أربعة مسارات دبلوماسية مترابطة تستهل السنة الجديدة… وروسيا هي المحور والأساس

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

«انتُخبت رئيساً لروسيا كي أقدّم لها خدماتي، لا كي أكون «لطيفاً» مع أوباما»، جملةٌ قالها القيصر الروسي فلاديمير بوتين في إحدى المقابلات، تفسّر إلى حدّ ما لامبالاته إزاء الهجمات الإعلامية الغربية ضدّه، وتفسّر أيضاً شعبيته الآخذة في النموّ السريع داخل روسيا، إذ تخطّت الـ80 في المئة حالياً. ومن الصعب أن نتخيّل اليوم رئيس بلاد في العالم يضاهي في شعبيته فلاديمير بوتين.

وجود رئيس قويّ يحظى بشعبية واسعة، يعني أنّ الدولة التي يرأسها قوية، وتشكّل رقماً صعباً في المعادلات العالمية. وهذا ما ينطبق على روسيا في شتّى الملفات العالمية التي طغت على العام الماضي. ومنها ما ارتبط بروسيا مباشرةً كالأزمة الأوكرانية وضمّ شبه جزيرة القرم، ومنها ملفات سجّلت روسيا فيها مواقف هامة، كبحت من خلالها جموح الاستكبار الأميركي، كالأزمة السورية، والملف النووي الإيراني.

في تقريرنا التالي، ترجمة لثلاثة مواضيع نشرت في مدوّنة «bhadrakumar»، يتحدّث الأول عن مسارات ذات صلة بالقضية النووية الإيرانية، أوكرانيا، سورية، إضافة إلى الأزمة الشاملة للعلاقات الروسية مع الغرب. وعن بروز روسيا كبطل رئيسي في سياق أحداث المسارات الدبلوماسية الثلاثة الأولى، ما دفع أوباما لأن يحدّد رأيه بوضوح في شأن خطة استراتيجية كبرى تهدف إلى إشراك روسيا في ضرورة البدء بعملية بحث واسعة النطاق للتوصل إلى حلول سلمية في كل من سورية وأوكرانيا ولوضع الأسس اللازمة لاتفاقية مع إيران. وافترض أوباما أن عملية تطبيع شاملة مع الروس تعتبر شرطاً رئيسياً لإحراز أيّ تقدّم على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين.

الموضوع الثاني يتحدث عن الحرب الإعلامية بين الرئيسين بوتين وأوباما، إذ بلغ الأسلوب الدعائي للحرب الباردة ضدّ بوتين ذروته في وسائل الإعلام الغربية. لكن بوتين لا يزال يظهر بمظهر البارد اللامبالي، ما يكذّب الانتقادات الأميركية الكاريكاتورية من أنه لا يحتمل النقد.

أما الموضوع الثالث والأخير، فيتناول التقارب الصيني ـ المصري على مستوى «طريق الحرير».

روسيا هي الأقوى اليوم. وإذا كانت لا تريد أن تظهر بمظهر قوّة مستكبرة، فإنّها تحرص على أمرين: إبراز قوّتها كفيصل في إثبات حقّها وحقوق حلفائها، والقضاء نهائياً على ما كان يعرف بأحادية القرار العالمي.

التطوّرات الدبلوماسية

استهلّت السنة الجديدة بدايتها مع أربعة مسارات دبلوماسية مختلفة إنما مترابطة إنها مسارات ذات صلة بالقضية النووية الإيرانية، أوكرانيا، سورية، إضافة إلى الأزمة الشاملة للعلاقات الروسية مع الغرب.

نقلت وكالة «آسوشيتد برس» عن مسؤولين قولهم إن إيران والولايات المتحدة وافقتا مبدئياً على صيغة لتسوية خلافاتهما ووضع قائمة توجز الاحتمالات المطروحة، ونهجاً لحلّ الخلافات المتبقية، والتي ستُناقش في الجولة المقبلة من المحادثات الستة التي ستبدأ قريباً في جنيف. ويتوقع التقرير احتمال التوصل إلى اتفاق بحلول آذار بحيث يمكن صوغ اتفاق نهائي قبل انتهاء الجدول الزمني المنصوص عليه في 30 حزيران.

بالنسبة إلى أوكرانيا، إن مؤتمراً هاتفياً رباعياً بين وزراء خارجية كل من ألمانيا، فرنسا، روسيا وأوكرانيا، تقرّر من خلاله عقد مؤتمر لمناقشة إنهاء الصراع. وقد جاء في بيان لوزارة الخارجية الروسية: «سيستأنف الأفرقاء مناقشاتهم حول سبل تسهيل إرساء السلام في الجنوب الشرقي من أوكرانيا، وسيتضمن ذلك تنفيذ اتفاقيات مينسك. ونؤكد ـ في هذا السياق ـ على ضرورة عقد الاجتماع المقبل لمجموعة الاتصالات الرباعية في أقرب وقت ممكن».

وكانت «المعارضة السورية» المدعومة من الغرب والمنتمية إلى «الائتلاف الوطني السوري»، قد اجتمعت في اسطنبول طوال ثلاثة أيام لمناقشة المبادرة الروسية لعقد محادثات السلام والتوصل إلى حلّ في شأن الأزمة السورية. فالدبلوماسيون الروس لا يُبقون على تواصلهم معهم، وكانوا قد دعوا ثماني وعشرين شخصية معارضةً إلى موسكو لإجراء محادثات في نهاية كانون الثاني الجاري، مثل هادي البحرة، معاذ الخطيب وعادل البساط سيدا الذي يستفيد من الدعم السعودي . ومن المتوقع أن يُعقد اجتماع آخر في القاهرة لتشكيل جبهة موحدة لمحادثات موسكو والتي أوصت بها روسيا وذلك تحت إشراف جامعة الدول العربية.

تبرز روسيا كبطل رئيسي في سياق أحداث المسارات الدبلوماسية الثلاثة آنفة الذكر، صيغة الصفقة الإيرانية التي قدّمتها واشنطن للحدّ من قدرة طهران على صنع القنابل النووية من خلال حملها على نقل حمولتها من اليورانيوم المخصّب إلى روسيا ، ما يفسر ـ جزئياً ـ المبادرة الدبلوماسية التي تولاها وزير الخارجية الأميركية جون كيري في الأول من كانون الثاني عندما هاتف نظيره الروسي سيرغي لافروف ليقدّم له تهانيه بحلول السنة الجديدة ما حدا بالإعلام الروسي إلى اعتبار كيري قد غيّر من وجهات نظره حول أوكرانيا، الوضع القائم في سورية، فضلاً عن العلاقات الثنائية الروسية ـ الأميركية.

وكان الرئيس أوباما قد حدّد رأيه ـ بشكل واضح ـ في شأن خطة استراتيجية كبرى تهدف إلى إشراك روسيا في ضرورة البدء بعملية بحث واسعة النطاق للتوصل إلى حلول سلمية في كل من سورية وأوكرانيا ولوضع الأسس اللازمة لاتفاقية مع إيران. وافترض أوباما أن عملية تطبيع شاملة مع الروس تعتبر شرطاً رئيسياً لإحراز أيّ تقدّم على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين. وقد يكون من السابق لأوانه تسمية هذا بـ«إعادة تعيين»، غير أن شيئاً من هذا القبيل يمكن أن يحدث في أمور كهذه. فلا يمكننا ـ مثلاً ـ استبعاد زيارة كيري إلى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين.

من المعروف أن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا قد اتسمت بالحدّة خلال السنة الماضية، وقد تستغرق وقتاً طويلاً للالتئام والإصلاح، فضلاً عن عدم القدرة على إغفال كدمات الغرور على وجهي الجانبين. لكن من الناحية الأخرى، سيمكّن عمل هاتين القوتين سوياً على عدد من الجبهات: سورية، إيران، أوكرانيا، من معالجة الهموم المشتركة وفهم نوايا أحدهما الآخر بشكل أوضح. ومما لا شك فيه أن ردود فعل باردة جداً تلوح من بعيد وراء هذه الغمامة الخطابية بين كلّ من موسكو وواشنطن، ما يفسر تدهور العلاقات الثنائية خلال العام 2014. فلو عمدت الولايات المتحدة إلى تضييق الخناق على روسيا، سيؤثر هذا على شراكتها معها عبر المحيط الأطلسي، ما قد يستوجب مزيداً من التحدي من قبل روسيا. وأيضاً، فإن استراتيجية روسيا الدفاعية ستدفع إلى انهيار اقتصادها ما قد يؤثر على استقرار البلاد في المدى المتوسط.

خلاصة القول، أن واشنطن قد نجحت ـ في نهاية المطاف ـ في تولي قيادة خياراتها الثابتة في كييف، إذ من الواضح أن الأخيرة بدت غير مستحقة خوض عضوية الناتو في المستقبل المنظور، كما أنها غير قابلة للحياة وغير مستقرة على المدى الطويل من دون أن تمدّ لها روسيا يد العون والمساعدة. أما بالنسبة إلى موسكو التي أعادت ضمّ شبه جزيرة القرم إلى أحضانها، فإن أحلامها بأن تصبح لاعباً رئيسياً على رأس قوة وطنية شاملة قد لا يكون قابلاً للتحقق مع نهاية العقد الحالي. وكان هنري كيسينجر قد قال ذات مرة: «لا شيء يُجلي التفكير ويُنقّيه مثل غياب البدائل»… تبدو فكرةً جيدة في هكذا قضية.

بوتين وأوباما

بلغ الأسلوب الدعائي للحرب الباردة ضدّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذروته في وسائل الإعلام الغربية. فالسيل الهائل من القمامة كما الألفاظ النابية التي رُميت في وجه الرئيس الروسي بلغت حدّ الاستنزاف. لكن في خضم حملة التشهير هذه، لا يزال بوتين يظهر بمظهر البارد اللامبالي، ما يكذّب الانتقادات الأميركية الكاريكاتورية من أنه لا يحتمل النقد. فهو ينجح بذلك على ما يبدو.

إلى جانب ذلك، فإن شعبية بوتين في نموّ مطّرد داخل روسيا وقد تخطّت الـ80 في المئة في الوقت الحالي. ومن الصعب أن نتخيّل اليوم رئيس بلاد في العالم يضاهي في شعبيته بوتين. ما يفسر لامبالاته تجاه الهجمات الإعلامية الغربية ضدّه. وكما صرّح سابقاً في إحدى مقابلاته، أنه قد انتخب رئيساً للبلاد كي يقدّم لها خدماته، لا كي يكون «لطيفاً» مع أوباما.

خلُص استطلاع أميركي للرأي أجرته وكالة «آسوشيتد برس» ومركز «NORC» للأبحاث في جامعة شيكاغو إلى نتائج مذهلة هي الأتية:

إن بوتين هو شخصية تحظى بشعبية كبيرة لدى الشعب الروسي، ويتمتع بتأييد 81 في المئة منهم.

يوافق الشعب الروسي على أن الهموم الاقتصادية تأتي في قائمة اهتماماتهم ويقرّون بأن العقوبات المفروضة ضدّ بلادهم تؤذي الاقتصاد الروسي، لكنهم ـ مع ذلك ـ لا يشعرون بتأثيرات سلبية على محتوى محافظهم النقدية.

يشعر معظم الروس أن بلادهم تسير في الاتجاه الصحيح وهم متفائلون بمخططاتهم المستقبلية الخاصة للسنوات المقبلة.

يدعم ثلثا الشعب الروسي الحركة الانفصالية في أوكرانيا.

يبدو هذا الاستطلاع مثيراً للاهتمام لأن مركز« NORC» للأبحاث في جامعة شيكاغو والذي درّس فيه أوباما اثني عشر سنة ليصبح أستاذاً يعمل أيضاً مع وكالات حكومية لتوفير البيانات وتحليلها والتي من شأنها دعم مراكز القرار في مجالات حيوية ورئيسية. يكفي القول، إن نتائج هذا الاستطلاع قد حازت اهتمام البيت الأبيض، وربما لفت مساعدو أوباما انتباهه إليها أيضاً.

لكن كيف ينبغي على أوباما الاطلاع بتمعن على نتائج هذا الاستطلاع؟ فمن الواضح أن مثل هذه النتائج تؤكد أنّ سياسته حيال روسيا تعيش في تخبط فوضويّ واضح. فإذا كان أوباما يأمل بأن الاقتصاد الروسي الرازح تحت نير العقوبات الغربية سيرضخ في النهاية، وأن سياسة القائد الروسي ستُقابل بالسخط الشعبي فمن الواضح أن أوباما قد بدا أحمقاً في مقاربته هذه.

وإذا أردنا التحدّث بموضوعية، فإن الشعب الروسي ممتنّ للغاية من سياسات زعيمه. فقد أخطأ أوباما خطاً شنيعاً حين اعتقد أنه يستطيع إبعاد القائد الروسي عن شعبه الذي يحبه. فبوتين ـ في الواقع ـ يستمتع بشعبية تفوق ضعف شعبية أوباما. كما أن محاولات الرهان على إحداث تصدّعات داخل النظام الروسي باءت جميعها بالفشل.

