مشكلة المهاجرين، والصراع بين شمالها وجنوبها. وأن تلتفت إلى الألزاس واللورين وإنماء منطقة بريتانيه.

بكلمة مختصرة أن لا تتنطح إلى أدوار أكبر من قدرتها.

عميد ركن متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى