تقرير إخباري
لم يعد خفياً وجود خلافات حادة تكاد تعصف بحزب حركة نداء تونس، الذي فاز في الانتخابات البرلمانية وحقق رئيسه الباجي قايد السبسي فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية بجولتيها، وذلك نتيجة التقارب مع حركة النهضة ومحاولة إشراكها في الحكم، إذ أعلنت الأخيرة ردها النهائي على ذلك بالإيجاب.
ففي أوائل حزيران 2012، أسس السبسي حركة نداء تونس، بمشاركة عدد من الشخصيات السياسية التي كانت إلى جانبه في مشوار عمل الحكومة الانتقالية التي قادت البلاد من آذار إلى كانون الأول 2011، ثم تركت مكانها لحكومة الترويكا الأولى بقيادة حمادي الجبالي، والتي تمخضت عن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تشرين الأول 2011 عندما فازت حركة النهضة بـ 89 مقعداً في المجلس، وتحالفت مع حزبين آخرين هما المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي للعمل والحريات.
السبسي قال بعد تأسيسه الحركة إن الدافع الأول لمشروعه هو نتيجة اختلال التوازن السياسي في البلاد لمصلحة النهضة التي تتزعم تيار الإسلام السياسي في البلاد.
وكان الالتفاف الكبير حول الحزب الجديد نتيجة صراع فكري وإيديولوجي بين البورقيبيين وأنصار الدولة المدنية الحديثة من جهة، وبين الإسلاميين الذين حاولوا النبش في التاريخ والبحث عن مرجعيات من أجل محاصرة نداء تونس وعرقلة خطوات السبسي، بعد اتهامه بالتورط في قمع جناح الرئيس صالح بن يوسف داخل الحزب الحر الدستوري في عامي 1955 و1956 أثناء الصراع مع جناح الحبيب بورقيبة.
في حزيران 2012، ذكر مسؤول حركة النهضة راشد الغنوشي أن انتصار مرشح حركة الإخوان في الانتخابات الرئاسية المصرية محمد مرسي «ليس انتصاراً للإخوان أو لمرسي بل هو انتصار للثورة في مصر»، وتحدث عن محاولات في تونس لصناعة رئيس الوزراء المصري الأسبق أحمد شفيق جديد، في إشارة للسبسي.
كان موقف الغنوشي واضحاً في معاداته لحركة نداء تونس في ظل مرحلة كانت تنبئ بسيطرة الإخوان وحلفائهم من الجماعات السلفية على المشهد السياسي في تونس وليبيا ومصر واليمن. بينما وجدت نسبة مهمة من التونسيين الأمل في حركة النداء التي تعرض أحد قيادييها المحليين لطفي نقّض إلى أول عملية اغتيال سياسي في البلاد بعد الثورة.
وعرفت تونس في تلك الفترة اتساعاً لدائرة الجماعات الدينية المتشددة وظاهرة التكفير، ومحاولات قمع العلمانيين وقوى اليسار والنقابات، ولوحظ التحالف بين الترويكا.
وعلى رأسها حركة النهضة مع تنظيم أنصار الشريعة، الذي عقد مؤتمراً شعبياً لأول مرة في القيروان في نيسان 2012 بعد مؤتمره في ضاحية سكرة بالعاصمة بحضور قيادات من النهضة غير أن بدايات عام 2013 كانت صادمة للتونسيين عندما تعرّض الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد عضو مجلس أمناء تحالف الجبهة الشعبية شكري بلعيد إلى الاغتيال أمام منزله صباح السادس من شباط.
ثم بدأ الإرهاب يكشّر عن أنيابه في البلاد، انطلاقاً من مرتفعات المناطق الغربية. وفي 25 تموز 2013، تزامنت ذكرى الاحتفال بعيد الجمهورية مع اغتيال القيادي في الجبهة الشعبية مؤسس التيار الشعبي محمد البراهمي، وبعد أيام تعرض ثمانية عسكريين للذبح والتنكيل في سفوح جبل الشعانبي، الأمر الذي أثار غضب التونسيين ضد قوى الإسلام السياسي، وجعل حركة النهضة في موقف صعب بعد اتهامها مباشرة بالتورط سياسياً في دعم الإرهاب.
أدركت حركة النهضة أنها دخلت قلب الإعصار بعد توتر الأوضاع في تونس، وكذلك بعد ثورة الثلاثين من حزيران المصرية التي أطاحت بحكم الإخوان. وشعر الغنوشي بأن التوافق مع قوى اليسار والنقابات وعموم الشارع التونسي بات صعباً، وربما يصل إلى مرتبة المستحيل، لذلك اتجه في منتصف آب 2013 للبحث عن حل عند السبسي.
تخلى الغنوشي عن مواقفه السابقة من السبسي وحزبه، ودفعت به نزعته البراغماتية إلى البحث عن توافق مع أعداء الأمس، خصوصاً في ظل اعتصام الرحيل الذي نظمته جبهة الإنقاذ، وكذلك في ظل التحالف بين نداء تونس والجبهة الشعبية، حيث إنه وعلى رغم التناقض الفكري بينهما، اندفعا للتحالف ضد حركة النهضة وقوى الإسلام السياسي.
وفي تشرين الاول 2013، وجد الغنوشي نفسه أمام مستجدات تفرض عليه التنازل، سواء من خلال التخلي عن حكومة الترويكا والقبول بحكومة كفاءات وطنية أو التوافق على نصوص الدستور الخلافية أو تجريم الجماعات السلفية الجهادية أو التراجع عن قانون العزل السياسي أو حل روابط حماية الثورة.
أعطى التونسيون الأسبقية لنداء تونس في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ما فتح أمامها الطريق للاستيلاء على الرئاسات الثلاث رئاسة الدولة ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة، غير أن الفوز لم يكن كاملاً نتيجة القانون الانتخابي الذي يعتمد على مبدأ النسبية ولا يمكّن أي حزب من الحصول على غالبية مريحة في البرلمان.
لذلك كان على نداء تونس أن يبحث عن حلفاء وجدهم في أحزاب الاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس وحزب المبادرة، في حين يبقى التوافق مع الجبهة الشعبية عسيراً نتيجة الخلافات في التوجهات الاقتصادية. أما حركة النهضة فتمتلك مع حلفائها الثلث المعطّل، الذي يمكن أن يعرقل أي مشروع حكومي في المرحلة المقبلة.
فجأة، تحوّل السبسي في نظر الغنوشي من أحمد شفيق تونس الذي لن يمرّ إلى الرجل الديمقراطي وابن الثورة وصانع الوفاق. وتحولت حركة نداء تونس إلى حزب تقدمي وديمقراطي. وفي أكثر من مناسبة أشاد الغنوشي والتيار النهضوي القريب منه بالرئيس الجديد وفكره ومواقفه وحزبه، وهو ما أثار جدالاً واسعاً في الساحة التونسية.
وظهرت أصوات عدة داخل حركة نداء تونس تدعو إلى عدم مشاركة حركة النهضة في الحكم، في حين رأى البعض أن النهضة تريد مكاناً لها في الحكومة لتحول دون فتح ملفات زمن الترويكا وخصوصاً المتعلقة بالفساد والإرهاب.
ولم يجد السبسي أمامه غير دعوة الحبيب الصيد المستقل لتكليفه بتشكيل الحكومة، وهو ما اعتبره مراقبون ترضية لحركة النهضة، التي عرفت الصيد جيداً عندما تولى مهمة الملف الأمني في ديوان رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي.