رسالة إلى رئيس الوزراء الفلسطيني د. رامي الحمد الله… هل أنت من أحب الناس إلى الله؟
د. رائد أبو داير – عزة
أخي رئيس الوزراء: يقول النبي صلى الله عليه وسلم «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس»، بالرغم من أنني لست خطيباً ولا واعظاَ، ولكن من تتبّع بسيط لمسيرة عملكم في الوظيفة الرسمية بصفتكم «موظفاً عند شعبك بمسمّى رئيساً للوزراء» وفق القسم أمام الله أولاً وقبل أيّ بشر كان، لوحظ أنّ هناك انحرافاً عن مسار القسم، وتحيّزاً غير موفق لخدمة الأشخاص بعيداً عن خدمة الشعب، وإليك بعض من المشاهدات التي بحاجة إلى مراجعة عاجلة قبل أن تفقد البوصلة:
وزراء وقيادات الحكومة: وأقصد هنا الوزراء وكبار القوم، وبالرغم من إقرارنا بالخطأ الذي تمّ ارتكابه فصائلياً استجابة لتعميق الوحدة الوطنية في اختيار بعض الوزراء الذين إما أن جاؤوا ترضية للرئيس او ترضية لعزام الأحمد كما تحدثت أنت، أو تطميناً لجهة ما، أو توافقاً مع شخص ما، إلا أنّ ذلك لا يمنعك من أن تصرّ على أن تختار فريق عملك من الحريصين على ثوابت شعبهم وليس من المتخذين من المواقع مدخلاً لمنافعهم الخاصة.
فلسطينيّو العالم: هل استوقفك هذا العنوان ولو مرة واحدة؟ هل تعلم حقيقة الفجوة بين جالياتنا وسفاراتنا؟ هل تعلم أنّ الفلسطيني في الخارج تتمّ إهانته لأسباب كثيرة وأهمّها أنّ سفراءنا مشغولون بأنفسهم وأبنائهم وأعمالهم، أما علمت أنّ لاجئينا يُهانون ويُحرمون من العمل من أنظمة عمقنا العربي، ويمكنك أن تدافع عنهم وتجلب لهم الكثير من الحقوق في منافيهم، أما تدرك أنّ لنا في جالياتنا أوسمة فخر وشموخ وأنتم لا تتواصلون معهم بالرغم من أنّ موقف جالياتنا أكثر وطنية ألف ألف مرة من سفاراتنا المهترئة، فهل سنجدك تشدّ رحالك إلى لبنان والأردن ومصر وأوروبا وتجلس مع جالياتنا لتشاهد أحوالها، وتعرف حقيقة دور سفرائنا منها، وتصرّ على تصحيح مسار قضيتنا في الخارج.
الضفة وسيطرة الحكومة فيها: لقد أوجعت الحكومة رؤوسنا وصدّعتها وهي تتنقل بين وكالات الإعلام شاكية أنها لا تسيطر على غزة، وأنها غير موجودة في غزة، وفي نفس الوقت وكما يقول المقرّبون منكم أصلاً الحكومة غير موجودة في الضفة، فلا تملك منع اقتحام للاحتلال، أو اغتيال للمقاومين، ولا هي قادرة على منع الاعتقال السياسي الذي وصل ذروته باعتقال المحرّرين من صفقة شاليط، ولا هي مؤثرة في المشهد السياسي، وهي عاجزة عن تأمين الموظفين المحسوبين على فتح مهما كانوا سواء أكانوا أعضاء مجلس ثوري أو أمين عام للمجلس التشريعي، أو مسؤولاً إعلامياً والكثير من القرارات تمرّ أمام ناظريكم وكأنّ على رؤوسكم الطير، فكيف تريد السيطرة على غزة وأنت لا تطلب السيطرة إلا من باب رفع العتب؟
القدس وأهلها: إنّ القدس وأهلها اليوم يدافعون عن شرف وكرامة الأمة كلها، وما وجدنا من الحكومة إلا بيانات خجولة لا تليق حتى بمؤسسة أهلية صغيرة مع تقديرنا للمؤسسات -، فلم نجد فصاحة اللسان ولا قوة عبارات التهديد تطاول الاحتلال كما تطاول أهل غزة، ولا وجدنا خطوات من الحكومة وقرارات تضيّق على المستوطنين في الضفة والقدس كما يتمّ مع أهل غزة، فهل سنجدك تُشمّر عن ساعديك بصفتك رئيساً لوزراء الشعب الفلسطيني وتذهب تدافع عن المرابطين، وتنشر جنودك منعاً لمداهمة المسجد الأقصى.
غزة الجرح الغائر برسم الولاء للأشخاص: نحن على قناعة كبيرة بأنك لم تشعر أنك رئيس للوزراء إلا عند زيارتك الخاطفة إلى غزة، وهذا حديث من همسوا بذلك، ولكننا وجدناك أكثر تنكراً لها في كثير من أمورها وأهمها:
ـ الإعمار: أتيت إلى غزة كي تنقل للعالم قبل مؤتمر الإعمار بالقاهرة أنك موجود على أرض غزة، وهذا منحتك إياه غزة، وأغمضت عينها عن سماسرة الإعمار في مؤسسات المنظمة مثل صندوق الاستثمار أو بكدار أو القطاع الخاص وكذلك السفارات، وهذا أيضاً ليس ضعفاً في غزة ولكن أملاً أن يبدأ الإعمار، ولكنكم حتى اللحظة لم تفعلوا أي شيء بل ما تمّ من خطوات يؤكد أنّ قرار السلطة هو عدم الإعمار إلا بإذلال غزة، وأنتم تعرفون أنّ أهل غزة يهبون كلّ شيء إلا كرامتهم، ولكن ما زال هناك متسّع من الوقت من خلال: إنهاء عمل الشؤون المدنية في ملف الإعمار وكلّ متعلقاته، وتفعيل الوزارات ذات العلاقة، وأن يكون مسؤول ملف الإعمار من غزة، ورفض كلّ إجراء خطة سيري، والإصرار على أن تدخل مواد الإعمار جملة واحدة.
ـ الحصار: من أغرب ما نسمع من التجار أنّ الاحتلال منزعج من قرارات السلطة بمواصلة حصار غزة، وبالرغم من عدم ثقتنا بالاحتلال، إلا أنّ شواهد ذلك كثيرة فمثلاً بعض الهيئات في السلطة تدقق في الأصناف من حيث الكمّ والنوع، ناهيك عن مسؤوليتكم عن معاناة أهل غزة في ما يتعلق بمعبر رفح، خاصة بعدما صرّح السفير الشوبكي علانية أنّ السلطة هي التي تطلب استمرار إغلاق المعبر.
ـ الكهرباء والتمييز بين مواطني غزة والضفة: كم نخجل من أنفسنا أن تكون لنا حكومة يرأسها أكاديمي ورئيس جامعة خرّجت الكثير من قادة المقاومة ان تجتمع لتقرّر إعفاء وقود غزة لأيام، بدلاً من أن تجتمع لوضع خطة للدفاع عن حرماتنا التي تُنتهك في القدس والضفة، وكأنّ يا سيدي أهل غزة مواطنون درجة عاشرة، أما خجلتم من أنفسكم…؟ هل يمكنكم العيش لبضع ساعات بدون كهرباء في الضفة، وهل تحصّلون مبالغ الكهرباء من كلّ مخيمات الضفة، وهل تستطيعون قطع الكهرباء عن أهلنا في الضفة؟
ـ رواتب وأموال غزة المنهوبة: تحاول وزارة المالية في رام الله أن تضحك علينا، بالقول إنّ ما يدخل من مال إلى خزينة السلطة شهرياً هو 7 مليون دولار، ولكن لا يمكن لنا أن نكذّب الأرقام، لأن غزة خاصة بعد إغلاق الأنفاق أصبحت وبحسب المتخصّصين في التحليل المالي، تدرّ على خزينة السلطة أكثر من 50 مليون دولار شهرياً، ناهيك عن الأموال التي تدخل باسم غزة من المساعدات والهبات إلى خزينة السلطة، لذا سيدي أودّ أن أهمس في أذنك أنّ جزءاً كبيراً من رواتب السلطة ابتداء من الرئيس مروراً بكم وبسفرائنا المغاوير، وصولاً إلى أصغر موظفي السلطة يتمّ دفعه من أهل غزة، في حين أعميتم أعينكم وصممتم آذانكم عن مدى حاجة موظفي غزة إلى رواتبهم، ظناَ منكم أنّ غزة سترفع الراية البيضاء، ولم تعلم سيدي أنّ موظفي غزة الذي حموكم يوم جئتم إلى غزة سيبقون أوفياء لشعبهم لأنهم يؤمنون بأنّ خزائن السموات والأرض لا تملكونها، ولكن الله مالكها.
أخيراً سيدي: لا تظن أنّ رسالتنا هذه استجداء، فغزة التي تعاملت مع الاحتلال ومرّغت أنفه في الطين، وكسرت هيبته بين الأمم لا تعرف الاستجداء، ولكن نأمل أن تقرأها من باب النصيحة… لأننا ندرك أنك تعلم أنّ كلّ عوائل غزة تدعو في سجودها وفي كلّ صلاة على منْ يحاصرها أينما كانوا ومهما كانوا وكيفما كانوا، ونعلم أنك تعرف كيف يشعر المرء عندما يفقد أبناؤه، فكم من أسر فقدت أبناؤها وترمّلت نساؤها وما زالت معاناتها مستمرة وأنت تملك رفع الظلم عنها، لذا إنّ رسالة غزة تقول لك كن خادماً للناس حتى تكون أحسن الناس إلى ألله، فغزة ما زالت ترمقك بعين المحبة… وإلا فغادر وعد حيث كنت حتى لا تشملكم دعوات أهل غزة.