ما أدركه أوباما، أن الشعب الروسي يختلف عن ذلك الأميركي الساذج والمغيّب عمّا يحدث في العالم الخارجي. فالغالبية الروسية تتمتع بوعي أدبي وفكري وسياسي، والفضل في ذلك يعود إلى الإرث السوفياتي، فهم إذاً يدركون جدّياً استراتيجية الولايات المتحدة الاحتوائية تجاه روسيا، أو نوايا الناتو التوسعية يفهمون جيداً أن الأزمة الأوكرانية هي صراع وجودي لتحقيق التوازن مع أميركا. لذا، فهم يريدون من بوتين أن يبقى ثابتاً على هذا المسار.

يعتزم بوتين استغلال شعبيته لتنفيذ شيء عزيز على قلبه، أي ما يسمى بـإعادة هيكلة الاقتصاد الروسي وخفض الاعتمادات العالية على عائدات النفط. إنها خطة مستقبلية تبدو بعيدة المنال، غير أن أجواء التغيير تلوح في الأفق. فخطاب بوتين الأخير في الكرملين لا يترك لنا مجالاً للشك في كلّ هذا. صحيح أن الاقتصاد الروسي في ورطة، لكن الدعاية الغربية تبالغ في رؤيتها السوداوية الرهيبة، إذ ما من أحد يتوقع جدياً انهيار الاقتصاد الروسي، هكذا بكلّ ببساطة.

يبدو أن أوباما يواجه، والحال هذه، تحدياً فكرياً هائلاً. فهل سيمضي قدماً خلال السنة الحالية في اتباع سياسة النهج التهديدي الطائش حيال روسيا؟ وإذا كان سيقوم بذلك، فما الذي يبغي تحقيقه؟ يًجمع النقاد الأميركيون، إلى الآن، على أن بوتين لم يرفّ له جفن بعد. لكن ما الذي يمكن أن يعنيه مثل هذا الإدراك المتأخر؟

إنه يعني فقط حقيقة واحدة: إذا استمرّ الحال على ما هو عليه، فإن المواجهة ستدخل نفقاً تصعيدياً خطيراً. فمن غير المسموح الوقوع في أخطاء ديناميكية أثناء اللعب. ومع ذلك، فإن أوباما قد وقّع للتوّ على مشروع قانون يخوّله فرض المزيد من العقوبات على روسيا، والأسوأ من هذا انه سيعطي أوكرانيا 350 مليون دولار من السلاح. يؤمن بوتين وشعبه الآن وأكثر من أيّ وقت مضى، بأن أوباما يهدف إلى تغيير النظام في روسيا.

ومن الواضح، وبحسب استطلاع «NORC» أن تغيير النظام ليس ما يريده الشعب الروسي. فأين أوباما من كل هذا؟ ومما لا شك فيه أن روسيا أصبحت منافساً حقيقياً للولايات المتحدة على ساحة السياسة العالمية. ومن غير المعقول أن رجلاً ذا دماغ آليّ كأوباما سيسمح بأن يذكره التاريخ على أنه ذلك الرئيس الأميركي الذي حاز جائزة نوبل بينما كان يعمل على إذكاء نيران الحرب الباردة.

طريق الحرير تصل إلى السويس

تعليق معمّق نشرته بهادراكومار حول الشراكة الاستراتيجية الصينية المصرية

وثبت خطة «طريق الحرير» البحرية وحزامها الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين خطوات هامة إلى الأمام، خصوصاً بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الصين منذ أسابيع قليلة ولقائه الرئيس الصيني زي جينبينغ في بكين وحديثهما حول تصوراتهما المستقبلية للمشروعين اللذين سيوفّران فرصة هامة لتجديد جيل الشباب في بلاديهما. وكانت زيارة السيسي إلى الصين قد استغرقت أربعة أيام بحسب وكالة «شينخوا» الصينية.

سجّلت الصين إنجازاً دبلوماسياً يُحسب لها عبر إعلان الرئيسين زي والسيسي عن تطوير العلاقة بين بلديهما لتصبح شراكة استراتيجية كاملة. أكّد زي للسيسي أن الصين ستدمج مبادرات البناء المشترك لحزام طريق الحرير مع الأخرى البحرية بهدف تنفيذ خطط تحسينية تنموية أساسية في مصر، تعزيز التعاون في مجالات متعددة بما فيها البنية التحتية، الطاقة النووية، الطاقة الجديدة والفضاء، واستكمال كل هذا مع استثمارات مناسبة وترتيبات تمويلية.

والمثير للاهتمام، أنّ التعاون العسكري والأمني كان من ضمن النقاط المندرجة على جدول الأعمال. فقد صرّح زي أن البلدين سيشتركان في تضييق الخناق على الإرهاب.

بقي السيسي متيقظاً لناحية قضية الإسلام الراديكالي، خصوصاً حين اعتبرت الصين نفسها معنية أيضاً بمكافحة عناصره الإسلامية المتطرّفة والتي بدأت تثير المتاعب حتى في شينغيانغ. وبالنظر إلى طبيعة بنية القوة المصرية، فإن الصين ستكون المستفيد الأكبر في تعزيز علاقات البلدين العسكرية. وفي الواقع، فإن البحرية الصينية تخطط لتوسيع أماكن وجودها في البحر المتوسط في العقود المقبلة، باعتبار أن قناة السويس تشكل أهمية عظمى لاسترتيجية بكين العسكرية.

لمّح السيسي إلى التعاون الصيني الاستراتيجي حول قناة السويس. فهي ـ بالنسبة إلى الصين ـ منجم ذهب استراتيجي، إذ إنّ طريق الحرير البحرية ستطوّر وجودها وتُقوّي نفوذها من خلال القناة عبر البحر المتوسط ومنه إلى البندقية حيث ستلتقي مع الطريق البرية الجديدة التي تنطلق من شيان في وسط الصين وتمرّ عبر شينغيانغ وآسيا الوسطى إلى شمال إيران قبل أن تميل غرباً نحو العراق، سورية وتركيا لتكمل طريقها إلى أوروبا عبر بلغاريا، رومانيا، جمهورية التشيك وألمانيا، إلى روتردام في هولندا ثم جنوباً نحو البندقية في إيطاليا .

تنطلق طريق الحرير البحرية من تشيوانتشو في مقاطعة فوجيان وتتوجه نحو مضيق ملقة والمحيط الهندي لتصل إلى نيروبي، حيث تذهب شمالاً حول القرن الأفريقي وتتحرك عبر البحر الأحمر إلى المتوسط من خلال قناة السويس. وبالمناسبة، فقد انضمت كلّ من جزر المالديف وسيريلانكا إلى هذا المشروع منذ أيام قليلة مضت .

وكانت وكالة «شينخوا» الصينية قد نشرت تقريراً يبرز مدى اهتمام الصين بتوطيد العلاقات الاقتصادية مع مصر، التي تتوقع الحصول على فرص ضخمة نتيجة تطبيق هذا المشروع. كما أن الأهداف الاستراتيجية المتنامية لهذه العلاقات أصبحت واضحة. وخلاصة القول، إن مصر أصبحت لاعباً رئيسياً في خريطة طريق الحرير البحرية الاستراتيجية. ويبدو أن الرئيس الصيني سيقوم بزيارة مماثلة للرئيس السيسي في مصر في القريب العاجل من أجل إبرام صفقة الشراكة الاستراتيجية.

من الواضح أنّ الصين قد تجنبت ـ بذكاء ـ الانخراط في ما سمّي بـ«الربيع العربي»، وقد عبّر زي صراحةً عن هذا للسيسي باعتبار أن النظام السياسي المصري ومسار بلاده في هذا المجال، شأن يخصّ مصر وحدها. فالصين اتخذت موقفها هذا أسوة بموقف حليفها الروسي الرئيس فلاديمير بوتين الذي كان السيسي قد زاره في آب الماضي.

يبدو أن السيسي مرتاح للغاية لعلاقة بلاده مع روسيا والصين. فرئيس الوزراء المصري شكل مؤخراً وحدة خاصة لرصد وتيرة العلاقات مع روسيا والصين وتعزيزها وتسريعها. كما تأمل القاهرة استغلال هذه العلاقات لدرء خطر التدخلات السياسية الأميركية المحتملة.

وبالطبع، لا يمكن للولايات المتحدة إلّا أن تضطرب نتيجة لعمق العلاقات الروسية والصينية المترابطة مع مصر، التي لا تزال حليفتها الرئيسية حتى هذه اللحظة. ما يفسر اتصال الرئيس الأميركي أوباما بالسيسي ودردشتهما سوياً عبر الهاتف مباشرة قبل مغادرة السيسي إلى المطار ومنه إلى بكين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى