الشعب اللبناني… يتفوّق حضارياً وسياسياً على فرنسا في إحباط الفتنة! الحكومة تنتصر على «النفايات»… بعد حلّ عقدة «المطامر الكتائبية»
كتب المحرر السياسي:
بعيداً عن التحليلات التي لا غنى عنها في مثل الحالات التي قدمتها الهجمات الإرهابية في باريس وجبل محسن، وتزامنها مع هجوم جبهة «النصرة» على نبل والزهراء، وهو الهجوم الذي لو نجح في تحقيق أهدافه وسقطت البلدتان بيد «النصرة»، لكان لبنان وسورية أمام مذبحة لآلاف الشيعة بيد جماعة مسلحة تحمل عنوان أهل السنة… وما لذلك من تداعيات.
التزامن ليس صدفة، والتتابع ليس صدفة، والأهداف لم يتمّ اختيارها صدفة، ولا أدوات التنفيذ كذلك. انتحاريان من حيّ المنكوبين يفجران نفسيهما في مقاه يرتادها كوادر الحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن، يوم النظر في الدعوى على قادة الحزب العربي الديمقراطي بتهمة التورّط في تفجيرات مساجد طرابلس، كمثل مهاجمين جزائريين يقتحمون صحيفة فرنسية تبث روح الكراهية ضدّ الإسلام والمسلمين وأغلب محرّريها من اليهود، وينادون على أسماء صحافيين فرنسيين ويقتلونهم بدواعي الدفاع عن المسلمين، في باريس.
انتبهت فرنسا أنها تدخل مرحلة نوعية في الحرب على الإرهاب وأنه الحادي عشر من أيلول مجدّداً، فواجهت التحدّي بحشد دولي سياسي وإعلامي وحشد داخلي لتعلن نفير الحرب.
انتبهت طرابلس وانتبه جبل محسن وانتبه اللبنانيون، فلم تقع مراشقات بالزجاجات الفارغة على حي المنكوبين، كالتي شهدتها المنازل الأمامية في الأحياء التي يسكنها الجزائريون في باريس ومدن فرنسية عدة، ولو حصلت لكانت بالقنابل على حي المنكوبين أو حي التبانة في طرابلس، ولم يحرق مسجد أو مكتب حزبي كالمساجد التي أحرقت في فرنسا واضطر وزير الداخلية لتخصيص حراسات أمامها منعاً لتكرار الحوادث المشابهة.
على العكس تماماً، أعلنت فاعليات جبل محسن أنّ أبناء وسكان حي المنكوبين «هم أهلنا» والعائلات التي ينتمي إليها الانتحاريان هي عائلاتنا وبيوتنا بيوتها ونرحب بقدومهم لتقديم التعازي، بينما يمتنع كلّ أقارب المهاجمين الجزائريين عن مغادرة أحيائهم والذهاب إلى أماكن عملهم بنصيحة من الشرطة منعاً لردود فعل غاضبة من زملائهم أو من يتعرّف إليهم.
خلافاً لكلّ مرة مشابهة كان ردّ الفعل بمستوى لائق وحضاري ووطني وشجاع، وبدت أهمية الدور السياسي لكلام القيادات المعنية، خصوصاً مستوى الاستنكار الواضح لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري خلافاً للمرات السابقة المشابهة، حيث كان لا يخلو الاستنكار للفعل إرهابي من «ولكن» ومن تحميل حزب الله مسؤولية تشجيع الإرهابيين، وجملة «لولا قتال حزب الله في سورية»، أو الشباب التي «رؤوسها ساخنة» كما دأب على وصفهم الوزير أشرف ريفي، وهنا تظهر أولى النتائج التي حققها حوار حزب الله وتيار المستقبل بتقديم شبكة أمان وطنية تولى شرحها والتسويق لها الرئيس نبيه بري كثيراً في الأيام الماضية، ليظهر أنّ استهداف الإرهاب لها لا يقلّ عن استهدافه للنسيج الوطني اللبناني، بل ربما اعتبر الإرهابيون أنّ إسقاط الحوار مقياسهم لمستقبل قدرتهم على مواصلة الرهان على البيئة الحاضنة لتيار المستقبل، حتى يمكن القول إنّ الحوار نجا من تفجير جبل محسن، ونجح معه لبنان، وما يعنيه ذلك من أنّ العدّ التنازلي للإرهاب قد بدأ، إلا أنه بمنزلة مواقف القيادات يسجل لقيادة الحزب العربي الديمقراطي نضجها ووعيها وشجاعتها، وهم أولياء الدم، وردود الفعل العصبية تقع في ملعبهم، وهنا تكمن قيمة الكلام المنقول عن كلّ من علي عيد ورفعت عيد لأهالي جبل محسن والمناصرين، لكن الفضل كلّ الفضل يبقى إلى مستوى تلقي أهالي جبل محسن وأبناء الأحياء المجاورة والمعنية في طرابلس، خصوصاً التبانة والمنكوبين، حيث جرت العادة في حالات مشابهة على إطلاق المفرقعات وتوزيع الحلوى من قبل بعض المجموعات المسلحة في هذه الأحياء شامتة، بينما تكفلت عمليات الجيش التي نظفت الأحياء من هذه الجماعات بنقل الصورة الصافية لموقف الأهالي التضامني مع الكارثة التي حلت بجبل محسن وإعلان الحداد والمشاركة بمراسم الدفن للشهداء، بينما كان الرقيّ الحضاري والمسؤولية الوطنية الحاضر الأول في سلوك أهالي جبل محسن.
ليس من المبالغة القول إنّ لبنان تفوّق على فرنسا حضارياً ووطنياً وشجاعة ونضجاً سياسياً، فلم يخرج مثل ماري لوبين زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا من يدعو للتهجير والتطهير.
قدم اللبنانيون نموذجهم وتركوا لأهل السياسة أن يتابعوا الطريق تحصيناً أمنياً وملاحقة قضائية، وإصراراً على وأد الفتنة ومطاردة الإرهابيين ومنعهم من الاحتماء بأي بيئة حاضنة تحت أي ذريعة أو عنوان.
في السياسية مجلس الوزراء الذي كان يقدم صورة بائسة عن حال اللبنانيين بتوقف أعماله بسبب الخلاف على ملف النفايات، يعود اليوم وثمة معطيات عن حلحلة تقوم على تسوية تخص المطامر التي يريدها حزب الكتائب في مناطق تعنيه كما قالت بعض المصادر من دون أن تكشف التفاصيل.
فوسط الأجواء الإيجابية للحوار بين حزب الله وتيار المستقبل الهادف إلى تنفيس الاحتقان المذهبي في الشارع منعاً لانفجاره، تسلل الإرهاب مجدداً إلى الشمال مستهدفاً هذه المرة منطقة جبل محسن عبر انتحاريين فجرا نفسيهما بحزامين ناسفين في مقهى أبو عمران، ما أدى إلى سقوط 11 شهيداً و48 جريحاً. وبينما سارعت «جبهة النصرة» إلى تبني الجريمة الإرهابية، صدرت إدانات واسعة للتفجيرين ودعوات إلى التهدئة ومواجهة الإرهاب بالحوار والوحدة الوطنية.
وأمس، أكدت جبهة «النصرة»، في بيان رسمي نشرته عبر حسابها على موقع «تويتر»، مسؤوليتها عن التفجير الإرهابي.
وأشارت في البيان إلى أن هذه العملية جاءت رداً على التفجيرين اللذين حصلا في طرابلس سابقاً. وزعمت الجبهة أن «حكومة لبنان تغاضت عن هذه الجرائم بتركها مجال الهروب مفتوحاً أمام هؤلاء المجرمين الذين نفذوا هذا العمل الدنيء، ضاربين بمشاعر أهل السنة في لبنان عرض الحائط».
وتحدثت الجبهة في البيان عن تفاصيل العملية، قائلة: «مع بزوغ شمس يوم السبت 10-01-2015، انتفض شابان من شباب أهل السنة الميامين ثأراً لدماء أهلهم التي أريقت في سورية ولبنان، وكانا قد قضيا ليلتهما قائمين وأصبحا صائمين وانطلقا مستهدفين أحد معاقل ما يسمى بالحزب الوطني الديموقراطي النصيري في جبل محسن».
وأوضحت أنه «بعد الرصد الدقيق والمتابعة الحثيثة تم اختيار الساعة المناسبة للعملية، فتقدم أبو عبدالرحمن مقتحماً المقهى وكبّر ثم فجّر حزامه الناسف بالجموع، وانتظر أبوحسام بضع دقائق ثم فجر هو الآخر حزامه بمن تجمع من عناصرهم الأمنية التي هرعت لمكان الانفجار الأول».
وتوجهت إلى «حزب الله» وحلفائه بالقول: «لن ندخر جهداً لضربكم في عقر دياركم».
وكانت قيادة الجيش أعلنت في بيان لها أن العملية الإرهابية التي وقعت في جبل محسن نفذها الانتحاريان طه سمير الخيال وبلال محمد المرعيان، بواسطة حزامين ناسفين زنتهما نحو 4 كلغ من الـ TNT ، وأشارت إلى أن التحقيقات جارية لكشف ملابسات الحادث. في حين نقلت وكالة «الأناضول» عن قيادي في «النصرة» أن الانتحاريين وهما من طرابلس، جرى تدريبهما في القلمون السورية وتم إرسالهما إلى جبل محسن لتنفيذ العملية.
وأكد رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، خلال ترؤسه في دارته في المصيطبة، اجتماعاً أمنياً «أن هذه الجريمة البشعة تظهر حجم التحدي الإرهابي الذي ما زال يتهدد لبنان، الأمر الذي يستلزم الإبقاء على أعلى درجات اليقظة والجاهزية من جانب جميع القوى المولجة حفظ الأمن في البلاد».
واستعرض المجتمعون ما توصلت إليه التحقيقات في التفجيرين والخطوات المتخذة على الصعيدين الأمني والقضائي لكشف المخططين لهذه الجريمة والمشاركين فيها وجلبهم إلى العدالة. كما عرضوا الوضع الأمني العام وتم اتخاذ القرارات المناسبة.
لكن كان لافتاً إعلان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بعد ترؤسه اجتماع الأمن المركزي في طرابلس عن وقوف تنظيم «داعش» خلف التفجيرين، مشيراً إلى ورود معلومات تقول: «إن الانتحاريين على صلة بمنذر الحسن». قتل في طرابلس أثناء مداهمات الجيش في طرابلس . وأوضح: «أن الأجهزة الأمنية استطاعت الحصول على أسماء منفذي الجريمة والجهة التابعين لها، كما يجري التحقيق مع بعض أقاربهم والمنتمين لـ «داعش».
وإذ اتهمت مصادر مطلعة شخصيات في تيار المستقبل بأنها على علاقة مع الإرهابيين، تخوفت من «أن يكون الانشقاق الحاصل داخل التيار حول الحوار مع حزب الله، دفع بعض المتضررين فيه إلى بعض الارتكابات»، لكن المصادر رأت «أن الفريق الأقوى داخل التيار المصرّ على الحوار استوعب الأمر ووضع يده على المسألة بما يحول دون نجاح الفريق المعارض».
وتؤكد المصادر أنه كان وراء التفجيرين خطة لتفجير طرابلس لكنها فشلت «نتيجة وعي أهالي جبل محسن والقيادات الوطنية التي أحجمت عن ردود الفعل الانفعالية، وسرعة تحرك الجيش لاحتواء الموقف، والتصرف العاقل الذي أبداه الجناح الآخر في المستقبل».
حل مشكلة مطامر النفايات
على خط آخر، يعقد مجلس الوزراء اليوم جلسة له وعلى جدول أعماله إقرار بند ملف النفايات. وأشارت مصادر كتائبية لـ»البناء» إلى «أن ملف النفايات سيقر اليوم بالإجماع، بعدما تم التوصل من خلال اتصالات في اليومين الماضيين، إلى تفاهم على «أن تكون الدولة هي المرجعية النهائية من خلال تحديد مسبق للمواقع والأماكن التي يمكن أن تكون صالحة للطمر من خلال مخطط توجيهي يرتكز على المقالع والكسارات». وشددت المصادر على «أن ما جرى الاتفاق حوله هو صياغة جديدة للتعديلات التي طرحها حزب الكتائب».
في المقابل، علقت مصادر وزارية على أداء وزراء الكتائب بالقول: «ها هم مرة جديدة يتراجعون عن القرارات والمواقف على غرار ما فعلوا سابقاً عند مناقشة البيان الوزاري». وشددت المصادر على «أن الكتائب لم يكن أمامهم غير ذلك، بعدما حسم رئيس الحكومة أمره عقب جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي وتأكيده «أن ملف النفايات سيصدر، لأن البلد لم يعد يتحمل»، ورفضه استقبال النائب سامي الجميل والوزراء الكتائبيين».
في حين أشار وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس إلى «أنه سيحضر جلسة مجلس الوزراء اليوم لأنها ستبحث في الوضع في طرابلس بعد التفجير الذي وقع في جبل محسن»، لافتاً إلى «أن المدينة نجت من قطوع كبير». وأشار إلى «أننا ستبحث اليوم مشاريع أقرت لطرابلس وهي قيد التنفيذ أبرزها المنطقة الاقتصادية الخالصة، مد سكة الحديد من مرفأ طرابلس إلى سورية وإقامة محطة تسفير في منطقة التل».
حزب الله: المهم الخيار الوطني للرئيس
وفيما لم يطرأ أي جديد في موضوع الاستحقاق الرئاسي حدد حزب الله شرطه للبحث في أسماء المرشحين. وأكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد «أننا الآن في ظل انقسام حول الخيار الوطني الصحيح لبلدنا الذي ينبغي على الرئيس المقبل ترجمته»، وأضاف: «كيف يمكن أن ننتخب رئيساً لا لون له ولا طعم ولا رائحة، وفي ضوء أي خيار والتزام لا يمكن أن نوكل مصالح بلدنا لهوى واستنسابية شخص مهما علا شأنه»، مشدداً على «أهمية الاتفاق على الخيار الوطني لهذا الشخص حتى نفصِّل اسمه على مضمونه، وهذا ما يجب أن نتنبّه إليه وإلاَّ فإننا ندور في حلقة مفرغة».
البحرين تستدعي القائم بالأعمال اللبناني
على خط آخر، أعلنت وزارة الخارجية البحرينية استدعاء القائم بأعمال سفارة لبنان لدى البحرين اثر ما وصفته بـ «التصريحات العدائية الأخيرة» التي أدلى بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تجاه البحرين.
وأشارت الوزارة في بيان إلى أن «وكيل وزارة الخارجية السفير عبدالله عبداللطيف أكد للقائم بالأعمال اللبناني ابراهيم عساف إدانة البحرين لهذه التصريحات وضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة والحاسمة تجاهها».
واعتبر أن تلك التصريحات «تعد تدخلاً مرفوضاً في الشأن البحريني والخليجي وتتضمن تحريضاً واضحاً على العنف والإرهاب وهو أمر لا يمكن السكوت عنه أو التهاون تجاهه».
وتجدر الإشارة إلى أن السيد نصرالله كان قد شدد في كلمته يوم الجمعة الماضي خلال الاحتفال بعيد المولد النبوي، على سلمية الحركة الاحتجاجية في البحرين.