مجدل سلم… بلدة عاملية تسجّل نهضتها العصامية بهمّة أبنائها وبلديتها

تحقيق: غادة دايخ وكوثر عيسى

هي ممرٌ لقضاءَيْ مرجعيون وبنت جبيل، جاءت على خطوط التماسّ تاريخياً، فاكتسبت بذلك نعمةً وشقاء، لها حصةٌ كبيرة على ممرّ الأحداث، وأنجبت قاعدة أشخاصٍ كانوا هم الأوتاد الذين وقفوا في وجه الطغاة حين لم يُجِد العالم قطّ ثقافة الموت، فحُفرت على أرضها أسماء أوائل الشهداء.

مجدل سلم، قرية جنوبية في محافظة النبطية ـ قضاء مرجعيون، ترتفع عن سطح البحر 650 متراً، وتبعد عن بيروت مسافة 111 كيلومتراً، تبلغ مساحتها 42.000 دونم ويصل عدد سكانها إلى 14 ألف نسمة، 30 في المئة منهم مغتربون في دولٍ عدّة منها: البرازيل، الدول الأفريقية، البارغواي، أميركا، إسبانيا، ودول الخليج.

يعود أصل اسم بلدة مجدل سلم إلى رواية تاريخية تقول إنّه بعد الفتح الإسلامي أصبحت الأحداث تتوارث، وكان شخص اسمه سِلم استقرّ في المنطقة واتخذ اسم مجدل سلم من اسمه. وبالعودة إلى قبل الميلاد، كانت البلدة تضمّ منطقة اسمها «خلة النصراني»، وكان يملك هذه القطعة من الأرض نصرانيّ، ومنطقة اسمها «جبل الدير» وأخرى اسمها «شمعونة» وجدوا فيها قصراً وما زال السور التراثيّ موجود، وفي البلدة أيضاً خمس طرقات معبّدة ومرصوفة بالصخر، تسير عليها عربات الجيش وتصل كلها إلى الطريق ذاتها. ويُقال إن هذا المكان لشخص اسمه «سِلم»، ومن هنا أطلق على المنطقة اسم «مجدل سِلم».

شهدت مجدل سلم خلال الخمسينات من القرن الماضي هجرة واسعة إلى الخليج، وبعد سنوات قليلة، انقلبت الموازين بتغير نوعيّ على المستوى المعيشي، وارتفع مستوى نموّ البلدة وتطوّرها اليوم، حتّى أصبحت تشبه المدن.

نصيب من الحروب

عام 1972، كانت المنظمات الفلسطينية تتخذ من مجدل سلم قاعدة لها، وكان أهالي البلدة يفتحون بيوتهم لكلّ المارّين فيها مهما كانت الأسباب إلا الصهاينة، سقط في البلدة شهداء كثيرون، وفي بداية مواجهة العدو الصهيوني، قدّمت ما يقارب سبعين شهيداً. ومن أوائل الشهداء الشهيد منير صبرا 1974 ، والشهيد معروف علاء الدين 1979 وغيرهما من الشهداء الكثيرين.

عام 1978 دخل العدو الصهيوني الأراضي اللبنانية ووصل إلى المجدل ودمرها، ودُمّرت مرتين خلال الاحتلال، أمّا عام 1982، فشهد اعتقال العدد الأكبر من الشبان من بلدة مجدل سلم على صعيد الجنوب.

المختار

إبّان الاحتلال الصهيوني، كانت مجدل سلم إحدى القرى الأساسية التي تنطلق منها فصائل المقاومة. وكل بيت من بيوتها يخرّج مقاومين، وبعد هذه الأحداث وتحرّر مجدل سلم عام 2000، كان هناك وضع اقتصادي صعب، أمّا اليوم، فتشهد البلدة نهضة عوّضت كل ظلم السنين على مستوى البنى التحية والاقتصاد.

هذا ما أكدّه مختار البلدة منذ سبعة وثلاثين سنة حيدر حسين زهوي لـ«موقع صوت الفرح»، إذ قال: «ما دامت الدولة ضعيفة والمؤسسات ضعيفة، سينتقل هذا الضعف إلى المواطن، الناس كانوا يزرعون حقولهم بالقمح والشعير مستعينين بالحيوانات، وكانت أرضنا تنتج لكل المناطق المجاورة، فكان الخير كثيراً، والناس يعيشون من أرضهم. أمّا اليوم، فأصبحت الزراعة ضئيلة لكننا نعيش بكرامتنا».

الشيخ ياسين

والتقينا الشيخ علي ياسين، مؤسّس «جمعية الزهراء للأعمال الخيرية والثقافية» التي تعنى بالشؤون الإنسانية والاجتماعية، كما يشغل منصب رئيس لقاء علماء صور. وتحدّث عن «واقعة الطفّ» التي تقام على أرض مجدل سلم كل سنة، وذكر أنّ المسرحية التي مثّلها الشباب على زمن والده عام 1984 تحت عنوان «لا للماء» لإحياء مشاهد كربلاء، كانت تقام على رغم وجود الصهاينة، «وبعد انسحابهم من المنطقة، تابعنا التمثيل بشكل بدائي، وكلّ تابع دوره واستمر التمثيل إلى اليوم مع التطوير في كل سنة، وبعض الممثلين من أبناء مجدل سلم انطلقوا ومثّلوا على صعيد لبنان أدواراً هامّة».

رئيس البلدية

الأستاذ عبد علاء الدين، انتخب رئيساً للبلدية منذ 30/6/2013، ويقول: «استُحدثت بلدية مجدل سلم عام 2004، وشعارها إلى اليوم خدمة المواطن وتأمين مقوّمات العيش».

وعن أهم إنجازات البلدية يقول معدّداً: «مشاريع تجميلية وخدماتية، إنشاء حدائق عامة، إنشاء بركة زراعية، تسجيل أكبر مساحة محمية طبيعية 5 دونمات ، استكمال شبكات المياه، شق الطرقات الزراعية مشروع شراكة بين الأهالي والبلدية ، تأهيل شبكات الكهرباء».

وتابع: «إن ثقافة العمل البلدي ثقافة جديدة لا تتواجد لدى العضو البلدي والمواطن، استلمت البلدية بـ600 مليون ليرة دين، وهذه من أهم المشاكل المالية التي نواجهها. وبمعالجة مستمرة انخفض الدين من سنة وأربعة أشهر حتى اليوم إلى 200 مليون ليرة، مدخول البلدية السنوي 350 مليون مقسّمة على دفعات من الصندوق البلدي المستّقل والجباية قليلة جداً».

ولفت علاء الدين إلى أن «اليونيفل» قدّمت محطة تكرير مياه للشرب ومولّد كهرباء، أما مجلس النواب بالتعاون مع اتحاد البلديات فقدّم للبلدة خط مياه من السلوقي إلى الخزّان بطول خمسة كيلومترات تقريباً، وقال: «نسعى اليوم للعمل على حلّ مشكلة المياه ونستعين بالاتحاد لفرز النفايات، وسنشكل هيئة لإرشاد الناس، وتعميم ثقافة فرز النفايات منزلياً، وسنوزّع أكياس نفايات على المنازل، كما سنحاول جاهدين إقامة ندوات لتوعية الناس على واجباتهم أمام المجلس البلدي وحقوقهم عليه. ونخططّ لمشروعنا الجديد، ألا هو إقامة مدينة رياضية ترفيهية للعنصر النسائي مسبح، أندية رياضية… بالتعاون مع مؤسسة جهاد البناء ».

صبرا

في مجدل سلم ثروة حيوانية هائلة من ماعز وأبقار وأغنام ودجاج، هذه الثروة أصبحت ضئيلة في بعض القرى اللبنانية، لذلك يحاول أهالي مجدل سلم المحافظة عليها لأنها ركيزة يعتمدون عليها في العيش، وتقوم البلدية بتأمين علف لبعض مزارع الدجاج ومعاينة الطيور بالتعاون مع دكتور بيطريّ.

وترتكز البلدة أيضاً على الزراعة، وهذا ما شرحه لنا الأستاذ علي صبرا نائب رئيس البلدية سابقاً ورئيس اتحاد تعاونيات قضاء مرجعيون وحاصبيا، ويقول: «في مجدل سلم نسبة كبيرة من المزارعين، نعتمد على زراعة التبغ وزراعة الحبوب، فأرضنا تعتبر جبلية، والزراعة اليوم بالأرض غير مربحة، وصارت ثقافة وتراثاً. إذا أرادت الدولة أن يبقى الناس في أرضهم، فهم يحتاجون لمقومات العيش، لأن العدو يحاربنا في الشأن الزراعي، وحتى اليوم إذا أردنا زراعة أرضنا نجد فيها قنابل عنقودية».

وتابع: «نشقّ كبلدية شبكة طرقات زراعية على مستويين: طرق موجودة في الخريطة وأخرى مستحدثة، وحتى اليوم أنجزنا ما يقارب 24 طريقاً وسنتابع».

وفي ختام حديثه، ثمنّ صبرا الخطوة التي قام بها «موقع صوت الفرح»، متمنياً تعميمها على كل البلدات والقرى في الجنوب، معتبراً أن هذه الأيام من أصعب المراحل التي نمرّ بها، لأننا نشهد معركة الكلمة. ووجّه كلمة إلى أهالي قريته، خصوصاً المغتربين، بأنّ مجدل سلم تحتاج حضورهم ومحبتهم لبعضهم. وخاطب الدولة قائلاً: «من دون مواطن، لا وجود للوطن ولا للدولة».

الأمين

وفي حديثنا مع السيد مصباح الأمين، قال: «عام 1895، انتقل السيّد علي محمود الأمين إلى دمشق آتياً من النجف، ثمّ إلى بلدته شقرا، بعدما أنهى دراسته في حوزات النجف وبلغ رتبة المرجعيّة التي خوّلته أن يهتمّ بشؤون الطائفة الشيعيّة ة ويمارس دوره كمرجع لها. عاد إلى شقرا وبدأت النهضة الأدبيّة والشعريّة والاجتماعيّة مع نهايات القرن التاسع عشر، لا سيّما أنّه أعاد بناء مدرسة جدّه، وتقاطر طلّاب العلم إلى شقرا من مختلف بقاع لبنان ومن جميع نواحي جبل عامل. وما يستدعي الانتباه في المدارس التي شكلّت حوزة علميّة متفرّدة أيّام المرجع السيّد علي محمود الأمين، أنّها ضمّت جناحاً خاصّاً تقام فيه ندوات الشعر والتذاكر في المسائل الفقهيّة، إذ لا تزال تلك البقعة من البلدة تسمّى حيّ المدارس».

ندوة العلّية

وحول «ندوة العليّة» يقول الأمين إنها استمرت على أحسن حال حتى عام 1937 الذي شهد وفاة السيّد عبد الحسين الأمين الذي أحيى هذه الندوة منذ عام 1910 في منزله. واستمرّت هذه الندوة منبراً للشعراء وملتقى لرجال الدين والأدب على يد المرجع السيّد محسن الأمين في علّيّته في شقرا، ولكنّها كانت أكثر ما تكون فاعلةً في فصل الصيف حين كان يعود السيّد إلى بلدته آتياً من الشام.

عام 1952 انتقلت العلّية إلى بلدة مجدل سلم حيث كان يقيم السيّد محمّد باقر الأمين نجل المرجع السيّد علي محمود الأمين ، ففي هذه المرحلة تعدّدت أدوار العلّية، فإضافة إلى حلقات الشعر والأدب والتذاكر، أنشئت محكمة لحلّ المشاكل والخلافات وإصلاح ذات البين، فهذا الدور الاجتماعي كان رديفاً هاماً بالنسبة إلى الدور الثقافي والعلمي».

ويتابع: «في نهاية القرن العشرين، رأى العلّامة السيّد أحمد شوقي الأمين أنّ عليه الاستمرار في النهج الذي خطّه أسلافه، فرأى من واجبه إحياء ندوة العلّيّة. فشهدت أمسيات الجمعة من كلّ أسبوع تقاطر الوفود إلى مركز ندوة العلّيّة للاستماع إلى ما يبدعه الشعراء والأدباء والعلماء.

وهكذا شكّلت ندوة العلّيّة في مجدل سلم استمراراً لما بدأه العلماء من أجدادنا آل الأمين، بعدما شرّعت أبوابها في أواخر القرن الماضي، ترعى الشعراء والناشئين وتدعمهم، كما أنّها تحيي المناسبات الدينيّة والوطنيّة، لا سيّما تلك المرتبطة بالمقاومة، فتحيي أعيادها ومناسباتها عبر إبداعات شعرية وأدبية».

وأضاف الأمين أنه ومنذ سنوات بدأت العليّة بالانتقال من مركزها في مجدل سلم وبالتعاون مع بعض الأندية والبلديّات في شحور، أنصار، العباسية، تبنين، الشرقية، قناريت وضاحية بيروت الجنوبية لإقامة نشاطات مميّزة وهادفة.

وختم بالإشارة إلى الأهداف المستقبليّة مثل إنشاء مركز ثقافي كبير بِاسم مجمّع العلّامة أحمد شوقي الأمين، إذ بدأ بناؤه في بلدة مجدل سلم وسيضمّ إضافة إلى القاعة الثقافية، مركزاً صحّياً لخدمة أهالي المنطقة، وقاعة للعلوم الدينيّة ومكتبة عامّة من أضخم المكتبات في لبنان، إضافة إلى مركز رياضي ومكتب خدمات اجتماعية.

بلدة مجدل سلم من أولى القرى التي أقيمت فيها مدرسة في جبل عامل. تأسست على يدّ الشيخ مهدي شمس الدين، وظهرت حركة أدبية واسعة في الفترة الأخيرة

مثّلها الشيخان محيي الدين شمس الدين وعلي مهدي شمس الدين.

ياسين

وكان لنا لقاء مع طارق ياسين رئيس «الجمعية التعاونية لنحالي جبل عامل» ومدير مدرسة مجدل سلم الرسمية، وبدأ مهنة التعليم عام 1977، اختصر لنا ياسين مسيرة عمله قائلاً: «لا شكّ أن العمل التربوي لا يختلف كثيراً عن العمل التنموي، لكن الهدف يختلف. تربية النحل ورثتها عن والدي، عام 1993 انتُخبت رئيساً لجمعية تعاونية نحالي جبل عامل وما زلت، ومن خلال ذلك انتخبت للجمعية المتحدة لتعاونية مربي النحل وأنا عضو فيها، وفي هذا المضمار نهتم بالتنمية السكانية، وتحسين دخل للمجتمع».

وتابع: «هدف الجمعية التعاونية تطوير قطاع تربية النحل في المنطقة التي تأسست عام 1989، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمنتسبين إلى الجمعية من خلال تطوير تربية قطاع النحل وتحسين دخله من حيث النوع والكمّ وتسويق الإنتاج، ودورنا في الجمعية أن نكون الوسيط بين المنتجين والمستهلكين، ونحن لا يمكننا تولّي عملية تسويق منظمة 100 في المئة، فالناس يحبون شراء العسل من النحال مباشرة لأنهم لا يثقون بالعسل الذي يوضع في التعاونيات، لذلك نحاول أن نشرك مربّي النحل بمعارض سنوية في الجنوب وغيره من المناطق».

وتابع: «أما المدرسة فهي تأخذ الجزء الأكبر من وقتي، فقد شهدت مجدل سلم من حوالى 20 سنة نهضة كبيرة في مجال التعليم. وميزة مجدل سلم أن فيها نسبة متعلمين عالية، وتغيرت الأساليب والأهداف التعليمية لربط مجال التعليم بسوق العمل، والهدف الجديد اليوم تنمية القدرات التعليمية عبر الأبحاث والمجموعات».

ويعمل ياسين أيضاً منذ عشرين سنة أيضاً في صناعة الصابون، بعدما بدأ اهتمامه بالأعشاب والنباتات الطبيعية لأن فيها منفعة كبيرة للإنسان كمادة علاجية ووقائية. ويبقى الإنسان على تماس مع البيئة والطبيعة. يصنّع ياسين الصابون بمواصفات عالية الجودة خالية من أيّ مواد كيماوية.

زهوي

كمال زهوي، من أبناء مجدل سلم، يروي بعضاً من المعاناة التي يواجهها كمواطن لبناني: «مشكلتنا الأساسية اليوم بالنظام الطائفي الموجود، لا ركيزة لنمارس العمل ونواصله، لذلك يهاجر الجميع. بعض الحارات تصل إليها الكهرباء والمياه، ولا رقابة من شركة المياه أو ربما يغضّون النظر. في الشتاء نضطرّ لشراء المياه لأنها لا تصل حتى لنغسل أيدينا. ونحن نعيش في بيئة زراعية، فلماذا لا نشجع تربية الحيوانات؟ لماذا لا يكون لدينا معامل ومشاريع إنمائية؟ لا نريد تحميل رئيس البلدية أكثر من طاقته، وكلما نسدّ الدين نقع في دين آخر».

تعدّدت الأسباب والوطن واحد، مهما ازدادت المآسي والهموم يبقى الجنوبيون يحاربون للعيش بكرامتهم، بالبندقية والقلم والحجر، ويبقى عنوان الجنوب، العزّ والنصر، فالتاريخ سجّل فخر السنين الذي كتب بالدم والبذل والعطاء، ومجدل سلم مثال من هذا التاريخ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى