التحذير من تمدّد الإرهاب… نظرية سورية بامتياز

د. حسام الدين خلاصي

يرجع بنا التاريخ إلى الخطاب الأول الرؤية الأولى للرئيس بشار الأسد مع بداية الأزمة السورية، والتي كانت تتويجاً لقاطفي ثمار «الربيع العربي» والمروّجين له، بحجة تغيير الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، عبر ثورات أُريدَ لها أن تكون ظاهرياً برتقالية أسوة بأخواتها في أوكرانيا وبولونيا وغيرها، وباطنياً دموية بامتياز مخطط له منذ فترة طويلة، على خلفية غشاوات عين إسلامية حضرت لتشمل الشريحة الأوسع من الشعب الشباب والمُهمَّشين بفعل الجهل والفقر .

في الخطاب المشار إليه، حذر الرئيس الأسد بأنّ العالم بأسره لن يقوى على حمل تبعات الإرهاب الذي سيجتاحه، وأنّ من يرعى الإرهاب سينال حصّة كبيرة منه، ولو أنّ القيمة الإنسانية الكبرى دُفعت في سورية، ولكننا ما زلنا في بداية طريق تفشي الإرهاب الدولي الإسلامي المتصهين .

يومها أدار العالم ظهره للرئيس السوري ولم يستمع إلى تحذيراته التي ظنّ بعضهم أنها مجرّد تحذيرات وظنّ البعض الآخر أنها تنبيه دبلوماسي سياسي، لكنها كانت في الحقيقة رسالة أطلقها الأسد لمن خططوا ونفذوا ودبروا، مُفادها أنّ اللعبة باتت مكشوفة وأنّ خطوتهم التالية هي إما نشر الإرهاب في دول العالم وتحويلها إلى دول فاشلة يتم التدخل فيها لأغراض اقتصادية وعسكرية وسياسية ثلاثين دولة ذات موارد اقتصادية خام ، أو استعمال الإرهاب لزعزعة استقرار دول غربية محايدة لكي تنضم إلى جوقة الداعين إلى التخلص من الإرهاب تحت العباءة الأميركية والصهيونية مثل كندا وأستراليا ، أو أن تتخذ بعض الدول الإرهاب المنظم الذي سيضرب داخلها حجةً للدخول في شراكة مع أميركا بريطانيا وفرنسا .

لكي نتبين ضراوة الهجمة، فإنّ اختيار سورية لتكون معقل «داعش» وأخواته لم يكن عبثياً على الإطلاق وذلك للأسباب التالية :

– الجوار السوري ــ العراقي : التجربة السابقة للإرهاب الإسلامي في العراق الذي توطد بسبب الكره للاحتلال الأميركي، والذي سهلت له أميركا الإقامة واستوردت مختلف أصناف الإرهاب المنظم القابع تحت سيطرتها وهنا استثني المقاومة الوطنية العراقية التي ذابت بفعل أميركي استخبارتي خبيث في الصراع الطائفي لاحقاً بعد خروج المحتل الأميركي السريع المستغرب في عهد حكومة المالكي .

– الجوار السوري ــ اللبناني: إنّ علاقة سورية بالمقاومة اللبنانية، وحزب الله بالتحديد، تشكل أكبر عامل تحدٍّ لمشروع الربيع الصهيوني المتأسلم، وبالتالي يجب فصل عرى هذا التحالف، على خلفية مذهبية. ففي سورية تمّ اختلاق انتفاضة «سنية» متصهينة ترفض التدخل «الشيعي» لحزب الله في سورية، وهذا ما ظهر من نداءات اليوم الأول للفوضى الخلاقة التي خرجت من درعا.

– الجوار السوري التركي: فتركيا «الإخوانية» التي مدّت الطعم ليس لسورية وقيادتها فقط بل للعرب جميعاً، على أنها منقذة فلسطين والبديل السني المناسب للتمدّد الشيعي لإيران، نجحت إلى حدّ كبير في انتزاع صمّام الحذر من العلاقات السورية ــ التركية، واخترقت السوق الاجتماعية والاقتصادية وقوّت شوكة «الإخوان» في سورية ورفعت أسهم أردوغان لدى الشارع السوري ورسمت صورته كصديق مخلص للشعب السوري الذي رفع البعض منه صوره وعلم تركيا أثناء الحراك المنظم والعشوائي، في آنٍ معاً، في الشوارع السورية وعلى وسائل الإعلام المروِّجة للربيع العربي .

لكنّ أهم الأسباب هو أنّ سورية كانت تشكل نموذج الدولة الناهضة التي تبتغي أن تكون دولة حديثة تبحث عن التجدّد والارتقاء، رغم كلّ مظاهر الفساد المنظم من قبل شبكة سرية من عملاء الإخوان المسلمين الذين تمكنوا من الداخل السوري بحنكة شديدة، انتقاماً وطمعاً في السلطة.

وقد حصل اليوم ما حذرت منه سورية وتمدَّد الإرهاب، فبعد الدعم اللامحدود لـ«داعش» أصبحنا نرى انتشاراً للتنظيم وفكره وعملياته وأسلوبه في الأقطار العربية بداية وفي آسيا وأوروبا لاحقاً، ما شكل دليلاً حتمياً على صحة رؤية الرئيس الأسد وتحذيراته منذ بداية الأزمة ، فعمليات «داعش» آخذة في التوسع ولن تقف عند حدّ وسنجد أنفسنا في المحصِّلة على مفترق طريقين :

الأول، أنّ دائرة الحرب ستتوسع بحجة محاربة الإرهاب على الأرض السورية والعراقية، حيث تستمرّ محاولات التقسيم ولن يدخر العدو الصهيوني جهداً لتحفيز الدول على اتخاذ الإرهاب ذريعة لاحتلالها بقصد تطهيرها، والثاني انكفاء المشروع الصهيوني، فجيوش المنطقة، وخصوصاً الجيش السوري والعراقي والمصري واللبناني والمقاومة اللبنانية، ستشكل حلفاً دولياً حقيقياً صادقاً لمحاربة «داعش» وأخواته.

إنّ كلا الحالتين ستنهكان الدول المعادية والرافضة للكيان الصهيوني الغاصب، ولكن تبقى الحالة الأولى أقلّ كلفة من الأولى وأرقى على سلم الدفاع عن الأوطان، لذلك فإنّ القارىء لتاريخ الكيان الصهيوني يعرف أنه لا يرتدّ إلا عندما يتألم. وتبقى المراهنة على صحوة عربية إسلامية للانقضاض على ذلك الكيان بحرب خاطفة تردّ الباقي من الخطط وتلجمها، لأنّ هذا الكيان غاشم وذو مطامع لا حدود لها. وهنا نعود إلى عبارة «اقطعوا رأس الأفعى قبل أن تلدغكم».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى