اليوم يبدأ كيري وظريف مسيرة التفاهم السياسي

كتب المحرر السياسي:

اليوم ستبدأ مسيرة التفاهمات السياسية بين واشنطن وطهران بعدما وضع التفاهم على الملف النووي على السكة، وصارت التفاصيل المختلف حولها عناوين رمزية تنتظر التفاهم السياسي لتسلك طريق التفاهم النهائي. والتفاهم السياسي يتأسس من وجهة نظر إيران على الإقرار الأميركي بحقائق المنطقة التي يمثل فيها الدعم الأميركي لفريق بوجه آخر مصدراً لتأسيس كراهية لا مصلحة للأميركيين بها، والأمر الأشد تعبيراً هنا هو الدعم الأميركي الأعمى للسياسات «الإسرائيلية»، والعجز عن تفهم حقيقة وجود عدوانية «إسرائيلية» من جهة وحق فلسطيني من جهة أخرى، لا تستطيع واشنطن مواصلة تجاهلهما ولو من موقع نظرتها لـ«إسرائيل» كحليف لها، وفي المقابل فإن الحرب على الإرهاب لا يمكن أن تخاض وفقاً لمنظومة جاهزة من الحلفاء والخصوم هم حلفاء أميركا وخصومها، بدلاً من أن يكونوا حلفاء في الحرب على الإرهاب حتى لو كانوا خصوماً لأميركا في آن، أو العكس خصوم في الحرب على الإرهاب من جهة مقابلة حتى ولو كانوا حلفاء أميركا.

تدعو طهران واشنطن لمقاربة واقعية كي يتحقق التفاهم، فتنظر مثلاً للموقفين السوري والتركي بمنظار الحرب على الإرهاب، وتنظر بواقعية لمعادلة الصراع بين الفلسطينيين و«إسرائيل»، وتقرر أن تكون وسيطاً إذا لم تستطع الانحياز للجانب الذي يمثل ضفة الحق أو الحقيقة.

هذا ما قاله لـ«البناء» مصدر ديبلوماسي إيراني رفيع عشية المحادثات التي ستجمع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع وزير الخارجية الأميركية جون كيري في جنيف، حيث جدول الأعمال سياسي بامتياز. ومشكلة إيران كما قال المصدر، إنها تشهد سماعاً أميركياً يصل حد الإيحاء بالقناعة، لكنها تلمس هروباً من الأجوبة نحو الملفات المنفصلة كل على حدة خارج النظرة الإجمالية. وهنا يتقدم الأميركي بمحاولة الربط بين الملف النووي والملفات الإقليمية، وهذا ما ترفضه إيران بصورة مطلقة، فهي ليست ذاهبة للمقايضة، بل للحوار حول إمكانية التعاون الإقليمي وفقا لمبادئ، بعيداً عن تفاوض يفترض أنه تقني صرف في ملفها النووي.

الأجواء إيجابية في واشنطن كما تعكس تصريحات ممثلة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة سامنتا باور، بتحذير الكونغرس من مغبة التفكير بفرض عقوبات جديدة على إيران، لأن هذا سيتكفل بنسف المفاوضات حول الملف النووي كما قالت، فيما أعلنت الخارجية الأميركية أن دور الرئيس السوري بشار الأسد في أي مفاوضات للحل السياسي ضروري لنجاح هذه المفاوضات.

المؤشرات الأميركية الإيجابية تعكس وفقاً للمتابعين، القناعة الأميركية بأن طهران وحلفاءها يشكلون القوة الحيوية التي يمكن الرهان عليها في الحرب على «القاعدة» ومتفرعاتها، من الحوثيين في اليمن وصولاً إلى حزب الله في لبنان، وبينهما حكومتا سورية والعراق، بينما حلفاء واشنطن يتوزعون بين عاجز كـ»إسرائيل» ومرتبك قلق كالسعودية ومخادع كتركيا.

ترغب واشنطن وفقاً لمتابعي مواقفها، بالتوصل لتفاهم سياسي مع إيران حول صيغة تسمح بتولي إيران إدارة الحلول في كل من أزمات البحرين واليمن ولبنان وسورية مع الأخذ في الاعتبار المصالح السعودية، عبر التسريع بحوار سعودي إيراني تراه واشنطن ضرورياً وتبدي الاستعداد لتشجيعه والدفع باتجاهه. وفيما لا تمانع إيران، لا تخفي قناعتها بأن السعودية تبدو غير جاهزة وتراهن على حرب أسعار النفط التي تشجعها واشنطن من تحت الطاولة وهي تدعو للحوار. وتسأل طهران هل سيخرج الحوار اليوم بين كيري وظريف بخريطة طريق لحلحلة القضايا الإقليمية العالقة بعيداً عن مجرد إبداء الرغبات، بينما يبدو المفتاح دعم المسعى الروسي في سورية وفقاً لطهران؟

واشنطن ليست بعيدة عن الحوار الذي دعت إليه موسكو، بين الحكومة السورية ورموز المعارضة المستعدة للمصالحة على قاعدة أولوية الحرب على الإرهاب، وتترك روسيا للدور المصري الذي يحظى بالغطاء السعودي المشاركة في تحديد تشكيلات المعارضة الصالحة لهذه المهمة، بينما دعت في موسكو للاجتماع الأول في السادس والعشرين من الشهر الجاري، ولا تزال القاهرة تتردد في تولي مسؤوليتها وتحصر نشاطها بتوحيد فرقاء المعارضة الذين يجتمعون برعايتها وفي مقدمهم الائتلاف المعارض الذي تسلمت رعايته تركيا بمباركة سعودية.

مشكلة المعارضة من سيشارك ومن سيقاطع اجتماعات موسكو؟ إنهم متساوون في العجز عن المشاركة في وقف إطلاق نار، ومتساوون في العجز عن قبول التحدي في صناديق الاقتراع ولو توافرت ظروف نموذجية للعملية الانتخابية، كما ترى مصادر روسية واسعة الإطلاع على الملف السوري.

كي لا يقع الحوار للحل السياسي بما وقع في جنيف ترتضي موسكو الحوار بمن حضر لأنهم المؤهلون للمشاركة بحل سياسي، لأنه وفقاً للمصادر الروسية ليس المطلوب حواراً للحوار على طريقة ما جرى في جنيف، بل حوار يفتح طريق الحل السياسي عبر الاتفاق على أولوية المصالحة الوطنية، لأن الحرب على الإرهاب أولوية، خصوصاً أن كل دور المعارضة صار رمزياً بعدما نهشت «داعش» و«النصرة» كل الجسد العسكري وبدا أن الوزن الشعبي للمعارضة يخشى كل منازلة ديمقراطية، وجاءت الانتخابات الرئاسية بحقائق لا تقبل موسكو أن يجري تجاهلها في أي حوار سياسي يجب أن ينطلق من الدستور السوري المعمول به حتى يتسنى للراغبين بتعديله امتلاك الغالبية اللازمة التي تخولهم ذلك. وتتساءل المصادر الروسية أمام التشكيك بحياديتها في الحوار أين أصبح الذين كانوا يقولون قبل أيام إن روسيا تخلت عن تحالفها مع سورية؟

الموقف الأميركي الداعي لمشاركة الرئيس الأسد في أي حوار موضع ترحيب في موسكو وطهران، على رغم التكرار التقليدي للموقف العدائي من سورية ورئيسها.

قطار التفاهمات الدولية والإقليمية يطلق صفارة الانطلاق على رغم أن المعلن سيكون أقل بكثير من الواقع تسهيلاً على الذين يعيشون حالة الإنكار للتأقلم مع المتغيرات تدريجاً.

اللبنانيون تأقلموا باكراً عبر مسعى الحوارات التي انطلقت بين تيار المستقبل وحزب الله وشكلت صمام أمان بوجه المخاطر، وتستتبع بحوار التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بينما المتابعات الأمنية لا تزال مستمرة لجريمة بعل محسن وتتمة التحقيق في ما بعد تفكيك غرفة عمليات الإرهاب في سجن رومية.

داخلياً، استُكمل أمس تنفيذ الخطة الأمنية التي بدأتها الأجهزة الرسمية في سجن رومية أول من أمس. وفي هذا الإطار، بوشرت عملية تنظيم توزيع السجناء المنقولين من المبنى «ب» إلى المبنى «د». وواصلت القوى الأمنية وشعبة المعلومات عمليات البحث عن ممنوعات في المبنى «ب» وعن وثائق قد تظهر إعداد السجناء لعمليات إرهابية في لبنان. وأفادت المعلومات «أن المضبوطات قد تعرض أمام وسائل الإعلام بعد انتهاء عمليات المسح كلياً، والتي ستتبعها أيضاً المباشرة في أعمال ترميم المبنى «ب».

وأشارت المعلومات إلى «أن جميع الضباط والقوى الأمنية في سجن رومية أبلغوا بأنهم سيكونون مسؤولين عن أي خلل أمني. وأن المرحلة الثانية ضمن الخطة الأمنية ستركز على قطع الانترنت عن السجناء».

وتفقد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق المبنى «ب» في سجن رومية حيث اطلع على سير العمل بعد الإجراءات الأمنية التي حصلت أول من أمس.

وأوضح المشنوق «أن الهدف من الزيارة هو أن نرى ميدانياً ما يمكن القيام به في هذا المبنى كي يعود سجناً طبيعياً فيه الحد الأدنى من المقومات الإنسانية»، مشيراً إلى «أنه تم نقل المساجين إلى مبنى أفضل من المبنى الذي كانوا فيه، وما من سلاح في السجن نهائياً والأسطورة كلها كانت غير صحيحة».

وانهالت على المشنوق اتصالات التهنئة من مسؤولين وشخصيات سياسية، كما صدرت مواقف أشادت بالانجاز الذي تم في سجن رومية، لكنها في الوقت نفسه طرحت تساؤلات عن سبب التأخير في هذه الخطوة، معتبرة أن كل الحجج التي أطلقت في السابق عن عدم التمكن من ضبط السجناء في رومية كانت واهية ولا أساس لها من الصحة.

تخوف من انتحاريين منتشرين

إلا أن هذه الخطوة أعادت تحريك أهالي العسكريين المخطوفين في الشارع وعادوا إلى الاعتصام في ساحة رياض الصلح، إثر تهديد جبهة النصرة بإعدام العسكريين المحتجزين لديها. وتحركت الاتصالات بين الحكومة والأهالي الذين قطعوا طريق طلعة السراي الحكومي ولوحوا بالعودة إلى خيار قطع الطرق لا سيما في الصيفي إذا لم تطلعهم الدولة على ما يجري في الملف خلال يومين.

لكن وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أكد أن «الدولة لا يمكن أن تكون أسيرة الخاطفين أو حقلاً لتجاربهم»، كاشفاً أن «المفاوضات القائمة في الملف باتت في مرحلة عميقة ومتقدمة وأي استهداف لأي عسكري سيعطلها والتصعيد من الخاطفين سيعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر».

وعلى رغم ذلك، فقد عكست الأجواء المستقاة من متابعين لتحركات «جبهة النصرة» توجهاً لدى الأخيرة لنقل المعركة إلى مكان آخر. إذ أكدت مصادر مطلعة لـ «البناء» أن الجبهة «انتقلت إلى الصراع العنيف، وأن تفجير جبل محسن ليس سوى البداية». وأعربت المصادر عن تخوفها من «أن تشهد المناطق اللبنانية عمليات انتحارية، لا سيما أن الأجهزة الأمنية تحدثت عن 20 انتحارياً قيد الملاحقة». كما تخوفت المصادر من «أن تتعرض منطقة جبل محسن لهجمات انتحارية جديدة».

توقيف مشتبه به

وبالفعل أعلنت قيادة الجيش مساء أمس أنه تم توقيف اللبناني بسام حسام نابوش في محلة المنكوبين بطرابلس للاشتباه به بمحاولة تفجير نفسه.

كما أوقفت على حاجز وادي حميد – عرسال، كلاً من اللبناني زياد عبد الكريم الحجيري والسوري خالد عبدالله بدران بحسب إدعائهما، حيث كانا يستقلان سيارة نوع «كيا» لون أبيض تحمل لوحة سورية من دون أوراق قانونية، وذلك بعد محاولتهما الفرار باتجاه الجرود من دون الامتثال لأوامر الحاجز.

تسريع المحاكمات

أما على صعيد الوضع القضائي للموقوفين الإسلاميين، فأكد وزير العدل أشرف ريفي لـ«البناء» «أن المجلس العدلي أنهى 85 في المئة من ملفاتهم، وأنه كان يفترض أن ننهي ما تبقى من محاكمات مطلع الشهر الجاري، إلا أن امتناع بعض الموقوفين عن حضور الجلسات منع ذلك».

وإذ أثنى على العملية الأمنية التي قام بها الوزير المشنوق في سجن رومية، أكد ريفي «أننا بعد هذه العملية، سنكمل المحاكمات وننهي ملف الموقوفين الإسلاميين في وقت سريع»، مشيراً إلى «أننا مصرون على إنهاء هذا الملف الذي تأخرت فيه الحكومات السابقة، سريعاً».

ولفت إلى «أن تنفيذ العملية الأمنية في رومية كان نتيجة القرار اللبناني الجامع الذي توفر في الحكومة».

جيرو يحمل الملف الرئاسي إلى طهران

على خط آخر، ساد الجمود الحركة السياسية ولا سيما أن الاستحقاق الرئاسي مؤجل تلقائياً إلى حين اللقاء المرتقب بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. إلا أن التحرك الفرنسي استمر على صعيد الاستحقاق على خط إيران السعودية.

وعلمت «البناء» أن مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو زار طهران وعقد محادثات مع المسؤولين تناولت الوضع اللبناني طالباً ممن قابلهم التدخل لدى حزب الله لتغيير موقفه في شأن الانتخابات الرئاسية، إلا أن الجواب الإيراني كان حاسماً بـ»أننا لا نتدخل في الاستحقاق المذكور لأنه شأن لبناني داخلي».

ومن المقرر أن يزور جيرو الرياض قريباً للبحث مع المسؤولين السعوديين في هذا الملف.

أما لجهة لقاء عون جعجع فإن المشاورات مستمرة بين الرابية ومعراب على مستوى الصف الثاني لوضع جدول أعمال الحوار بين الجانبين، فيما

تعقد جولة ثالثة من الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله بعد غد الجمعة لاستكمال البحث في عدد من المواضيع الأمنية ولا سيما تنفيذ الخطة الأمنية في البقاع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى