دواعش الأليزيه

محمد محمود مرتضى

لم يكن المواطن الفرنسي بشكل عام يحتاج الى الهجوم الذي وقع على الصحيفة الأسبوعية الساخرة «شارلي ايبدو» ليتخذ موقفاً من المسلمين عموماً ومن المهاجرين العرب بشكل خاص، فإنّ من يتابع المشهد الفرنسي منذ سنوات سيكتشف تنامي تيار عنصري مخيف مناهض للمهاجرين.

ويكفي الاطلاع على النتائج التي حققها هذا التيار في الانتخابات لنعرف مدى التوسع المضطرد لهذه التيارات المتطرفة.

والواقع انه من الخطأ الاعتقاد انّ ما قامت وتقوم به صحيفة «شارلي ايبدو» من نشر رسومات مسيئة للإسلام هو عمل منفصل عن النشاط الدائر في فرنسا والمتعلق «بأرهبة» الإسلام تحت عناوين شتى.

أخطأت الصحيفة وغيرها في تحديد بوصلتها عندما قامت باستهداف الإسلام ومقدساته، ولا يشفع لها انّ رسوماتها طاولت مقدسات أخرى ولم تنحصر بالإسلام، فرسومات كهذه تسعى إلى تحميل الإسلام والمسلمين وزر أعمال عنفية تقوم بها جماعات متطرفة عاني المسلمون أنفسهم منها أكثر مما عاناه غيرهم.

والحقيقة انّ الصحيفة وغيرها تجاهلت مسؤولية حكوماتها المتعاقبة في التعاطي مع ملفات هامة عدة في المنطقة.

لا ننكر وجود جماعات إرهابية تجعل من الإسلام عباءة لها، ولكن الحقيقة ايضاً تقتضي القول إنّ ظواهر كهذه لا تقتصر على المسلمين وحدهم.

فالإسلام والمسلمون كغيرهم من الديانات والشعوب ممّن يحملون عقائد وأفكاراً فيهم المتطرف وفيهم المعتدل، فلماذا الإصرار الفرنسي في التصويب على خصوص المتطرفين منهم من دون السعي إلى تسليط الضوء على المعتدلين وتقديمهم على انهم يمثلون الإسلام الحقيقي؟

هذا السؤال يبنغي ان يطرحه الشعب الفرنسي على رؤسائه وحكوماته بدءاً «بالشيراكية» التي فتحت الباب لـ ساركوزي وهولاند في بناء تحالف مصالح اقتصادية لصالح الشركات الفرنسية الكبرى مع دول خليجية معلوم عنها أنها المصدّر الأول لهذا الفكر الإرهابي، والمموّل الأكبر لها. فمن الذي سمح بهيمنة «الوهابية» على معظم المساجد والمراكز الإسلامية في فرنسا.

لقد قرّر هذا التحالف التضحية بأمن المواطن الفرنسي واستقراره على حساب الاقتصاد واتفاقيات بيع الأسلحة.

لا يمكن لفرنسا ولغيرها من الدول الأوروبية ان تفتح أبوابها مشرّعة للفكر الوهابي وتعطيهم الامتيازات «الدعوية» على حساب الجماعات الأخرى المعتدلة ثمّ ترفع الصوت عالياً عن خطر داهم، ملقية باللائمة على أنظمة عربية «علمانية» هنا وهناك في الوقت الذي تذرّ الرماد في عيون مواطنيها للتعمية عن تحالفها مع أنظمة عربية راعية لهذا الفكر الإرهابي تحت مسمّيات عدة.

وليس بعيداً عن هذه السياسة الخارجية الخرقاء ينبغي على الشعب الفرنسي ان يسأل حكومته ايضاً عن وجه المصلحة في معاداة وفرض عقوبات على دولة إسلامية ديمقراطية معتدلة كإيران، وعرقلة كلّ مساعي التوصل الى حلول على حساب التحالف مع ممالك خليجية تصدّر الكراهية وأفكار العنف.

كما ينبغي له أن يسأل قادته عن وجه الاستفادة في التآمر على نظام علماني في سورية، لطالما كان يحارب الإرهاب، على حساب دعم جماعات تكفيرية إرهابية مسلحة في سورية تسعى لإسقاط هذا النظام للحلول مكانه.

ولئن تصدّرت باريس المشهد اليوم، فإنّ الخطر محدق بأوروبا كلها. وما يصلح سؤالاً للفرنسيين يصلح أيضاً لجميع الشعوب الأوروبية، عن أيّ النموذجين أفضل:

دول تحمل القلم والعلم والتعقل والاعتدال سلاحاً وان كانت لها طموحات نووية سلمية في اطار الحق المشروع لكل الشعوب، ام دول وان كانت تؤمّن بعض المصالح والمطامع الاقتصادية الآنية، لكنها تحمل الجهل والكراهية والسيف سلاحا لها؟؟!!

إن ما حصل في باريس وما كاد أن يحصل في محطة القطارات المركزية في العاصمة الاسبانية مدريد وان كان امراً مرفوضا ومدانا، لكن يجب ان لا ننسى انه نتيجة طبيعية للسياسات الخارجية الاوروبية، تلك السياسات التي لا تقل وحشية وعنفاً وكراهية عن سياسات «داعش».

وان كان ثمة من ينبغي أن يُسأل عن جريمة باريس وأن يحاسب عليها، فانهم بلا شك ليس فقط المنفذون المباشرون لها فقط بل ينبغي أن يُسأل عنها أيضأً «دواعش الاليزيه».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى