لا تحدّيات أمام «إسرائيل» في السنوات المقبلة أكثر جدّية من حزب الله

كتب مستشار الأمن القومي «الإسرائيلي» يعقوب عميدرور في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية:

قبل بضعة أيام، حاولت تلخيص الوضع الأمني لـ«دولة إسرائيل» في بداية السنة الجديدة. وعندما بدأت في تعداد التهديدات، لاحظت أن أيّ جيش حقيقي لا يظهر في صورة التهديدات الآنية. مع أنه ما زالت هناك دول في المنطقة لها جيوش وعلى رأسها مصر، ولكن لا يبدو أن «إسرائيل» هي التي تقف في سلّم اهتمامات الجيش المصري. كما أنهم لم يضمنوا بعد سيطرتهم على مصر نفسها ولم يجدوا حلولاً لمشاكلها.

وباقي الجيوش في المنطقة لم تعد ذات جدوى من نواحٍ عدّة، فالجيش السوري يركز قوته في القتال ضدّ المتطرّفين، ولكن توجد لديه وسائل قتالية غير قليلة مع أن وحداته العسكرية قد تضرّرت، والروح المعنوية لديه منخفضة جداً، وكثيرون من قادته قلقون على حياتهم عند انتهاء الحرب لمصلحة الطرف الآخر. والجيش العراقي، الجيش الذي كان جيشاً عظيماً في حجمه والذي كان في إمكانه تغيير ميزان القوى في الجبهة الشرقية ضدّ «إسرائيل»، كفّ عن الوجود، واليوم يعمل الأميركيون على بنائه من جديد واستغلاله في الحرب ضدّ «داعش».

الجيش الاردني، الجيش الصغير لكن المهنيّ، يوجّه نظره شرقاً وشمالاً باتجاه بغداد ودمشق الآخذتين بالتفكك واللتين تنمو في أوساطهما عناصر الإرهاب الإسلامي من خلال الفراغ السلطوي القائم، التي ترى في الاردن الهدف القادم. وفي داخل الاردن أيضاً ثمة احتمال ليس ضئيلاً لنهوض الإسلام الراديكالي. وبيقين، إنّ المملكة لا ترى في «إسرائيل» دولة محسوبة في قائمة أعدائها. والجيش اللبناني كان وما زال جيشاً صغيراً يعاني اليوم من هجمات أوساط إسلامية تحاول نقل الحرب من سورية إلى لبنان ـ ولكنها لم تنجح حتى الآن.

صحيح أن السعودية ودول الخليج تتسلّح بأفضل أنواع الاسلحة الغربية، خصوصاً الأميركية، لكنها لا تنظر إلى «إسرائيل» كعدوّ، فإيران بالنسبة إليها هي الغيوم التي تتلبد بها سماء الخليج، وهي السبب لسباق التسلح الحثيث في منطقة الخليج. ومن الواضح أنه عندما يتواجد السلاح هناك، فسيكون في إمكان كل من يسيطر في هذه الدول استخدامه، ويجب القلق من ذلك في المستقبل، ولكن هذا بحاجة إلى تغيير كبير يتطلب تطبيقه، إذا حدث، زمناً ليس قصيراً.

لا شكّ أننا انتقلنا إلى عالم آخر بعدما تعودنا على وجود جيوش نظامية كبيرة مع دبابات ومدافع ومئات الطائرات ومئات آلاف الجنود، على «الحدود» المحيطة بنا. واليوم فان التهديد الحالي القائم على «إسرائيل» مختلف، وأساسه منظمات ليست دول التي تحرّكها ايديولوجيا إسلامية وأقواها هو حزب الله الذي بني على هيئة دولة وهو الذراع الطويلة لإيران ضدّ «إسرائيل» لردعها. وهو الجهة المعدة لـ«فرض الشريعة الإسلامية» في لبنان الذي توجد فيه طائفة شيعية هي الاكبر في الدولة.

حزب الله منظمة لا دولة، ويشبه إلى حدّ كبير جيشاً نظامياً من حيث إمكانياته، إذ يوجد في حوزته 150 ألف صاروخ وقذيفة صاروخية وبضعة آلاف منها تغطي جميع مساحة «دولة إسرائيل»، وهذه قوة نارية هائلة ونادرة في قوّتها، وهي أكبر كما يبدو مما يوجد لدى جميع دول أوروبا مجتمعة.

وتوجد لحزب الله صواريخ أرض ـ بحر بعيدة المدى، وصواريخ ضدّ الطائرات، وطائرات من دون طيار وصواريخ حديثة ضد الدبابات. وهو منظم جيداً لتنظيم عسكري هرمي وفي يده أنظمة الادارة والسيطرة النوعية. إذ بُني من قبل بعثات إيرانية، ولكن قيادته كانت دائماً لبنانية مرتبطة جيداً بالطائفة ومصالحها. وقد زود هذا التنظيم جميع احتياجات الشيعة في المجالات المدنية كقاعدة لبناء قوته العسكرية.

اليوم، هذا التنظيم مشغول في دعم نظام الاسد في سورية، وقد ضحى في هذه المعركة بالمئات من رجاله، وهو يراكم هناك تجربة قتالية غير قليلة، ولكن بالنسبة إليه فإن هذه هي معركة الوجود. وهو يقاتل إلى جانب العلويين في سورية كسلطة دينية حيوية بالنسبة إليه. فسورية هي الساحة الخلفية لحزب الله وهي مسقط رأسه وجسر له في العبور إلى إيران. فإذا بقي الاسد سيقوى موقف حزب الله في لبنان وسيزيد تأثيره في دمشق.

والتنظيم الثاني الذي يجب أخذه في الحسبان كتهديد متصاعد على «إسرائيل» يتمثل بـ«حماس» التي تسيطر على قطاع غزّة والتي بنت هناك، أيضاً بمساعدة إيرانية وبمساعدة حزب الله، إمكانيات عسكرية لا بأس بها، والاكثر أهمية منها هي امكانية الانتاج الذاتي للصواريخ والقذائف بعيدة المدى ومنظومة الانفاق باتجاه «إسرائيل». وبعد الحملة الاخيرة، بقي لـ«حماس» نحو من 3500 صاروخ وقذيفة صاروخية. والسؤال الكبير هو: بأي وتيرة ستعيد «حماس» لنفسها الامكانيات التي خسرتها. فالسلطة الحالية في مصر هي العقبة الكبرى بالنسبة إلى «حماسز.

ولـ«حماس» أيضاً بنية هرمية عسكرية منظمة وتثبت إمكانيات التعلم والتطوير بشكل مثير، وهي تفهم أيضاً أنها في الحملة الاخيرة فشلت غالبية المفاجآت التي أعدتها، وأنها لا بد من تحضير نفسها بشكل افضل في المستقبل.

وإلى جانب «حماس»، تعمل منظمة «الجهاد الإسلامي» التي أقيمت من قبل إيران ويتم تفعيلها إلى حد كبير على أيدي إيران، هي منظمة صغيرة تعتبر جودة الصواريخ والقذائف التي تملكها أقل من تلك التي لدى «حماس»، لكنها ليست منظمة هامشية عديمة الأهمية…

إن التهديد الاكثر جوهرية على وجود «دولة إسرائيل» يتمثل في إمكانية أن تنجح إيران في السنة القريبة المقبلة في التوصل إلى اتفاق يسمح لها بالتقدم في مسار الحصول على القدرات النووية العسكرية. وهذه العملية قد لا تحصل في نهاية هذه السنة، ولكن اتفاقاً سيئاًمع الدول العظمى قد يكون حجر الزاوية في مسيرة كهذه بدأت منذ زمن.

ويحتمل أن يكون هذا التحدي الأمني الاساسي لـ«دولة إسرائيل»، إذ سيصعب الاتفاق عليها مواجهة هذا التحدي. وذلك يعني انه على الجيش «الإسرائيلي» أن يكون جاهزاً للقتال البرّي وقتال الشوارع في لبنان وإلى حرب استنزاف في غزّة وإلى عملية في إيران، وهذا ليس سهلاً وليس رخيصاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى