«كلّنا شارلي»: صورة جديدة للأخيار
عامر نعيم الياس
لا تغيير في الخطاب الغربي عموماً والفرنسي خصوصاً لقيادة هذا العالم وإدارته وفقاً لمغامرات وحروب دمار يستمرّ مستواها البياني بانحدارٍ يتجلّى بمزيد من البربرية والوحشية والانقسام والاستقطاب الذي بدأ يظهر في بنية المجتمعات الأوروبية. وإنْ لم يصل حتى اللحظة إلى طرح تساؤلات حول الهوية، وذلك بفضل إدارة اللعبة الداخلية بشكل احترافي والتزام الطبقة السياسية الكامل بالخطوط الحمراء ناظمة كيان الدول التي تهيمن على العالم.
أكثر من خمسين رئيس حكومة ودولة وممثلاً عن المنظمات الدولية تظاهروا أمس الأحد في العاصمة الفرنسية باريس، يلتفّون حول هولاند الرئيس الفرنسي المفجوع، ويقودون الجموع المتضامنة مع «مجلة» أو «ضحايا شارلي» تحت شعار «كلّنا شارلي»، هذا الشعار الذي انتشر كالوباء في أنحاء العالم ووحّد الشعوب في مشهد لم يسبق له مثيل. حتى يمينيو العرب ويساريوهم الذين أصبحوا منذ عقود ليبراليين أميركيين بعضهم يتحدث الإنكليزية والآخر لا يزال يصرّ على تحدث الروسية، كما ظهر في سورية، أولئك أصبحوا «شارلي» ونسيوا سورية وكأنّ طريق الخلاص في سورية وتحرير القدس يمرُّ عبر «كلّنا شارلي».
أطلق الإعلام الغربي الإبداعي الشعار فاختفت الفروقات وصوّر الأمر كالتالي، أنّ فرنسا تعرّضت لهجوم إرهابي خارجي، وعليه… على الجميع الاصطفاف خلف الحكومة الفرنسية، انخرط البعض في الحديث عن «11 أيلول فرنسي» مذكراً بما جرى عام 2001 في برجَيْ التجارة العالميين في نيويورك، محاولاً طرح فرضية حرب جديدة على غرار ما قامت به واشنطن وإدارة بوش في السنة ذاتها في أفغانستان. لكن، هل هذا هو المقصود من طرح الشعار؟
يوم أمس وقف الرئيس الفرنسي هولاند ورئيس حكومته فالس، إلى جانب الرئيس الأسبق ساركوزي الذي يمثل اليمين الفرنسي، وإلى جانبهم كل زعماء أحزاب اليمين واليسار الفرنسيين، ما عدا رئيسة الجبهة الوطنية مارين لوبن التي استبعدت. أوروبياً حضرت المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل، إلى جانب رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون وغالبية رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي، بينما حضر الأميركي ممثلاً بوزير العدل.
الجميع وقف إلى جانب رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو، ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو الذي دُعي بعد أن عرض مساعدة باريس أثناء الهجمات وإلى جانبه وزير الخارجية آفيغادور ليبرمان، من دون أن نغفل الحضور العربي ممثلاً بالملك الأردني وعقيلته، والرئيس الفلسطيني، ووزراء خارجية مصر والإمارات والجزائر. أكثر من خمسين رئيس دولة وحكومة حضروا في باريس، و«كلّهم شارلي» كان شعارهم الذي أخفى الحقيقة وحيّدَ الأسئلة الحقيقية التي يجب أن تطرح على الغرب، فالتظاهرة بحسب مانويل فالس رئيس الحكومة الفرنسية «تظهر قوّة فرنسا»، عن أيّ قوّة يتحدّث من لاحق شخصين بـ 85 ألف جنديّ مدعّمين بالحوّامات وعربات الـ«بي إم بي»؟
الأمور لا تتوقف عند هذا الحدّ، فمشهد أمس كرّس نموذج الصراع بين الخير والشر. أمس رأينا في باريس «فريق الأخيار» يتصدّرهم نتنياهو وأوغلو، مشهد له دلالات ومعانٍ، فرقاء وقادة من الغرب والشرق من اليمين واليسار في خليط سياسيّ ذي معنى، وهو عدم التغيير واستمرار تضليل الرأي العام وتغييب الأسئلة الحقيقية وفي مقدّمها أين خطاب التسامح والتهدئة؟ أين الضحايا، هل نحن أمام شعار سياسيّ أم أمام شعار إنسانيّ مرتبط بالضحايا من الرسّامين وغيرهم؟ أين صُنع هؤلاء البرابرة، أليسوا حصيلة فشل الحكومات الأوروبية في دمج المهاجرين؟ أليسوا نتاجَ منهجٍ لتفريخ الإرهاب؟ ألم يتوقع أيّ مسؤول غربيّ عودة إرهابييه من سورية إلى وطنهم الأمّ الذي أرسلهم؟ كيف يحضر رئيس الحكومة التركية في الوقت الذي غادرت حياة بومدين المشتبه بها في مذبحة المجلّة الفرنسية فرنسا، على رغم كلّ هذه الإجراءات الأمنية المشدّدة، إلى تركيا، والتي عبرت منها إلى سورية؟ أين أسئلة الداخل الفرنسي حول البطالة والفقر والتدهور الاقتصادي وانخفاض شعبية الرئيس إلى مستويات تاريخية وقياسية بعد عجزه عن مواجهة المشاكل التي تعصف بحياة الفرنسيين الذين يقبع ثلثهم من دون عمل، فيما هناك ثلاثة ملايين طفل فقير في فرنسا؟
لا تغيير في الغرب، ومشهد أمس ظهّر صورة «حرب الخير والشر»، حرب الدول الحضارية والدول البربرية، حرب إلغاء الآخر وإبادته باستخدام كافة الوسائل المتاحة تحت شعار جديد جاء ليحل مكان «من ليس معنا فهو ضدّنا»، فالجميع اليوم ومن دون استثاء «شارلي».
كاتب ومترجم سوري